كتب: محمد بركات
تشهد العلاقات بين إيران وأوروبا تصعيداً حاداً في ظل تعثر المفاوضات النووية وتزايد التوترات حول قضايا المعتقلين الأجانب، بينما يلوح في الأفق تغير سياسي محتمل مع اقتراب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الحالي، هذا المشهد المتوتر يتزامن ومطالبات أوروبية بتحقيقات شاملة في ظروف احتجاز المعتقلين، إلى جانب استدعاء السفراء وتبادل الانتقادات العلنية، مما يعكس تفاقم الأزمات بين الطرفين ويزيد من تعقيد مستقبل العلاقات الدبلوماسية والسياسية في المنطقة.
إذ أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية 10 يناير/كانون الثاني 2025، عن استدعاء السفير الإيراني في باريس، محمد أمين نجاد، على خلفية قضية السجناء الفرنسيين المحتجزين في إيران.
وكان جان نويل بارو، وزير الخارجية الفرنسي، قد أشار في تصريحات 7 يناير/كانون الثاني 2025 إلى وجود اتهامات بالتجسس بحق ثلاثة مواطنين فرنسيين محتجزين في إيران، معتبراً أن العلاقات المستقبلية لبلاده مع إيران ورفع العقوبات عنها يعتمدان على مصير هؤلاء السجناء.
وأضاف بارو: “إن وضع مواطنينا الذين تم احتجازهم كرهائن في إيران غير مقبول على الإطلاق. لقد تم اعتقالهم ظلماً منذ سنوات في ظروف مهينة وغير إنسانية”، مشيراً إلى أن “ظروف بعضهم، وفقاً للقوانين الدولية، يمكن تصنيفها على أنها تعذيب”.
كما دعا بارو المواطنين الفرنسيين إلى تجنب السفر إلى إيران حتى يتم الإفراج الكامل عن السجناء الفرنسيين، كما قال إن أوضاع هؤلاء السجناء تفاقمت منذ فوز الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بمنصب رئاسة الجمهورية في يوليو/تموز من عام 2024، ذلك على الرغم من الجهود التي تبذلها باريس على أعلى المستويات للإفراج عنهم.
جدير بالذكر أن تلك القضية ترجع إلى إبريل من العام 2022، عندما ألقت إيران القبض على ثلاثة مواطنين فرنسيين وهم: سيسيل كوهلر، وزوجها جاك باري، ووجهت لهما تهمة التجسس، وهي التهمة التي نفتها عائلتهما، وهما محتجزان في الجناح 209 من سجن ايفين الشهير، وأما المواطن الفرنسي الثالث، والمعروف باسم أوليفييه فهو معتقل في إيران منذ خريف عام 2022.
وفي الوقت نفسه، أصدرت وزارة الخارجية السويسرية بياناً 10 يناير/كانون الثاني 2025 طالبت فيه بإجراء تحقيق شامل حول وفاة أحد مواطنيها الذي تم اعتقاله في إيران بتهمة التجسس وانتحر أثناء وجوده في السجن، حيث جاء في البيان “تطالب سويسرا السلطات الإيرانية بتقديم معلومات دقيقة حول أسباب اعتقال المواطن السويسري وإجراء تحقيق كامل حول ظروف وفاته”.
وأضافت الخارجية السويسرية أن إعادة جثمان المواطن السويسري إلى سويسرا أمر ذو أهمية بالغة.
وفي بيانها، أكدت الخارجية السويسرية أنها منذ علمها بالاعتقال، ظلت سفارتها في طهران على اتصال يومي مع السلطات الإيرانية للحصول على مزيد من التفاصيل حول ظروف الاعتقال وضمان الوصول القنصلي إلى المواطن المحتجز. ومع ذلك، أشارت الوزارة إلى أن الوصول القنصلي لم يكن متاحًا خلال مرحلة التحقيقات الأولية، بسبب الاتهامات الموجهة إليه والمتعلقة بالتجسس والعمل ضد الأمن القومي.
قبلها، كان محمد صادق أكبري، رئيس المحكمة العليا في محافظة سمنان، قد أعلن 9 يناير/كانون الثاني 2025 عن انتحار مواطن سويسري في مكان احتجازه بسجن سمنان.
وقال أكبري: “تم اعتقال هذا المواطن السويسري بتهمة التجسس من قبل الجهات الأمنية، وهناك أدلة ووثائق تثبت ذلك، وقد كان ملفه قيد التحقيق والمراجعة”.
كما أوضح أكبري: “هذا المواطن السويسري كان محتجزاً في جناح خاص مع سجين آخر في سجن سمنان، وصباح يوم انتحاره، طلب من زميله في الزنزانة أن يذهب إلى كافيتيريا السجن لشراء مواد غذائية، حينها استغل المواطن السويسري الوقت الذي بقي فيه وحيداً وأقدم على الانتحار”.
وأضاف أكبري: “تدخل مسؤولو السجن على الفور لمحاولة إنقاذه، لكن الجهود لم تنجح. تم فحص جميع الأدلة والمستندات المتعلقة بمكان احتجازه، وتؤكد المستندات أن الانتحار هو السبب المؤكد”.
جدير بالذكر أن السفارة السويسرية كانت قد أعلنت في 10 ديسمبر/كانون الأول 2024، أنها تلقت إخطاراً من السلطات الإيرانية باعتقال مواطن سويسري بتهمة التجسس، ورغم عدم الكشف عن هويته، ذكرت سويسرا أن المعتقل رجل يبلغ من العمر 64 عاماً، كان قد سافر إلى إيران بصفته سائحاً، كما أوضحت أنه عاش خارج سويسرا لمدة تقارب 20 عاماً، حيث استقر في جنوب إفريقيا.
قبلها كانت الحكومة الإيطالية، قد أعلنت 8 يناير/كانون الثاني 2025، أن الصحفية الإيطالية سيسيليا سالا، التي كانت محتجزة في إيران، قد أُفرج عنها وهي في طريقها إلى روما.
حيث أعلن مكتب رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجا ميلوني، أنه بعد مشاورات مكثفة عبر القنوات الدبلوماسية والاستخباراتية فقد تم الإفراج عن سالا، وأن رئيسة الوزراء أبلغت والديها شخصياً بالخبر.
وقد كانت السلطات الإيرانية قد اعتقلت الصحفية الإيطالية سيسيليا سالا، البالغة من العمر 29 عاما، في طهران 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث كانت تقوم بتغطية إعلامية عندما أوقفتها قوات الشرطة، ولاحقا وجهت إليها تهمة انتهاك قوانين الجمهورية الإيرانية.
وبينما من المقرر أن يلتقي المسؤولون الإيرانيون 13 يناير/كانون الثاني 2025 في جنيف لبدء الجولة الثانية من المحادثات، لمناقشة القضايا الثنائية ومستقبل المحادثات النووية قبل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تبقى الخلافات مطروحة على الطاولة مما يعقد مسار المحادثات أكثر.