ترجمة: شروق السيد
يشهد قطاع الإسكان في إيران أزمة حادة أدت إلى زيادة معدلات الفقر بين الأسر المستأجرة.
أفادت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية، في تقرير لها يوم الجمعة 3 يناير/كانون الثاني 2024، بأنه وفقا لتقرير رسمي فإن نسبة المستأجرين في إيران الذين تراجعوا إلى ما دون خط الفقر زادت بأكثر من 48% بين عامي 2016 و2022، كما تظهر إحصائيات سابقة ارتفاع معدل الفقر بين السكان من 19% في عام 2011 إلى 33% في عام 2022.
ذكرت الوكالة وفقا لما صرح به الخبير الاقتصادي آلبرت بغزیان، أنه من العوامل الرئيسية لارتفاع نسبة الفقر خلال هذه السنوات زيادة التكاليف دون ارتفاع حقيقي في القدرة الشرائية لدخل الأسر، على سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى اتجاه تحديد الحد الأدنى للأجور ورواتب الموظفين في العامين الماضيين؛ على الرغم من التضخم الذي يتجاوز 40%، لم تسمح الحكومة بزيادة الأجور والرواتب حتى بمقدار يعادل نسبة التضخم.
لذلك، يُقال إن القوة الحقيقية للأجور انخفضت بنسبة 60% مقارنة بعام 2017، وفي المقابل، ارتفعت أسعار العقارات بوتيرة غير مسبوقة، ففي مارس/آذار 2017، قدّرت البنوك المركزية أن متوسط سعر المتر المربع للعقارات في طهران كان 56 مليون ريال، بينما وصل في سبتمبر/أيلول هذا العام إلى 885 مليون ريال.
وأضافت الوكالة بناءً على ما صرح به مسعود فراهاني، المحلل الاقتصادي المتخصص بقطاع الإسكان، في حوار أجرته معه الوكالة، قائلا: “لدينا في قطاع العقارات عدة أنواع من الفقر؛ أحدها هو (فقر السكن)، الذي يُقاس بجودة الوحدات السكنية من حيث وجود حمام أو خدمات صحية أو ماء، وهناك نوع آخر يُسمى الحرمان السكني، الذي يشمل قضايا واسعة مثل بيئة الحي وحتى وجود الدُش في الحمام، أما النوع الثالث فهو الفقر الناتج عن تكاليف تأمين السكن”.
وأضاف فراهاني أن “الفقر الناتج عن تكاليف تأمين السكن يعني أن الأسرة المعنية ليست فقيرة من حيث الدخل، لكنها عندما تدفع تكاليف السكن تصبح تحت خط الفقر، وهذه المسألة على علاقة وثيقة بالفقر المطلق.
لذلك، يمكننا القول إننا نواجه نوعين من الأسر الفقيرة: الأولى هي الأسر التي تكون فقيرة بالفعل، والثانية هي الأسر التي ليست فقيرة في الأصل ولكن التكاليف الباهظة للسكن تدفعها إلى الوقوع في الفقر”.
وأشارت الوكالة إلى تقرير نُشر مؤخرا من قبل وزارة التعاون والعمل والرعاية الاجتماعية، قدّر عدد الأسر التي تصبح تحت خط الفقر بعد دفع تكاليف السكن بـ233 ألف أسرة.
وفي هذا الصدد، يعتقد فراهاني أن “الأرقام بالطبع تختلف. ومع ذلك، يمكن القول بشكل واضح، إن بين 233 ألفا إلى 400 ألف أسرة إيرانية، يعيش معظمها في المدن، تعاني من الفقر الناتج عن دفع تكاليف السكن”.
وحذّر المحلل الاقتصادي المتخصص بقطاع الإسكان قائلا: “النقطة الحاسمة هي أن الأغلبية الساحقة ممن يعانون من الفقر الناتج عن تكاليف السكن هم من المستأجرين، والسبب في وقوعهم في هذه الحالة هو عدم ارتفاع دخول الأسر بما يكفي لتغطية الزيادة في التكاليف، إضافة إلى الارتفاع الكبير في تكاليف السكن مقارنة بدخل الأسر”.
المدة التي يحتاجها الناس الآن لامتلاك منزل؟
ذكرت الوكالة أن فراهاني قال: “لقد استخدمنا مؤشر انتظار شراء المنزل مرارا، ولكن يجب الانتباه إلى نقطة مهمة، في حساب هذا المؤشر، يتم احتساب دخل الأسرة، ثم يتم تخصيص 30% منه كمتوسط للادخار، بعد ذلك يتم حساب المدة التي يحتاجها هذا الادخار ليصل إلى قيمة شراء وحدة سكنية مثلا بمساحة 75 مترا.
ومع ذلك، عندما نواجه الواقع الحالي للمجتمع، نرى أن الشرائح الأربع الأفقر في البلاد لا تدخر شيئا على الإطلاق، بل إنهم، بسبب زيادة التكاليف على الدخل، يزدادون ديونا كل عام، وبالتالي يزدادون فقرا، وبهذا المعنى الدقيق، لا توجد لهم أي فرصة لامتلاك منزل”.
وأضافت: “وفقا لقوله فإن هناك نقطة أخرى يجب مراعاتها، وهي أنه كلما تقدمنا من الشريحة الرابعة إلى الشرائح الأكثر رفاهية، فإنهم رغم أنهم ليسوا فقراء بشكل مباشر من حيث الدخل، فإن المستأجرين في الشرائح الخامسة أو السادسة عندما يدفعون تكاليف تأمين السكن، ينحدرون إلى ما دون خط الفقر. وبهذا الشكل، فقدت شريحة كبيرة من المجتمع الإيراني اليوم أي إمكانية لامتلاك منزل”.
وذكرت الوكالة أنه “في ما يتعلق بالأسر التي تعاني أصعب الظروف من حيث مؤشرات الفقر، فقد أوضح فراهاني أن المستأجرين في المدن، خاصةً المدن الكبرى والعواصم، وعلى وجه الخصوص الأسر التي تتألف من ثلاثة أو أربعة أفراد، في أصعب وضع، وفي المقابل، كلما زاد عدد أفراد الأسرة عن أربعة، تتحسن ظروفها المعيشية، لأن الأسر الأكبر والأكثر ازدحاما، لديها عادةً عدد أكبر من الأفراد العاملين، ومع زيادة الدخل تزداد الرفاهية”.
وطالب فراهاني بضرورة تدخل الحكومة في سوق الإسكان لصالح المستأجرين، وقال: “المصطلحات أحيانا تحمل دلالات أيديولوجية، وكلمة (تدخل) باتت في الآونة الأخيرة تُستخدم بشكل عقائدي وتعبر عن موقف سياسي معين.
القضية الأساسية هي ضرورة لعب الحكومة دورا في قطاع الإسكان، حتى الآن، الحكومة تعد لاعبا رئيسيا في هذا القطاع، حيث تصدر جميع تراخيص البناء وتشرف على تنفيذ جميع قوانين التخطيط العمراني والإسكان، ومع ذلك، فإن هذه الحكومة ترفض القيام بدورها في ضبط وإدارة أسعار الإيجارات”.
وأضاف: “تجارب دول أوروبا الغربية والشمالية تظهر أن لعب دور في تنظيم الأسعار وبناء وتوفير المساكن لجميع شرائح المجتمع ليس ضروريا فحسب، بل مقبول أيضا، في العديد من الدول المتقدمة والمزدهرة، الحكومة هي التي تحدد معدل زيادة الإيجارات، من الناحية المنطقية، على الحكومة إما أن توفر الظروف لزيادة دخول الناس أو أن تضبط تكاليف الأسر”.
وانتقد مسعود فراهاني النظام الضريبي القائم، وقال: “على الحكومة أن تقرر كيفية التحكم في دخل أصحاب العقارات، وأن تلعب دورا فعالا من خلال فرض الضرائب، مما يتيح لها زيادة عائداتها.
في العالم اليوم، من المقبول أن الضرائب يجب أن تُفرض على أصحاب رؤوس الأموال بدلا من العمال وأصحاب الأجور، إذا لم تنتبه الحكومات لهذه التفاصيل الدقيقة، فإنها تسهم في انتشار الفقر. نحن نعلم أن القضاء على الفقر مهمة صعبة للغاية، ولهذا السبب من الأفضل أن تمنع الحكومات مسبقا العمليات التي تؤدي إلى الفقر”.
الأسر المستأجرة
وتابع: مؤخرا، نشرت وزارة التعاون والعمل والرعاية الاجتماعية تقريرا تناول أبعاد فقر السكن في البلاد، ووفقا للتقرير، ارتفع عدد الأسر المستأجرة التي تعاني من الفقر بنسبة 48% بين عامي 2016 و2022.
في عام 2022، كان أكثر من مليون أسرة مستأجرة تعيش في المناطق الحضرية (بنسبة 82%) تعاني من الفقر، إضافة إلى ذلك، انخفضت 233 ألف أسرة حضرية إلى ما دون خط الفقر بعد خصم تكاليف تأمين مساكنهم الإيجارية.
في عام 2022، نحو 37% من إجمالي الأسر المستأجرة (1.43 مليون أسرة من أصل 4.46 مليون أسرة) كانت تعاني من الفقر المطلق. وعلى الرغم من أن معدل فقر المستأجرين لم يتغير مقارنة بعام 2021، فإن 82% من الأسر المستأجرة التي تعيش في فقر مطلق كانت تعاني بسبب دخل غير كافٍ، بينما كانت 18% بسبب ارتفاع تكاليف السكن.
تعتقد وزارة العمل أنه لمعالجة هذه المشكلة العميقة، يجب على الحكومات استخدام وسائل مثل تقديم مساعدات مالية غير مستردة للإسكان، وضبط أسعار الإيجارات، وتقديم حزم دعم تركز على توفير السلع الأساسية للمستأجرين.