كتب: محمد بركات
شهدت جامعة طهران، مؤخرا، حادثة مأساوية تمثّلت في مقتل الطالب أمير محمد خالقي الخميس 13 فبراير/شباط 2025، داخل المدينة الجامعية، ما أثار موجة احتجاجات طلابية بدأت يوم الجمعة 14 فبراير/شباط، صاحبها تدخّل عناصر مدنية لقمعها، مما زاد من الجدل حول تعامل السلطات مع الأزمات الجامعية. وبينما تباينت ردود الفعل بين إدارة الجامعة ووزارة العلوم، يرى الأكاديميون أن هذه الأحداث تعكس توترات أعمق في المجتمع الإيراني.
ما الذي حدث في الأيام الأخيرة؟
بدأت القصة حين تم الإعلان عن مقتل الطالب أمير محمد خالقي داخل المدينة الجامعية في جامعة طهران، لم يكن هذا الحادث عاديا؛ نظرا إلى كون الجريمة قد وقعت في الحرم الجامعي، وهو مكان من المفترض أن يتمتع بأعلى مستويات الأمان للطلاب.
أثارت هذه الجريمة غضب الطلاب ودفعتهم إلى الاحتجاج والمطالبة بالتحقيق في الحادث وتوفير الأمان داخل المدينة الجامعية، فقاموا باعتصام داخل المدينة بدأ منذ الإعلان عن وفاة أمير محمد واستمر حتى اليوم 17 فبراير/شباط 2025.
تطور الوضع بشكل سريع عندما تدخلت عناصر مدنية مجهولة، وهي ما يُطلق عليها عادةً عناصر غير رسمية أو مدنية؛ في محاولة لقمع الاحتجاجات الطلابية. هذه الخطوة دفعت الأحداث نحو مزيد من التصعيد وأثارت استياء واسعا بين الطلاب.
في ذلك الوقت، لعب حسين حسيني، رئيس جامعة طهران، دورا رئيسيا في الحد من تصاعد الأزمة، حيث تدخل بشكل مباشر وتحدث مع الطلاب، محاولا تهدئة الوضع ومنع تفاقم الأحداث، حيث قال: “أيها السادة، اسمحوا لي، لقد تقدّم بي العمر الآن، لقد عايشتُ أحداث 18 تير، مظاهرات طلابية سابقة، وقد كان العامل الرئيسي في كل ما حدث حينها هو العناصر ذات اللباس المدني، أقول هذا الآن بصفتي مسؤولا، وربما أُحاسَب غدا بسبب هذا الكلام. كنا نتحدث في أجواء مؤلمة ومليئة بالحزن؛ قيل لي أن آتي في الساعة السابعة مساء، لكنني قلت: سأحضر في الخامسة، لذا كان من المفترض أن نجلس معا ونناقش القضايا. هؤلاء الذين يأتون بهذا الشكل، بملابس مدنية، ويرتكبون مثل هذه الأفعال، هم العناصر التي تسعى إلى جرّ الأحداث إلى الشوارع. نحن الجامعيين أصحاب عقل وإدراك، ويمكننا حلّ قضايانا داخليا”.
جاء حضور حسيني بين الطلاب في محاولة لتهدئة الأوضاع، تزامنا مع عودة وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا، حسين سيمائي صراف، من زيارته للسعودية التي قطعها قبل إتمامها، حيث اعتُبرت هذه التحركات إشارة إلى تضامن مسؤولي الجامعة والوزارة مع الطلاب.
آراء الأكاديميين في إدارة الأزمة
في هذا السياق، برزت العديد من الآراء الأكاديمية حول كيفية تعامل الجامعة ووزارة العلوم مع الأحداث، حيث أكد رحيم أبو الحسني، عضو هيئة التدريس في قسم العلوم السياسية بجامعة طهران، في حوار مع صحيفة هم ميهن الاثنين 17 فبراير/شباط 2025، أن المشكلة ليست جامعية بحتة، بل إنها تعكس مشكلة أعمق في المجتمع الإيراني بشكل عام.
وأضاف أبو الحسني أن الجريمة التي شهدتها الجامعة جزء من سلسلة من الحوادث التي تعاني منها البلاد نتيجة غياب الأمان في بعض المناطق، مشيرا إلى أن رد الفعل الطلابي كان متوقعا نتيجة للطبيعة الجماعية للحرم الجامعي، حيث يُنظر إلى الجريمة على أنها تهديد للهوية الجامعية المشتركة.
أما بخصوص تصرف الوزارة ورئاسة الجامعة، فقد أشاد أبو الحسني بتدخل وزير العلوم السريع، وكذلك بدور رئيس جامعة طهران في تهدئة الأوضاع، لكنه وعلى الجانب الآخر، انتقد بشدةٍ دخول العناصر المدنية إلى الحرم الجامعي، واصفا إياه بأنه إهانة للطلاب وإذلال لهم، حيث قال إن هناك من يسعى لتحويل قضايا الجامعة إلى قضايا في الشوارع، مضيفا أن استدعاء مثل هذه العناصر لا يخدم إلا أولئك الذين يرغبون في خلق الأزمات بدلا من حلها.
في السياق نفسه، أشار تقي آزاد أرمكي، العضو السابق في هيئة التدريس بقسم علم الاجتماع، في حديثه مع “هم ميهن” 17 فبراير/شباط 2025، إلى أن المشكلة أعمق من مجرد حادثة فردية، فهو يرى أن المجتمع الإيراني مجتمع متوتر بطبيعته، وأنه يبحث عن قنوات للتعبير عن نفسه.
كذلك، فقد أكد أرمكي أن أي حادثة، مهما كانت بسيطة، قد تتحول إلى أزمة كبرى في ظل هذا السياق، منتقدا استخدام العناصر المدنية لقمع الاحتجاجات، قائلا إن هذه العناصر معروفة بخصائصها التخريبية والراديكالية، وأنها غالبا ما تزيد من تعقيد الأزمات بدلا من حلها.
من جانبه، أثنى صادق زيبا كلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، في مقال له بصحيفة هم ميهن، الاثنين 17 فبراير/شباط 2025، على استجابة رئيس جامعة طهران، الذي توجه مباشرة إلى المدينة الجامعية بعد الهجوم، وكذلك على قرار وزير العلوم قطع زيارته للسعودية والعودة إلى إيران، معتبرا أن هذه التحركات تعكس اهتماما حقيقيا بالقضية، خلافا لما يحدث عادة من إصدار بيانات شكلية.
وفي المقابل، انتقد زيبا كلام، صمت الرئيس والبرلمان، مشيرا إلى التناقض بين إدانة بعض المسؤولين للعنف ضد اللاجئين في الولايات المتحدة وتجاهلهم للعنف الذي يحدث داخل البلاد.
خلفية الاحتجاجات الطلابية
لم تكن تلك المرة الأولى التي تشهد فيها جامعة طهران احتجاجات طلابية بهذا الشكل، فقد كانت الجامعة مسرحا للعديد من الاحتجاجات التي تعكس التوترات السياسية والاجتماعية التي تمر بها إيران على المستوى الداخلي.
ففي 9 يوليو/تموز من العام 1999، اندلعت واحدة من أكبر الاحتجاجات الطلابية في تاريخ إيران الحديث، حيث بدأت الأحداث بعد إغلاق صحيفة سلام الإصلاحية، مما أثار غضب الطلاب الذين اعتبروا القرار قمعا لحرية الصحافة، حينها خرج الطلاب في تظاهرات داخل جامعة طهران، لكن سرعان ما تصاعدت المواجهات بينهم وبين قوات الأمن، التي اقتحمت المدينة الجامعية ليلا، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى واعتقال عدد كبير من الطلاب.
جدير بالذكر أن هذه الاحتجاجات لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل أصبحت نقطة تحول في تاريخ الحركة الطلابية الإيرانية، حيث أظهرت مدى التوتر القائم بين التيار الإصلاحي والمحافظين داخل النظام السياسي.
كذلك ففي يونيو/حزيران 2003، شهدت جامعة طهران احتجاجات أخرى، لكن هذه المرة كانت بسبب قرارات حكومية متعلقة بخصخصة بعض القطاعات التعليمية والسكن الطلابي، وشعر الطلاب بأن هذه الإجراءات ستؤثر على قدرتهم على تحمل تكاليف الدراسة، فخرجوا في مظاهرات سلمية، لكن المواجهات مع قوات الأمن أدت إلى اعتقالات واسعة.
وعلى الرغم من أن هذه الاحتجاجات لم تكن بالعنف نفسه الذي شهدته احتجاجات 1999، فإنها أظهرت أن الغضب الطلابي لم يتراجع، وأن الجامعات لا تزال بؤرة للاعتراض على سياسات الدولة.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2009، جاءت موجة جديدة من الاحتجاجات الطلابية في سياق أوسع من المظاهرات التي عمّت البلاد بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في يونيو/حزيران من العام نفسه. فقد تزامنت الاحتجاجات مع يوم الطالب في إيران، حيث استغل الطلاب هذه المناسبة للاحتجاج على نتائج الانتخابات التي أدت إلى إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد وسط اتهامات بالتزوير. وقد اعتبرت هذه الاحتجاجات جزءا من الحركة الخضراء، وشهدت قمعا أمنيا شديدا، مما أدى إلى اعتقالات واسعة شملت العديد من الناشطين الطلابيين.
وفي سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من العام 2022، اندلعت احتجاجات طلابية جديدة في جامعة طهران وعدة جامعات أخرى في أنحاء البلاد، على خلفية وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني في سبتمبر/أيلول 2022 في أثناء احتجازها من قبل دورية تابعة لشرطة الأخلاق، هذه المظاهرات كانت جزءا من حركة أوسع شملت مطالبات بالحقوق الاجتماعية والسياسية، ولم تقتصر على الجامعات فقط، بل امتدت إلى مختلف المدن الإيرانية.
كانت الاحتجاجات هذه المرة أكثر انتشارا واستمرت لفترة طويلة، ما أدى إلى ردود فعل دولية واسعة النطاق، وأثارت نقاشا عميقا حول مستقبل الحريات في إيران.
وبالمقارنة مع هذه الاحتجاجات السابقة، فإن الأحداث الأخيرة في جامعة طهران تختلف في أسبابها المباشرة، حيث جاءت نتيجة حادثة جنائية داخل المدينة الجامعية، وليس بسبب قضية سياسية أو حقوقية. لكن في المقابل، فإن التدخل الأمني واستخدام عناصر مدنية لقمع الاحتجاجات يعيدان إلى الأذهان السيناريوهات السابقة، ويثيران التساؤلات حول كيفية تعامل السلطات مع الأزمات داخل الجامعات، وما إذا كانت هذه الحادثة ستبقى معزولة أم ستؤدي إلى موجة احتجاجية أوسع.