كتب: محمد بركات
كان ولا يزال الملف النووي الإيراني واحدا من أبرز الملفات المتنازع عليها بين إيران والغرب، فقضايا مثل تمويل ودعم مؤسسات إرهابية، وزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وقمع المتظاهرين والمعارضة، لم تكن بقدر أهمية الملف النووي بالنسبة للدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة، فقد سعى كلا الطرفين الأوروبي الأمريكي والإيراني، إلى الوصول إلى حل لذلك الملف على مدار عقود، لتكلل تلك المساعي بعقد الاتفاق النووي الإيراني، المعروف إعلاميا بخطة العمل المشترك، في 14 يوليو/تموز للعام 2015، والتي بموجبها رفعت الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية عن إيران مقابل تنفيذ الأخيرة شروط الاتفاق النووي، التي تتضمن السماح للوكالة الذرية للطاقة النووية بالإشراف على البرنامج النووي الإيراني، الاتفاق الذي لم يستمر طويلا بإعلان دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، الخروج منه في العام 2018. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن ساد الملف العديد من التوترات كإعلان إيران عن وقف تنفيذ التزاماتها الطوعية بموجب المادة 36 من الاتفاق النووي، وطرد عدد من خبراء الوكالة الدولية من أراضيها، واتهامات متبادلة بين الأطراف من حين إلى آخر.
تصريحات غروسي الأخيرة وإمكانية عودة المفتشين:
صرح رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مقابلة مع وكالة رويترز الأمريكية، الأربعاء 25 سبتمبر/أيلول، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأنه “في الأشهر الماضية، كانت إيران تفكر في احتمالية إعادة المفتشين الذين أُلغيت تعييناتهم، ولكن الآن، ووفقا للمسؤولين الإيرانيين، لم تعد طهران تسعى لإعادتهم، وبالتالي، فإن هذه السفينة قد أبحرت، في إشارة منه إلى استحالة عودتهم”.
وفي مقابلته مع رويترز، أعرب غروسي عن رغبته في تحقيق تقدم ملموس وسريع في إحياء المفاوضات الفنية مع إيران، وأشار إلى أنه يخطط لزيارة طهران في أكتوبر/تشرين الأول للقاء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وقال: “بالطبع، علينا أن نكون راضين الآن؛ لأنه ليس علينا أن نبدأ من الصفر. لقد قطعنا شوطا طويلا، ولم تُجب على بعض أسئلتنا”.
وأضاف غروسي أن البرنامج النووي الإيراني يتقدم دون تسريع مفرط في أنشطته، لكنه يستمر بوتيرة ثابت، وأشار إلى أنه يشعر برغبة المسؤولين الإيرانيين في العودة إلى الحوار بشأن الملف النووي، قائلا: “ما أراه هو الرغبة في إعادة التفاعل معنا بشكل أكثر جدية”.
وفي ما يتعلق بإمكانية إحياء الاتفاق النووي، قال غروسي: “نحتاج إلى وضع بعض الأسس لتحقيق ذلك، خاصةً أن الوكالة تحتاج إلى الرؤية والشفافية اللازمتين حول الأنشطة النووية لإيران”، مشيرا إلى أن التعاون مع الوكالة قد انخفض في الآونة الأخيرة، وأضاف: “أعتقد أننا بحاجة إلى اتباع طريقة مختلفة للوصول إلى النتائج، لأن الطريقة السابقة لم تعد ممكنة”.
أزمة مفتشي الوكالة:
وفقا لتقرير صحيفة إيسنا الإخبارية الإيرانية بتاريخ 2 مايو/أيار 2024، ففي 16 سبتمبر/أيلول لعام 2023، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران قد ألغت تصاريح عدد من المفتشين ذوي الخبرة التابعين لها والمكلفين بالتحقق من برنامج إيران النووي، وأدان غروسي في بيان شديد اللهجة هذا الإجراء، وأوضح أن هؤلاء المفتشين من أكثر الخبراء خبرة في الوكالة، ويمتلكون معرفة فريدة في مجال تكنولوجيا التخصيب، وقد كانوا يعملون في التحقق الضروري داخل منشآت التخصيب الإيرانية الخاضعة لضمانات الوكالة.
وبعد ساعات من نشر هذا البيان، رد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، على تصريحات غروسي، موضحا أن سبب طرد مفتشي الوكالة يعود إلى محاولات الولايات المتحدة وثلاث دول أوروبية أعضاء في الاتفاق النووي استغلال مجلس المحافظين التابع للوكالة، والذي من مسؤولياته تقرير سياسات الوكالة، لتحقيق أهدافهم السياسية.
وعقبها صرح محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بشأن طرد خبراء الوكالة، وقال: “المفتشون البالغ عددهم ثلاثة أو أربعة، وتبين في ما بعد أن عددهم ثمانية، والذين تم طردهم كانوا من دول الترويكا الأوروبية الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي تتبع سلوكا سياسيا متشددا ضد إيران، وقد قمنا بحذف مفتشي تلك الدول من القائمة خبراء الوكالة الدولية المخول لهم الإشراف. وقد جاء هذا القرار بناءً على الحقوق السيادية المنصوص عليها في المادة الـ9 من اتفاقية الضمانات الشاملة بين إيران والوكالة. وأضاف: “في الوقت الحالي لدى الوكالة 127 مفتشا مدرجا على لائحتها في إيران، وهذا عدد كبير مقارنة بباقي الدول”.
ومع ذلك، فقد أصدر مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في يونيو/حزيران هذا العام قرارا يدعو إلى إلغاء حظر دخول مفتشي الوكالة إلى إيران.
ولكن وبحسب تقرير رويترز، فإن عودة المفتشين الذين ألغيت تعييناتهم أصبحت أمرا ضروريا بعد تقرير الوكالة العام الماضي حول التغييرات في أجهزة الطرد المركزي وعدم إبلاغ إيران عن تلك التغييرات، حيث ذكر التقرير أن “إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة أقل بقليل من مستوى صنع الأسلحة، وتمتلك ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج أربع قنابل نووية، الأمر الذي يطرح شكوكا واضحة حول سلمية برنامج إيران النووي، فاستنادا إلى تصريحات الوكالة والدول الغربية لم يخزن أي بلد هذا القدر من اليورانيوم بنسبة تخصيب 60% دون أن يصنع قنبلة نووية”. وعلى الجانب الآخر، فلطالما نفى المسؤولون الإيرانيون مزاعم الدول الغربية حول الطبيعة السلمية لبرنامجهم النووي.
سوابق للواقعة:
وجدير بالذكر أن تلك لم تكن المرة المرة الأولى التي تقوم فيها إيران بإلغاء تعيين مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال العقدين الماضيين، فحسب تقرير وكالة أنباء إيسنا الإخبارية الإيرانية ففي يناير/كانون الثاني من العام 2007، رفضت إيران استقبال 38 مفتشا، ردا على إصدار القرار 1737 الصادر في 26 ديسمبر/كانون الأول 2006، والذي يفرض عقوبات جديدة على إيران بسب برنامج تخصيب اليورانيوم، لكنّ تعامل الوكالة ومديرها العام آنذاك، الدكتور محمد البرادعي، مع هذا الأمر كان مختلفا تماما، حيث اتفق الطرفان في ذلك الوقت على مواصلة التعاون، ولم تواجه الوكالة أي مشاكل في أداء مهامها.
وفي بيان نُشر على موقع الوكالة في ذلك الوقت، جاء فيه أن “الوكالة لديها عدد كافٍ من المفتشين المعينين لإيران وقادرة على القيام بأنشطة التفتيش الخاصة بها وفقا لاتفاقية الضمانات الشاملة في إيران”.