كتب: محمد بركات
يشهد قطاع الطاقة في إيران جدلا متصاعدا بين الجهات المعنية، ما يعكس تحديات أوسع تتعلق بإدارة الموارد وضمان استقرار الإمدادات. ففي ظل هذه الظروف، تبرز تساؤلات حول السياسات المتبعة والتنسيق بين المؤسسات المسؤولة، خاصة مع تأثير هذه القضايا على الحياة اليومية للمواطنين والقطاعات المختلفة. جدل يأتي في ظل تأكيد مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، سياسة الوفاق الوطني وحل الخلافات بين وجهات النظر المختلفة.
حيث شهد سكان العديد من المناطق في العاصمة طهران ليلة الثلاثاء 11 فبراير/شباط 2025، انقطاعا في التيار الكهربي واستمر عدة ساعات دون إخطار مسبق من السلطات؛ ما تسبب في انقطاع هوائيات الاتصال أيضا، وأدى إلى اضطراب وانقطاع الاتصالات والإنترنت للمواطنين.
كذلك، فقد تلقى بعض المواطنين رسائل نصية تفيد بأن انقطاع الكهرباء ناجم عن حالة طارئة بسبب نقص الإنتاج الناجم عن تأمين وقود محطات الطاقة، وهو أمر خارج عن خطة إدارة الطاقة.
إلقاء اللوم بين الوزارات.. من يتحمل المسؤولية؟
في اليوم نفسه، أصدرت شركة توانير، شركة توزيع الكهرباء في إيران، بيانا توضح فيه سبب قطع التيار الكهربي، حيث قالت: “نظرا إلى انخفاض درجات الحرارة، وارتفاع استهلاك الغاز المنزلي، والقيود المفروضة على عملية تأمين ونقل الغاز إلى محطات الطاقة، فقد تم قطع الكهرباء عن بعض المشتركين في مدينة طهران؛ للحفاظ على استقرار الشبكة”.
وأضاف بيان الشركة: “إن تأمين الوقود اللازم لمحطات الطاقة جارٍ بالتعاون مع وزارة النفط، واستمرار توفير الكهرباء المطلوب للبلاد يتطلب تعاون جميع المواطنين”، كما دعت “توانير” المواطنين إلى المشاركة في حملة خفض درجتين، والتي أطلقها بزشكيان في نوفمبر/تشرين الثاني 2024؛ وذلك للمساهمة في إيصال الغاز والكهرباء إلى جميع أنحاء البلاد.
وردا على هذا البيان، نشرت وزارة النفط على موقعها “شانا”، فجر الأربعاء 12 فبراير/شباط 2025، تقريرا تحت عنوان “توضيح بشأن ادعاءات وزارة الطاقة”.
وخلال هذا التقرير، وجّهت وزارة النفط اتهامات لوزارة الطاقة بسوء إدارة مزيج الوقود المقدم للمحطات، ما تسبب في حدوث انقطاعات الكهرباء، حيث ذكر التقرير أن “ضمان استقرار الطاقة في البلاد يتطلب إدارة دقيقة لمزيج الوقود من قِبَل المحطات، والذي يشمل الغاز الطبيعي والديزل وزيت الوقود، ويُعرف إجمالا باسم الوقود المكافئ، فالتخطيط السليم لاستهلاك هذه الأنواع يلعب دورا حاسما في تجنب المشكلات المحتملة في إنتاج الكهرباء”.
وأكمل التقرير: “رغم أن الإحصاءات تشير إلى أن الإدارة الجيدة لمزيج الوقود كان من الممكن أن تمنع الأزمة الأخيرة، فإن وزارة الطاقة، وبدلا من تنفيذ سياسات صحيحة لإدارة استهلاك الوقود السائل، تحاول التهرب من المسؤولية وتصوير نقص الغاز على أنه السبب الرئيس للانقطاعات. هذا في حين أن وزارة النفط قامت بتزويد المحطات بالغاز والوقود السائل بكميات تفوق التزاماتها، بل في كثير من الأيام زوّدت المحطات بكميات تفوق المتفق عليه”.
كما جاء في التقرير، أنه “على الرغم من الارتفاع غير المسبوق في استهلاك الغاز خلال شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، فإن شبكة توزيع الغاز بقيت مستقرة، وتم توفير الغاز اللازم للمحطات وفق الالتزامات المحددة. إضافة إلى ذلك، بلغ متوسط إمدادات الديزل للمحطات 55%، وهو أعلى من الالتزامات المحددة لعام 2024-2025. ووفقا للإحصاءات الرسمية، فإن كمية الوقود السائل التي تم تزويد المحطات بها خلال فبراير/شباط، بلغت 86 مليون لتر يوميا، بزيادة 24% عن العام الماضي، مما يعكس التزام وزارة النفط بدعم إنتاج الكهرباء المستقر في البلاد”.
كذلك، فقد صرح محسن باك نجاد، وزير النفط، الأربعاء 12 فبراير/شباط 2025، منتقدا بشدةٍ ما ورد فيه قائلا: “نحن نوفر للمحطات مزيجا من الوقود يشمل الغاز والديزل وزيت الوقود، ويتعين على المحطات استخدام النوعين الآخرين بطريقة تعوّض نقص إمدادات الغاز، وخلال فبراير/شباط من هذا العام، قمنا بتزويد المحطات بأكثر من 52 مليون لتر من الديزل يوميا، وهو رقم قياسي، بينما كان هذا الرقم في الفترة نفسها من العام الماضي أقل من 35 مليون لتر”.
كما أكد باك نجاد أن مشكلة عدم التوازن في الطاقة ليست نتيجة أداء الأشهر الستة أو السنة الماضية، بل هي قضية مستمرة منذ سنوات وتزداد بمرور الوقت، مضيفا: “إن انقطاع الكهرباء في بعض مناطق طهران لم يكن بسبب نقص وقود المحطات التي تزود المدينة بالكهرباء، ودليل على ذلك أن المحطات الواقعة على أطراف طهران، مثل برند ودماوند وغيرهما، كانت في حالة وقود جيدة”.
بدورها، ردّت وزارة الطاقة على موقعها الإخباري ظهر الأربعاء، على تصريحات وزير النفط وتقرير “شانا”، في تقرير بعنوان ردا على ادعاءات وزارة النفط، إحصائيات مشوّهة ترهق موظفي النفط والطاقة.
وقد جاء في تقرير وزارة الطاقة أنه “مع انخفاض درجات الحرارة وارتفاع استهلاك الغاز خلال فصل الشتاء، تقع قيود على إمدادات الكهرباء والغاز للقطاعات المنزلية والتجارية. فهذا العام، ومع بداية فصل البرد والارتفاع غير المسبوق في استهلاك الغاز المنزلي، والذي بلغ وفقا لتقرير وكالة شانا في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني 681 مليون متر مكعب يوميا، اضطررنا إلى تخصيص كميات أقل من الغاز للمحطات، خاصة في النصف الشمالي من البلاد، لضمان إمدادات الغاز المستقرة للمشتركين المنزليين”.
وأضاف التقرير: “على سبيل المثال، في 23 فبراير/شباط، تم تزويد المحطات بـ67 مليون متر مكعب من الغاز، مقارنة بـ187 مليون متر مكعب في اليوم نفسه من العام الماضي، أي بانخفاضٍ قدره 64%. ورغم الجهود الكبيرة التي يبذلها موظفو شركة الغاز في تأمين الإمدادات، من الواضح أن ضمان الكهرباء المستقرة يعتمد بشكل مباشر على توفير الغاز الكافي لمحطات الطاقة”.
“دعوا الجدال جانبا وحلو الأزمة”
لم يكن ما حدث من سجال بين وزارتي النفط والطاقة في إيران ليغيب عن الصفحات الأولى للصحف، حيث وجهت صحيفة كيهان الأصولية نقدا لكلا الوزيرين في عددها الصادر الخميس 13 فبراير/شباط 2025، حيث قالت إنه “بعد انقطاع التيار الكهربائي في بعض مناطق طهران لساعات خلال اليوم، وبدلا من أن تتكاتف وزارتا النفط والطاقة لإيجاد حلول لمعاناة المواطنين، انشغلتا بالخلافات المتبادلة وإلقاء التهم على بعضهما، بل إن الخلاف بين الوزارتين استدعى تدخل فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، والتي دعت في اجتماع مجلس الوزراء، المسؤولين إلى التوقف عن تمرير المسؤولية بين بعضهم البعض”.
ويكمل التقرير: “من الواضح أن الخلافات بين الوزارتين ليست إشارة جيدة لإدارة قطاع الطاقة في البلاد، خصوصا في وقت يعاني فيه المواطنون من أزمات متعددة، فمن الضروري أن تتكاتف وزارة النفط ووزارة الطاقة لإيجاد حلول مستدامة، بدلا من تبادل الاتهامات حول مسؤولية كل طرف عن أزمة الكهرباء”.
كذلك، فقد أشارت الصحيفة إلى غياب الشفافية للتعامل مع الأزمات، خاصةً ما يتعلق منها بالطاقة، حيث ذكرت أن “واحدة من المشكلات التي تزيد من استياء المواطنين، نقص الشفافية في الإعلام الرسمي، ففي بداية الأزمة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024، تم الإيحاء بأن انقطاع الكهرباء جاء لمنع استخدام زيت الوقود وتقليل تلوث الهواء، لكن ما حدث فعليا هو أعلى مستويات استخدام زيت الوقود في السنوات الأخيرة، حتى إن خزانات الوقود المغلقة قرب المدن أُعيد فتحها لاستخدامه بأقصى طاقته، إضافة إلى ذلك، لم يتم الإعلان عن توقيتات انقطاع الكهرباء بشكل واضح، مما تسبب في غضب المواطنين الذين واجهوا انقطاعا مفاجئا لساعات دون تحذير مسبق”.
أزمة مستمرة وسجال دائم
منذ تولي مسعود بزشكيان رئاسة الجمهورية، في يوليو/تموز 2024 وقد تفاقمت أزمة الطاقة في إيران، حيث واجهت البلاد موجات متكررة من انقطاعات الكهرباء ونقص إمدادات الغاز، خاصة خلال أشهر الشتاء. ورغم وعود الحكومة بتحسين إدارة الموارد، استمرت الخلافات بين وزارتي النفط والطاقة حول أسباب العجز، مع اتهامات متبادلة بشأن سوء التخطيط وسوء إدارة سلة الوقود. في الوقت نفسه، أثرت العقوبات الدولية وتراجع الاستثمارات في البنية التحتية على قدرة البلاد على زيادة الإنتاج أو تحسين كفاءة التوزيع، مما زاد من الضغط على القطاعات الصناعية والسكنية وأثار استياءً شعبيا متزايدا.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تحول الخلاف بين وزير النفط محسن باك نجاد ووزير الطاقة عباس علي آبادي، بشأن أسباب نقص الطاقة والانقطاعات الكهربائية في إيران تم إلى موضوع جدلي، وقد برز هذا الخلاف علنا في وقت تواجه فيه إيران إغلاق المدارس والجامعات والدوائر الحكومية بسبب نقص الغاز وعجز الكهرباء.
يرتكز الخلاف بين الوزيرين بشكل أساسي على مسؤولية تأمين وقود محطات توليد الكهرباء وإدارة اختلال التوازن في قطاع الطاقة، حيث تقول وزارة الطاقة إن نقص الغاز والوقود السائل للمحطات هو السبب الرئيسي للانقطاعات والإغلاقات، في حين ترفض وزارة النفط هذه المزاعم متهمةً وزارة الطاقة بسوء الإدارة وتوجيه اللوم إليها.