ترجمة: نوريهان محمد البهي
سقوط مدوٍ ومفاجئ للنظام السوري بعد سيطرة قوات المعارضة على دمشق وهروب بشار الأسد. بيد أن الأسباب متعددة لسقوط هذا النظام، منها أسباب خارجية تتعلق بسياسة سوريا الأسد الخارجية، ومنها أسباب داخلية.
وحول أسباب سقوط الأسد في ذلك الوقت القصير، نشر موقع عصر إيران الثلاثاء 10 ديسمبر/كانون الأول 2024 تقريرا تحليليا، ذكر فيه أن النظام البعثي في سوريا لم يسقط بسبب فرد أو جماعة معينة.
وأضاف أن هناك عشرة أسباب خفية قد أفسدت النظام السوري من الداخل، وكانت هيئة تحرير الشام بداية انهيار هيكلٍ آيل للسقوط، وبحسب التقرير، فإن هذه الأسباب الخفية للسقوط تتمثل في:
أولا الرشوة، حيث يزعم التقرير أن نظام الأسد كان غارقا في الرشوة من البداية إلى النهاية، وبحسب التقرير فكل من زار سوريا خاصة عبر الحدود البرية مع لبنان صادف هذه الظاهرة، حيث استفحلت الرشوة بين عناصر الجيش والشرطة وفسدوا، وهذا قد ساعد على عدم مقاومتهم إبان التطورات والأحداث.
أما السبب الثاني لسقوط بشار فعنونه التقرير بـ”نظام الحزب الواحد”، وتحت هذا العنوان ذكر التقرير أن اسم حكومة سوريا كان “الجمهورية العربية السورية”، لكن عمليا لم يكن هناك أي دليل على الجمهورية، وكان الرئيس يُعيّن من خلال انتخاب حزب البعث الاشتراكي، وكان يتم تقديم ذلك على أنه استفتاء بدلا من انتخابات حقيقية.
ويضيف التقرير أنه في نهاية المطاف، تم خلق بعض المنافسين الرسميين لبشار الأسد، وادعى أنه فاز عليهم بنسبة 95.1% من الأصوات! لكن لم يتضح لماذا يهرب رئيس الجمهورية الذي يعتمد على 95.1% من الأصوات، وأين كانوا هؤلاء الـ 95.1% خلال الأيام الـ 11 الأخيرة؟ والأغرب من ذلك أن آخر انتخابات جرت له كانت في 2024، بحسب ما جاء في تقرير الموقع الإخباري الإيراني.
ويعتبر التقرير أن الانهيار الاقتصادي يمثل السبب الثالث لسقوط نظام الأسد، مشيرا إلى أنه بعد الاحتجاجات التي اندلعت في عام 2011، وصل النمو الاقتصادي في سوريا إلى (26%)، وفي العام التالي تكرر هذا التراجع، وأخيرا وصل إلى (10%) ثم استقر عند الصفر، دون أن يسجل أي نمو إيجابي، بينما النمو الاقتصادي السلبي يعني انكماش الاقتصاد وازدياد فقر الشعب، مما هيأ الظروف المناسبة للاحتجاجات وأدى في النهاية إلى قبول استبدال النظام من قبل قوات تحرير الشام.
أما السبب الرابع للسقوط فيرى التقرير أنه يتمثل في الاستقواء بالخارج، حيث كان توجه نظرالأسد إلى روسيا وإيران وحزب الله ليقوموا بدعمه وتثبيت أركان حكمه، لكن الروس انشغلوا بأوكرانيا، وبوتين اكتفى بمنحه حماية من مصير صدام حسين دون دعم عسكري إضافي.
أما إيران ورغم مشاكلها الداخلية، أرسلت قوات لمكافحة داعش، لكنها اكتشفت أن القوات المرسلة لم تكن ذات صلة مباشرة بداعش، أما حزب الله الذي واجه أزمات عديدة خلال السنوات الأخيرة، فقد كان دعمه للأسد محدودا خشية تأثير ذلك على شعبيته.
ويضيف التقرير أن اعتماد الأسد على القوى الخارجية قد سلبته زمام المبادرة، ومع تصاعد الضغوط لجأ إلى موسكو ليبقى هناك بعد 11 يوماً.
أما السبب التالي لسقوط بشار بحسب التقرير فهو “الأقلية الحاكمة”، حيث كان نظام الأسد قائمًا على حكم أقلية علوية أو نصيرية تسيطر على أغلبية متنوعة من السنة والمسيحيين والدروز والإيزيديين.
وبحسب التقرير، فقد شمل الشعب السوري مجموعات عرقية متعددة، مثل العرب، والكرد، والتركمان، والآشوريين، والأرمن، والشركس، وحتى الألبان، واليونانيين، والشيشان، ومع ذلك تجاهل النظام الحاكم هذه المجموعات كليا، ولم يحصل الشعب سوى على نصيب من الفقر، بينما كانت المناصب والمكاسب المادية حكراً على البعثيين فقط.
أما السبب السادس فيسميه التقرير “وهم الدعم الروسي”: حيث تولى بشار الأسد السلطة بالتزامن مع صعود فلاديمير بوتين إلى الحكم، وفي عام 2023 اعتقد الأسد أن بوتين لم يقدم الدعم لصدام حسين، ولكن اتضح أن تفسيره خاطئ، معتقدا أن هذا الأمر يعود إلى خلافات بوتین مع حزب البعث العراقي، كما تصور أن بوتین سیدعمه بشكل أكبر؛ نظراً لعلاقته مع حزب البعث السوري .
وفي عام 2003 كان بوتين في بداية عهده يسعى لتوطيد علاقاته مع الغرب، ولكن في عام 2023 أصبح بوتين أكثر قوة ونفوذًا، فتوهم الأسد أن بوتين لن يسمح بسقوطه، لكنه في الواقع وتحديدا في عام 2024 بوتین كان عالقا في مستنقع أوكرانيا، ولم ينجح في تغيير النظام العالمي كما كان يتصور الأسد، واكتفى بوتين بالمراقبة. كان هذا التصور سببا هاما آخر في سقوطه.
وعن السبب السابع لسقوط الأسد، يرى التقرير أنه يتمثل في “غياب الدعم الأيديولوجي”، حيث جعلت قوات المدافعين عن مراقد أهل البيت والتي أرسلتها إيران إلى سوريا البعض يظن أن حكومة الأسد حكومة متدينة، لكن النظام كان علمانيا للغاية.
ويضيف التقرير: مع انهيار الحكومات العلمانية في المنطقة، ظهرت حركات إسلامية بتوجهات مختلفة، مثل الإسلام الإخواني في تركيا، والإسلام الشيعي في العراق، والإسلام الطالباني في أفغانستان.
أما في سوريا، ظل حزب البعث في السلطة، لكنه فشل في التكيف مع هذه التحولات بسبب افتقاره للدعم الأيديولوجي الديني. كما أن حلفاءه، مثل إيران وحزب الله وروسيا أقليات شيعية ومسيحية في سوريا.
ويشير التقرير إلى أن طبيعة حزب البعث كانت سببا ثامنا للسقوط السريع لبشار، ورغم أن حافظ الأسد وصدام حسين تباعدا في مواقفهما، حيث كان أحدهما ضد إيران في الحرب العراقية الإيرانية والآخر معها، لكن الجوهر كان مشتركا بينهما فكلاهما ترعرع في حزب البعث، وكانت أفكارهما وأيديولوجيتهما واحدة.
ويضيف التقرير أن هذه الطبيعة المشتركة كانت تعني مصيرا مشتركا، وقد سقط صدام حسين بعد 18 يوما، وبشار الأسد بعد 11 يوما، فكان الخيار الوحيد لبشار هو الهروب قبل أن يواجه مصير صدام نفسه.
وفيما كانت علاقاته مع الخارج تتأثر بتلك اللحظة، كان من المحتمل أن يكون ذلك جزءاً من اتفاق سياسي، حيث كان البعض يأمل أن يظل الأسد حيا ويُصوَّر شهيدا، فكان الجميع يتمنون أن لا يكون خبر هجوم إسرائيل وقتله صحيحا، لأن البعض أراد تحويله إلى بطل شهيد وتمحى الصورة التي رسخت عنه كدكتاتور ضعيف.
أما السبب التاسع للسقوط فيرى التقرير أنه يرجع إلى علاقات بشار الجيدة مع بعض الأطراف الدولية، بعكس علاقته مع شعبه .
وحول تفاصيل تلك العلاقات، يقول التقرير: أشيع أن الأسد كان رئيسا جيدا مع الآخرين حتى مع إسرائيل، ولكن المشكلة كانت أنه لم يكن جيدا مع شعبه، وكان يعتقد أن كونه محبوبا لدى الآخرين يكفي، ولذلك كان يولي اهتماما أكبر للعودة إلى الاتحاد العربي بدلا من بذل الجهود لإرضاء شعبه والمصالحة مع معارضيه، حتى أسقطته فصائل المعارضة السورية.
وبحسب التقرير، فالسبب الأخير للسقوط السريع لنظام الأسد هو ابتعاده عن المفكرين، حيث كان بشار الأسد طبيب عيون، وذا خبرة واسعة، وذا مظهر أنيق، وكان يعيش حياة عصرية، لكن هذه الصفات لا تكفي للتحضر، يجب أن يكون الإنسان أيضا صاحب فكر، وإذا لم يكن كذلك فعليه أن يستمع إلى المفكرين.
ويضيف التقرير أن الأسد طالما تلقى رسائل من مفكرين سوريين بارزين، لكنه لم يلتفت لها ولم يهتم بلقائهم ومشورتهم، وبحسب التقرير، فذلك هو نفس الخطأ الذي ارتكبه محمد رضا بهلوي في إيران، مما أدى لسقوطه أيضاً.