ترجمة: شروق السيد
تشهد طهران أزمة مرورية خانقة، مع نقص يبلغ 1.5 مليون موقف واحتدام النزاعات حول مواقف السيارات. فكيف يمكن التخفيف من حدة هذه الأزمة؟
نشرت الصحيفة الإيرانية “فرهيختكان” تقريرا، السبت 11 يناير/كانون الثاني 2025، أفادت فيه بأنه وفقا لتقارير بلدية طهران، يبلغ عدد سكان مدينة طهران 9.5 مليون نسمة، بينما يتم يوميا تنفيذ 25 مليون رحلة في العاصمة، حيث توجد سيارة واحدة لكل 1.5 شخص في طهران.
وواصلت: يُظهر التركيز الكبير للسكان بمدينة طهران تأثيره في شكل تلوث الهواء والازدحام المروري الكثيف، ومن بين القضايا التي تفاقم هذه المشكلة، مسألة نقص مساحات الوقوف في طهران، وهي قضية تُعتبر، وفقا للإحصاءات الرسمية، سببا للعديد من النزاعات والمشاجرات في المدينة.
وذكرت: تشير دراسة البيانات وتصريحات المسؤولين عن إدارة المدينة إلى أن مشكلة مواقف السيارات في طهران تُعدّ مشكلة خطيرة للغاية، حيث يُقال إن طهران تعاني في ساعات الذروة المرورية من نقص يبلغ حوالي 1.5 مليون مكان لوقوف السيارات.
وفي حديثه مع صحيفة “فرهيختكان”، أشار شهاب دبيري نجاد، الباحث بمركز أبحاث مجلس الشورى، إلى مشكلة المواقف المجانية وأهمية تعزيز البنية التحتية للنقل العام.
مدينة طهران
وتابعت: مع الأخذ في الاعتبار حركة مرور 8 ملايين سيارة، ومع احتساب السعة الكاملة لمواقف السيارات في المناطق الـ22 لمدينة طهران، فإن أقل من 1% من الأشخاص لديهم فرصة الوقوف في مواقف السيارات العامة والخاصة، حتى مع إضافة مواقف السيارات الجانبية، لا تتجاوز هذه النسبة 4.2%. ولكن السؤال هو: كيف يمكن لسكان طهران التعامل مع مشكلة نقص مواقف السيارات؟
وأضافت: يعتقد بعض الخبراء أن رخص أسعار أماكن الوقوف أو حتى توفيرها مجانا يعدّ إحدى المشكلات التي، إضافة إلى تسببها في الازدحام المروري وتلوث الهواء، تؤدي إلى زيادة الطلب على أماكن الوقوف. من جهة أخرى، فإن القدرة الاستيعابية للنقل العام، وضمن ذلك الحافلات والمترو، لا تستطيع حاليا التعامل مع الأعداد الكبيرة من الركاب، حيث نشهد اكتظاظا في محطات المترو، وحافلات BRT، والحافلات العادية، خاصة في نقاط التبديل الرئيسية مثل محطات مترو “دروازه شميران”، و”دروازه دولت”، و”إمام خميني”، و”تئاتر شهر”، كما أن الوضع في محطات الحافلات مشابه، حيث يصبح من الصعب جدا التحرك في ساعات الذروة التي تسبق بدء العمل الرسمي وبعد الظهر.
طهران تمتلك 112 ألف موقف سيارات
وأضافت قائلة: وفقا لبيانات منظمة النقل والمرور في بلدية طهران، هناك 69 موقفا على مستوى الأرض بسعة 15.332 سيارة، و24 موقفا متعدد الطوابق بسعة 10.278 سيارة، و23 موقفا آليا بسعة 896 سيارة في المناطق الـ24 من طهران.
وتابعت: بناءً على المعلومات المتوافرة، يمكن القول إن بلدية طهران تمتلك حوالي 26 ألف موقف سيارات، وبحسب البيانات المنشورة، فإن من إجمالي 112 ألف مكان وقوف في طهران، هناك 26 ألف مكان تحت إدارة بلدية طهران، أي ما يعادل حوالي 23% من مواقف السيارات، أما النسبة المتبقية، والتي تبلغ حوالي 77%، فتتضمن غالبا مواقف السيارات التي تم إنشاؤها من قبل القطاع الخاص وغيره.
250 ألف موقف جانبي
كتب محمد حسين بوجاني، الرئيس السابق لمركز الدراسات والتخطيط في بلدية طهران، في بداية كتابه “التكاليف الباهظة للمواقف المجانية” ما يلي:
“إن النمو المتسارع للتحضر خلال العقود الأخيرة في إيران ترافق مع زيادة أسرع في أعداد المركبات الآلية وازدحام المرور، خاصة في المدن الكبرى، هذا التلازم غير المستدام والمدمر لنمو (المركبة المحورية) مع التوسع الحضري يعدّ من أكبر مشكلات المدن الكبرى في إيران، اليوم، تعدّ إدارة حركة المرور الساكنة من التحديات التي تواجه المسؤولين عن إدارة المدن، لأن نقص المواقف وتشتت السائقين في الشوارع يزيدان من تفاقم مشكلة المرور في المدن”.
وذكرت الصحيفة قائلة: بحسب الإحصاءات المتوافرة، يُقدر عدد مواقف السيارات الجانبية المسموح بها في الشوارع الرئيسية لمدينة طهران بحوالي 250 ألف موقف، وإذا أخذنا بعين الاعتبار الشوارع الفرعية والمحلية وحتى الأماكن غير القانونية التي يستخدمها السائقون، فإن هذا العدد يتجاوز مليون موقف سيارة.
وتابعت: في الوقت الحالي، يتم تلبية جزء كبير من احتياجات طهران لمواقف السيارات عبر هذه الأماكن الجانبية، التي تكون غالبا مجانية أو شبه مجانية، وهذا النهج لا يتماشى إطلاقا مع مبادئ التنمية المستدامة ومؤشرات الازدهار الحضري.
لذلك، يجب اتخاذ خطوات لحل هذه المشكلة عبر تحسين استغلال المساحات والإمكانات المتاحة، مع تحرير المجال العام لصالح وسائل النقل المستدامة مثل الدراجات والمشي، ويُوصى بأن تُموَّل تكاليف بناء وتطوير البنى التحتية الحيوية للمدينة، خاصةً النقل العام، من عائدات هذه المساحات.
وأضافت: من هذا المنطلق، هناك ضرورة لإعادة النظر وإجراء تغييرات جذرية في سياسات إدارة مواقف السيارات الجانبية وغير الجانبية في المدينة، قد يبدو من الوهلة الأولى أن بناء مواقف سيارات غير جانبية وتوفير مساحات كافية لوقوف السيارات هو الحل لهذه المشكلة، لكن دراسة نظام العرض والطلب في أنظمة النقل تظهر أن زيادة العرض تؤدي إلى زيادة الطلب، وفي النهاية، لن يكون بالإمكان توفير مساحة كافية مهما زاد العرض.
مشكلة قديمة لسكان طهران
تحدث سيد جعفر تشكري هاشمي، رئيس لجنة الإعمار والنقل في مجلس مدينة طهران، سابقا عن مشكلة أماكن الوقوف العامة في طهران قائلا:
“إن مواقف السيارات، لكونها منشآت لا تتمتع بجاذبية اقتصادية للمواطنين أو المستثمرين، تشكل عائقا أمام دخول القطاع الخاص في هذا المجال، خلال العقود الماضية، عندما كانت تُمنح تراخيص البناء، كانت أحيانا يستبدل نقص مواقف السيارات بغرامات تُفرض بدلا من توفيرها، ولكن لم تُستخدم عائدات هذه الغرامات لتوفير مواقف جديدة في أنحاء المدينة، بل كانت تُخصص لتغطية النفقات الجارية للمدينة.
على سبيل المثال، نجد أن المراكز التجارية التي يزورها الآلاف يوميا لم يتم تجهيزها بمواقف سيارات مناسبة، كما أن ارتفاع أسعار الأراضي وتكاليف البناء لا يشجع المستثمرين على الدخول في هذا المجال، مما يجعل من الضروري أن نقدم حوافز لتشجيعهم”.
فوضى مواقف السيارات
وواصلت الصحيفة: وفقا للإحصاءات الرسمية، يبلغ إجمالي سعة مواقف السيارات في طهران حوالي 750 ألف وحدة، في حين يبلغ عدد السيارات المارة في طهران يوميا 2 مليون سيارة.
1.5 مليون موقف
صرح “آقاميري”، رئيس لجنة الإعمار في مجلس مدينة طهران، مؤخرا، حول وضعية إنشاء مواقف السيارات العامة في طهران، قائلا: “هناك معايير عالمية لبناء مواقف السيارات العامة، بحيث يحتاج كل كيلومتر مربع إلى 10 مجمعات مواقف بسعة 300 موقف لكل مجمع، لكن في طهران، لا يوجد سوى ثلاثة مجمعات مواقف في كل كيلومتر مربع، أي إن هناك نقصا يبلغ سبعة مجمعات مواقف لكل كيلومتر مربع، وبحساب بسيط، ومع أخذ مساحة طهران في الاعتبار، يمكننا القول إن العاصمة تعاني من نقص يبلغ نحو 1.5 مليون مكان وقوف، ما يعادل 5000 مجمع وقوف.
وبحسب ما قاله “آقاميري”، فإن إحدى المشكلات الأخرى تتمثل في أن الناس عادةً ما يقضون 15 إلى 20 دقيقة في الشارع، مع تشغيل السيارة، للبحث عن موقف للسيارة، وفي أوقات الذروة، قد يصل الوقت إلى 30 أو 40 دقيقة للعثور على مكان مناسب، وهو ما يؤدي إلى زيادة الازدحام المروري، وبالتالي تفاقم مشكلة تلوث الهواء”.
أكثر البلاغات شيوعا
وذكرت الصحيفة: وفقا للإحصاءات، يُعد الخلاف حول مواقف السيارات أحد أكثر الأسباب شيوعا للاتصال بشرطة 110 في طهران، مع الزيادة المستمرة في أعداد السيارات ونقص أماكن الوقوف، أصبحت النزاعات في الشوارع أمرا شائعا.
وتابعت: في هذا السياق، تُنفَّذ يوميا 25 مليون رحلة في العاصمة، مع وجود سيارة واحدة لكل 1.5 شخص في طهران، هذا الاكتظاظ، خاصة في المناطق المزدحمة، يؤدي إلى نشوب خلافات حول أماكن الوقوف، والتي تصل أحيانا إلى العنف، بل حتى إلى القتل في بعض الحالات.
حل مشكلة مواقف السيارات
قال شهاب دبيري نجاد، الباحث بمركز أبحاث البرلمان، في مقابلة مع صحيفة “فرهيختكان” حول وضع مواقف السيارات في محافظة طهران:
“تُعطي خصائص مواقف السيارات العامة لبلدية طهران صورة دقيقة عن وضع هذه المواقف بشكل عام، ويبدو أن الرقم المعلن، وهو 26 ألف موقف عام، رقم دقيق، وإذا أضفنا مواقف السيارات الجانبية إلى ذلك، فإن هذا الرقم يصل إلى نحو 250 ألف موقف في طهران.
إذا أردنا مقارنة وضع مواقف السيارات في طهران مع المدن العالمية، يمكننا مقارنة الإحصائيات الخاصة بالدول مثل الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، وأستراليا مع وضع طهران، ومع ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الظروف الجغرافية والكثافة السكانية في طهران تختلف عن العديد من هذه المدن.
طهران مدينة ذات كثافة سكانية عالية، ولهذا يجب أن تكون سياسات النقل ومواقف السيارات لدينا مختلفة عن تلك المعتمدة في هذه الدول، يجب علينا وضع سياسات النقل بناءً على خصائصنا الخاصة، مع أخذ تجارب المدن التي تشبه طهران، خاصةً المدن الكبرى بأوروبا، في الاعتبار، في هذه الدول، تعتبر مساحات مواقف السيارات محدودة ومكلفة للغاية”.
مواقف السيارات الجانبية
أضاف: “إحدى النقاط التي تم طرحها في كتاب (التكاليف الباهظة للمواقف المجانية) هو أن مواقف السيارات الجانبية المجانية يمكن أن تؤدي إلى حدوث ازدحام مروري شديد في المدن، توفر مواقف السيارات المجانية يزيد من ميل الناس لاستخدام السيارات الخاصة، مما يؤدي إلى زيادة في الازدحام المروري وزيادة في تلوث الهواء.
زيادة تكاليف مواقف السيارات
أكمل دبيري نجاد: “إحدى أهم أدوات إدارة الطلب على السفر (TDM) هو زيادة تكاليف مواقف السيارات، خاصة في المناطق المركزية للمدينة، هذا يساعد على تقليل جاذبية استخدام السيارات الخاصة ويؤدي إلى تقليل الازدحام المروري وتلوث الهواء، من ناحية أخرى، الحلول الأخرى مثل تطوير النقل العام، وضمن ذلك الحافلات والمترو، واستخدام الدراجات والسكوترات المشتركة، وزيادة استخدام السيارات المشتركة، يمكن أن تساعد في تقليل حركة المرور”.