كتب: محمد بركات
لطالما شكَّل ملف السدود الأفغانية أزمة كبيرة بين حكومتي طهران وكابل، فتحتَ زيادة الالتزامات المادية لدى الجانبين، تسعى كل دولة للحفاظ على حصتها من المياه، الأمر الذي تواجه إيران صعوبة فيه بسبب موقع أفغانستان الجغرافي المسيطر على منابع مياه، في حين تعلن أفغانستان عن تدشين أو ملء أو إنشاء سد جديد من حين إلى آخر.
فخلال مراسم تدشين كبيرة حضرها كبار المسؤولين في طالبان، أقيمت في 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت الحكومة المؤقتة في أفغانستان تدشين سد شاه وعروس بمنطقة شكر دره في كابل.
وخلال تلك المراسم، صرح مجيب الرحمن عمر آخوند زاده، مستشار وزارة الطاقة والمياه في حكومة طالبان المؤقتة، قائلا: “نحن لا ندير المياه بهدف إحداث مشاكل مع جيراننا أو في محاولة لإهدار حقوقهم، بل ندير مياه أفغانستان من أجل تأمين حقوق شعبنا”.
وأضاف آخوند زاده: “إن وزارة الطاقة والمياه في حكومة طالبان ستدير مياه أفغانستان بشكل يضمن عدم ضياع حقوق أي من الدول المجاورة، مضيفا: “لقد أثرت التغيرات المناخية سلبا على الموارد المائية في أفغانستان، وكان سبب هذه التأثيرات هو عدم إدارة المياه في البلاد”.
أزمة سد باشدان.. أحدث نقاط الاختلاف
تأتي هذه التصريحات في الوقت الذي أعربت فيه إيران مؤخرا، وبعد شهر من بدء أعمال التعبئة للسد، عن قلقها بشأن استكمال سد باشدان في ولاية هرات، حيث اعتبر عيسى بزرج زاده، المتحدث باسم مؤسسة خدمات المياه، أن بناء وملء هذا السد في حوض هري رود النهري المشترك والحدودي قد أدى إلى تقليص التدفق الطبيعي لنهر هري رود، مما نتج عنه أضرار اجتماعية وبيئية بالمناطق المنخفضة، خاصة في تضرر إمدادات المياه الصالحة للشرب بمدينة مشهد.
وأشار بزرج زاده إلى الروابط بين مدينتي مشهد وهرات، حيث قال: “نعتقد أن جميع الأشخاص الذين يعيشون في حوض المياه نفسه لديهم مصير مشترك، وأي تشديد أو ضغط على جزء من سكان الحوض سيؤثر حتما على جميع سكان الحوض”.
وأضاف: “لقد استفاد سكان حوض هري رود في كل من إيران وأفغانستان على مدى سنوات طويلة، من التدفق الطبيعي لهذا النهر العابر للحدود، وقد تم إنشاء حقوق عرفية وتاريخية للطرفين. إن آثار هذه الخطوة الأحادية من قبل الطرف الأفغاني لا تؤثر فقط على تأمين المياه الصالحة للشرب والصحة لملايين الأشخاص، بل تؤدي أيضا إلى تدمير البيئة في المناطق السفلية”.
كما أوضح بزرج زاده: “لقد أعربت إيران مرارا عبر القنوات الدبلوماسية عن احتجاجها الرسمي على الآثار السلبية العابرة للحدود الناجمة عن خطوات بناء السدود الأحادية من قبل الطرف الأفغاني في حوض هري رود، وطالبت بالتعاون المشترك لتقييم وتقليل هذه الآثار، واختيار التنمية المستدامة بدلا من التنمية المدمرة”.
وتابع: “نعتقد الآن أيضا أن الاستفادة الأحادية وغير التشاركية من موارد المياه في حوض هري رود ليست في مصلحة أي من البلدان في أعالي النهر أو أسفله”.
وختم بزرج زاده بتأكيد ضرورة الالتزام ببنود حقوق المياه الدولية الواضحة والصريحة في الاستفادة المشتركة من مياه نهر هري رود الحدودي، وقال: “نأمل أن يتخذ المسؤولون بأفغانستان، في إطار حقوق العرف الدولي ومبدأ حسن الجوار والعلاقات الودية بين البلدين، الإجراءات اللازمة لضمان الاستخدام المنطقي والعادل لمياه نهر هري رود في أعالي النهر”.
جدير بالذكر، أن أعمال البناء في هذا السد قد بدأت في العام 2011، وكان من المقرر أن يُبنى في غضون ثلاث سنوات، ولكن تم تأخير اكتماله، وفي النهاية بدأت حكومة طالبان في الشهر الماضي، في تعبئة المياه في هذا السد، وقد أعلنت الحكومة أن الهدف من هذا المشروع هو إنتاج 2 ميغاوات من الكهرباء وتأمين مياه لـ13 ألف هكتار من الأراضي الزراعية.
ويبدأ نهر هري رود تقريبا من جبال وسط أفغانستان، ويشكل جزءا من الحدود الشمالية الغربية لأفغانستان والشمالية الشرقية لإيران، ومن هناك يدخل إلى أراضي تركمانستان.
وبهذا الشأن، أوضح محمد درويش، الناشط البيئي، في تصريحات له الأربعاء 1 يناير/كانون الثاني 2025، آثار بناء هذا السد، بقوله: “إن بناء سد باشدان من قبل أفغانستان على أحد الروافد لنهر هري رود يخلق العديد من المشاكل في تأمين مياه الشرب لسكان مدينة خراسان الرضوية، كما أن تقليص التنوع البيولوجي وتأثيره على الزراعة في المناطق السفلى من الآثار السلبية لملء سد باشدان”.
وأكمل درويش: “فعندما قام الهنود ببناء سد سلما، وهو أول سد يتم إنشاؤه على نهر هري رود في أفغانستان، نشأت أزمة مياه لإيران، ومع ملء سد باشدان في أفغانستان، ستختفي بالكامل أي تدفقات مياه ضئيلة إلى إيران وتركمانستان”.
خسائر إيران من السدود الأفغانية
تسببت عملية بناء السدود في أفغانستان على الأنهار المشتركة مع إيران، مثل نهر هيرمند وهري رود، في أضرار بيئية واقتصادية كبيرة لإيران، فعلى مدار السنوات، كانت إيران تعتمد على مياه هذه الأنهار لتلبية احتياجاتها المائية، خصوصا في المناطق الحدودية مثل سيستان وبلوشستان. ولكن بناء السدود قد أدى إلى تقليص حجم المياه التي تتدفق إلى الأراضي الإيرانية، مما أثر بشكل كبير على الزراعة والصناعة والموارد المائية في هذه المناطق.
فمن أبرز تأثيرات السدود الأفغانية، الجفاف المتزايد في المناطق الإيرانية المختلفة، وعلى رأسها محافظة سيستان وبلوشستان، التي كانت تعتمد تاريخيا على مياه نهر هيرمند لتغطية احتياجاتها المائية، فسدّ “كمال خان” الأفغاني كان له دور رئيسي في تسريع جفاف بحيرة هامون، التي كانت تعتبر مصدرا رئيسيا للمياه وموطنا للعديد من الكائنات الحية، ومع الحصار المائي المتزايد، يعاني المزارعون الإيرانيون من نقص حاد في المياه، مما يهدد إنتاج المحاصيل الزراعية ويؤثر على حياة السكان المحليين.
كما أدت السدود إلى تقليص تدفق المياه وهو ما أدى بدوره إلى انخفاض التنوع البيولوجي في المناطق الحدودية الإيرانية، حيث تأثرت بيئة بحيرة هامون بشكل كبير، نتيجة لتقليص المياه الواصلة إليها من أفغانستان، مما تسبب في تدمير المواطن الطبيعية لكثير من الحيوانات والنباتات المحلية. كما أن انقطاع المياه يعزز من ظاهرة التصحر في المناطق التي تعتمد على الري من الأنهار.
ومع انخفاض تدفق الأنهار، يزداد الضغط على استخدام المياه الجوفية في إيران، الأمر الذي قد يؤدي إلى استنزاف مخزون المياه الجوفية في المناطق الحدودية، مما قد يعرضها لأزمة على المدى الطويل.
وعلى المستوى السياسي، فقد أدت السدود الأفغانية إلى توتر العلاقات بين إيران وأفغانستان، حيث اعترضت إيران مرارا على المشاريع الأفغانية التي تؤثر على حصتها من مياه الأنهار المشتركة، ورغم الاتفاقات السابقة بين البلدين، لا يزال العديد من هذه المشاريع يهدد حقوق إيران المائية، مما يخلق صراعا مستمرا حول كيفية تقاسم موارد المياه.