كتب: ربيع السعدني
أجواء الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن قد تبدو لكثيرين “إيجابية”، إلا أنها تخفي علاقة بين زعيمين ليسا مغرمين ببعضهما، والسبب إيران القضية الأبرز التي قد يختلف عليها ترامب ونتنياهو، وتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي صراحة عن أمله في الحصول على دعم أمريكي في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في حين أن ترامب لا يحمل أي ضغينة ضد الإيرانيين في الوقت الحالي، ويبدو مستعدا لتكثيف حملته للضغط الأقصى، فمن غير الواضح ما إذا كان يريد بدء حرب بينما بدأت سياساته الداخلية والخارجية في الانهيار.
هكذا ترى مجلة “فورين بوليسي” في تحليل كتبه دانييل كريتزر السفير الأمريكي السابق لدى مصر وإسرائيل، وهو يدرّس الدبلوماسية وحل النزاعات في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون، وآرون ديفيد ميلر، زميل بارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي يوم 31 يناير/ كانون الثاني 2025 والتأكيد على أنه: “يجب على نتنياهو أن يخفض توقعاته قبل الاجتماع مع ترامب“.
بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد 2 فبراير/ شباط 2025 زيارة إلى واشنطن، يلتقي خلالها مسؤولين أمريكيين، وفي حين سيلتقي نتنياهو، يوم الإثنين، بالمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، سيتقبله بالبيت الأبيض، الرئيس دونالد ترامب، الثلاثاء ٤ فبراير / شباط ٢٠٢٥، ويأتي هذا اللقاء، بعد أسبوعين من وقف إطلاق النار الهش في قطاع غزة، بعد 471 من حرب إسرائيلية مدمرة على القطاع أوقعت أكثر من 60 ألف قتيل فلسطيني، بحسب وزارة الصحة في غزة.
وبحسب التقرير، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيكون أول زعيم أجنبي يستضيف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو ما يشكل نعمة لمكانة نتنياهو المنقسمة في الداخل، يلتقي الزعيمان على خلفية قرار وقف إطلاق النار بالغ الأهمية في غزة ولبنان، ولكنه قرار هش وبعد أن دفع الطرفين إلى التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة، وتمديد الموعد النهائي لانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، ونجح ترامب في الحالتين، وأصبح هو الذي يدير الإنجازين ويشرف عليهما.
ورغم أن أجواء اللقاء ستكون إيجابية، حسب توقعات “فورين بوليسي“، فإنها ستعمل أيضا على إصلاح صورة العلاقة بين زعيمين لا يحبان بعضهما البعض بشكل خاص، ولا يثقان ببعضهما بالتأكيد، ويتذكر كلاهما الاختلافات التي طرأت على الأشهر الأخيرة من الولاية الأولى لترامب، وكان نتنياهو، الذي شجعه السفير الأمريكي آنذاك، يعتقد أن ضم أجزاء من الضفة الغربية يتوافق مع خطة ترامب المسماة بـ”صفقة القرن”، لكن ترامب، خاصة عشية حملته الانتخابية لم يكن يريد ذلك على الإطلاق، وبالإضافة إلى غضب ترامب من تهنئة نتنياهو لنظيره جو بايدن بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020 وعدم رغبته في قبول رواية ترامب “الكاذبة” عن تزوير الانتخابات.
غياب الثقة لا يعوق المصلحة
وبغض النظر عن انعدام الثقة، التي تطرقت له “فورين بوليسي”، يحتاج كلٌ من الزعيمين إلى الآخر في الوقت الحالي.
فترامب الذي يصف نفسه بأنه الرئيس الأكثر تأييدا لتل أبيب في تاريخ الولايات المتحدة، ترشح على منصة دعم ثابت لإسرائيل، وكان من بين قراراته الأولى كرئيس، إزالة العقوبات التي فرضها بايدن على المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين، وإطلاق شحنة القنابل والأسلحة الثقيلة التي أوقفها نظيره بايدن.
من ناحية أخرى، لا يزال نتنياهو يواجه ضغوطا من كل الجهات بحسب التقرير: فهو يخضع للمحاكمة ويشهد الآن في قضية الفساد الجارية؛ ويتعرض لضغوط من قبل ائتلافه اليميني لاستئناف الحرب في غزة؛ ويواجه مطالبة من الأحزاب الدينية في الائتلاف بإعفاء ناخبيها من الخدمة العسكرية؛ ويتعرض لضغوط من قِبَل أسر الرهائن لإعطاء الأولوية لإطلاق سراحهم، ورغم أن الزيارة إلى البيت الأبيض لا تشكل حلا لمحنة نتنياهو، فإنها ستوفر نقطة نقاش في حملة رئيس الوزراء لإثبات أنه لا غنى عنه.
المهمة “المستحيلة”
ومع ذلك ليس كل شيء على ما يرام في عالم ترامب ونتنياهو، ويواجه نتنياهو، المحاصر بين الحاجة إلى الحفاظ على ائتلافه اليميني ورغبة ترامب في تنفيذ اتفاق الرهائن ووقف إطلاق النار مهمة تبدو مستحيلة تتمثل في التوفيق بين الأمرين، المرحلة الثانية من الاتفاق ستجبر حركة حماس على إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين وفي المقابل، انسحبت القوات الإسرائيلية من غزة وانتهت الحرب وانسحب حزب يميني من الائتلاف احتجاجا على موافقة الكنيست على الاتفاق، وهدد حزب آخر بإسقاط الائتلاف إذا لم يستأنف نتنياهو الحرب بعد المرحلة الأولى من الاتفاق، ومن غير الواضح كيف سيتمكن نتنياهو من الخروج من هذا المأزق، ولكسب مزيد من الوقت، سيذكر تحالفه بأنه وفقا للاتفاق، فإن وقف إطلاق النار سيستمر إذا استمرت المفاوضات بشأن المرحلة الثانية، والتي من المقرر أن تبدأ في الرابع من فبراير/شباط 2025، وسوف يذكر هذا ترامب برسالة الدعم التي يفترض أنه حصل عليها من بايدن – والتي أكدتها إدارة ترامب على ما يبدو – بأنه يستطيع مواصلة الحرب لمنع حركة حماس من تحقيق نصر سياسي، كما أن نتنياهو قد يحصل على موافقة ترامب على استمرار الحرب للفترة المتفق عليها، وكان الرئيس الأمريكي قد صرح في وقت سابق أنه يريد إنهاء الصراع، وليس بدئه أو مواصلته، ولذلك فمن غير المرجح أن يُمنح نتنياهو مجالا كبيرا للمناورة، وكما يقولون: “يمكن للمحتال أن يقرأ عقل محتال آخر تماما”، لذا لن يوقع ترامب “شيك على بياض” وفي الواقع، لن يستغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن يفقد ترامب صبره مع نتنياهو.
سبب آخر لدى ترامب
ويعتبر إنهاء الحرب في غزة مهما بالنسبة لترامب لسبب آخر، ويسعى إلى إحياء احتمالات التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، حيث ارتفع ثمن تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل بشكل كبير منذ أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خاصة في ما يتصل بفلسطين، قد يكون الطلب السعودي بأن تلتزم إسرائيل بأفق سياسي يؤدي إلى حل الدولتين أكثر مما يستطيع نتنياهو تحمله.
وأشار ترامب أيضا بشكل غامض إلى أن اهتمامه الوحيد (البرنامج النووي الإيراني)، مما يوحي بأنه قد يكون مستعدا للجوء إلى الدبلوماسية بدلا من القوة، ومن الممكن أن يكون الخيار الدبلوماسي مع طهران مفيدا أيضا للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ولذلك، هناك قضايا قليلة يمكن أن يكون هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق فوري بشأنها بين ترامب ونتنياهو تنتهي مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن المساعدات العسكرية لمدة عشر سنوات في عام 2028، ومن الممكن أن يثير نتنياهو هذه المسألة خلال اللقاء.
وبالتالي، هناك قضايا قليلة من المرجح أن يتم التوصل فيها إلى اتفاق فوري بين ترامب ونتنياهو، وهي بحسب “فورين بوليسي” كالتالي:
▪︎ مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن المساعدات العسكرية التي تبلغ مدتها عشر سنوات ستنتهي في عام 2028، وقد يثير نتنياهو هذه المسألة خلال الاجتماع.
▪︎ يمكن لترامب أن يعد بسهولة بضمان حصول إسرائيل على الوسائل للدفاع عن نفسها، لكن هجومه على خفض الميزانية يشير إلى أنه سيتردد في الالتزامات الجديدة أو ربما يستخدمها كمصدر للضغط.
▪︎ من المؤكد أنه يريد استمرار وقف إطلاق النار واتفاقية الرهائن في مرحلتها الثانية، وبالتالي من المرجح أن يخفف من حماس نتنياهو لمواصلة الحرب.
▪︎ من غير المرجح أن يقيد ترامب أو يفرض شروطا على المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل – تماما كما امتنع بايدن عن القيام بذلك.
وفي هذا السياق، خلُص التحليل إلى أن نتنياهو سيعود إلى منزله بمظهر جيد، ولكن بجيوب فارغة نسبيا، سواء من حيث الموارد أو الالتزامات.
ولكن هذا اللقاء لن ينتهي بإراقة الدماء، والمؤكد أيضا، أن الزيارة لن تنتهي بمواجهة مبكرة، ولكن خلف الأبواب المغلقة، ستكون الرسالة واضحة: “الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب هي الشريك الأقدم في هذه العلاقة، ومن الحكمة لإسرائيل ألا تغضب الرئيس الأمريكي”، ويبقى السؤال الذي تطرحه المجلة الأمريكية، ما إذا كان “تأثير ترامب” سيخلف التأثير المطلوب على رئيس الوزراء الإسرائيلي المحاصر، ولكن المستعد للمخاطرة.