ترجمة: شروق السيد
يعاني الاقتصاد الإيراني من استنزاف كبير بسبب تهريب الوقود، حيث تُهرّب ملايين اللترات يومياً، ويشتبه في وجود تواطؤ من جهات حكومية.
في هذا الصدد نشرت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية تحقيقاً 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، كتبت فيه: انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي العديد من المقاطع المصورة التي توثّق عمليات تهريب الوقود، في أحد هذه المقاطع يظهر جيش من شاحنات “نيسان” الزرقاء وهي تقوم بتحميل الوقود ونقله إلى باكستان، وفي مقطع آخر يظهر المهربون وهم يستخدمون أكياسًا شبيهة بالثعابين لتهريب الوقود عبر الطرق البحرية.
وتابعت: عند مشاهدة هذه الصور والمقاطع، تتبادر إلى الذهن عدة أسئلة أساسية: هل الأجهزة الاستخباراتية ليست على علم بحجم هذا التهريب؟ وإذا كانت على علم، فلماذا لا يتم اتخاذ إجراءات لوقفه؟
وواصلت: هنا تظهر نظرية المؤامرة التي تفيد بأن “تهريب الوقود يتم بتواطؤ داخلي”، حيث تُستخدم هذه الرواية لإقحام الحكومة في قضايا التهريب، مما يزرع موجة من التشكيك وعدم الثقة في المجتمع.. ولكن ما حقيقة الأمر؟
المصدر الأساسي للتهريب
تابعت الصحيفة: لتوضيح الموضوع، نستعرض أولاً تصريحات المسؤولين الرسميين؛ حيث قال مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، مؤخراً: “كيف يمكن، بينما المنتج والموزع للوقود في البلاد هو الحكومة، أن يضيع حوالي 20 مليون لتر من الوقود يومياً؟ يجب تعليق الجناة في هذه السرقات على المشانق”.
كما قال محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، في هذا السياق: “يُهرّب يومياً بين 25 إلى 30 مليون لتر من المنتجات البترولية من البلاد، ولا شك أن هذا التهريب منظّم، والمراكز المنتجة والمستهلكة الرئيسية هي أول المتورطين في هذا التهريب”.
وكما أشار الرئيس الإيراني ورئيس البرلمان، فإن المنتج والموزع للوقود في البلاد هو “وزارة النفط”، ووفقاً لتصريحات المؤسسات والوزارات الحكومية، يتم تحديد حصة معينة للحصول على الوقود لكل قطاع، وبحسب تصريحات جليل سالاري، المدير العام السابق لشركة التكرير وتوزيع المنتجات النفطية الوطنية، فإن 16 مؤسسة حكومية تشارك في تحديد هذه الحصص.
وبحسب الصحيفة، فمما سبق يتضح أن مصدر التهريب لا يأتي من خارج الحكومة، بل من داخلها، ثم يتم تحويل الوقود المحوّل، إلى شبكات متعددة من المستفيدين والمهربين على المستويات الصغيرة والكبيرة، هذا الأسبوع، أعلن رئيس شرطة مكافحة تهريب البضائع والعملة أن 25 ألف ملف تم تشكيلها في مجال تهريب الوقود خلال الأشهر التسعة الماضية، وتم القبض على حوالي 24 ألف متهم في قضايا تهريب الوقود.
وأضافت الصحيفة: لذا، يبدو أنه بعد تجاوز الطبقة الحكومية التي تعد مصدر التهريب، نصل إلى جيش من “الشبكات المحلية للتهريب”، والتي ليس عددها قليلاً. إذ تم تحديد واكتشاف حوالي 24 إلى 25 ألف شبكة فقط، فما بالك بالشبكات التي لم تُكتشف بعد والتي نجح المهربون من خلالها.
وأردفت الصحيفة: الآن، أصبحت معادلة تهريب الوقود في إيران أكثر وضوحاً: المصدر الأساسي للتهريب هو المؤسسات الحكومية، وفي الطبقة التالية تتكون شبكات محلية واسعة جداً، عددها كبير لدرجة أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، مهما بذلت من جهود، لا يمكنها إيقاف سوى نسبة صغيرة منها.
أما حجم تهريب الوقود، فليس بالقليل؛ حيث يتم تهريب ما بين 20 إلى 30 مليون لتر يومياً، وقيمته لا تقل عن 7 مليارات دولار، وهو ما يعادل حوالي 4600 ألف مليار ريال حسب سعر السوق التوافقي.
ومع وجود هذا التهريب، حصلت الحكومة على تصريح من البرلمان لاستيراد وقود بقيمة 1300 ألف مليار ريال للعام المقبل، في حين كان يمكنها توفير 3.5 ضعف هذا المبلغ عن طريق منع التهريب.
تهريب وقود الديزل
وتابعت الصحيفة: السؤال الأساسي هنا هو: من أي مؤسسة حكومية يتسرب الوقود المهرب؟ للإجابة عن هذا السؤال من الأفضل معرفة حالة استهلاك المنتجات النفطية الخمسة الرئيسية في مختلف القطاعات.
وأضافت الصحيفة في تقريرها: إن الاستهلاك الرئيسي للوقود في إيران يشمل ثلاثة أنواع رئيسية: الديزل، البنزين، والديزل، بمعدلات يومية تبلغ على التوالي 139.7 مليون لتر، 124 مليون لتر، و27.5 مليون لتر، وبالتالي، من المحتمل أن آثار تهريب الوقود يمكن العثور عليها في هذه الأنواع الثلاثة.
وفقًا لإحصائيات شركة التوزيع الوطنية للمنتجات النفطية، بلغ متوسط الاستهلاك اليومي للوقود هذا العام حتى الآن 298 مليون لتر، بزيادة قدرها 16% مقارنة بالعام الماضي، هناك ثلاثة عوامل تحدد مدى جاذبية تهريب نوع معين من الوقود للمهربين:
خصائص الأمان أثناء النقل.
سهولة الوصول إليه بالنسبة للمهربين.
فارق السعر بين الداخل والخارج.
وواصلت الصحيفة: عند النظر لهذه العوامل، يصبح تهريب الديزل هو الأكثر جاذبية، ووفقًا لتقديرات هيئة مكافحة تهريب البضائع، فإن حوالي 80% من تهريب الوقود يتعلق بالديزل، وذلك لأنه يتمتع بفارق سعر كبير مع الدول المجاورة، وسهولة نقله، بالإضافة إلى عدم وجود نظام ذكي لمراقبة توزيعه كما هو الحال مع البنزين، أما الـ20% المتبقية من التهريب، فتتعلق بالبنزين، وحصة الديزل وباقي المنتجات تكاد تكون معدومة.
سعر الوقود
وتابعت الصحيفة: السبب الرئيسي وراء تهريب الوقود، سواء الديزل أو البنزين، هو الفارق الكبير بين أسعار الوقود داخل إيران وأسعاره في دول الجوار.
وأوضحت: يتم شراء وبيع البنزين والديزل المنتجين في إيران بأسعار تصل إلى 30 إلى 200 ضعف السعر المحلي، مما يجعل من التهريب تجارة مربحة للغاية لكامل سلسلة التهريب داخل إيران وفي الدول المجاورة.
من الواضح أن وجود هذا الفارق السعري الكبير يمثل الدافع الأهم وراء تهريب الوقود، بناءً على ذلك، يمكن أن يكون الحل الأساسي هو تعديل أسعار الطاقة إلى مستويات تحقق أحد الخيارين التاليين:
– أن يصل سعر الطاقة في الداخل إلى تكلفة الإنتاج مضافاً إليه هامش ربح معقول.
– أو أن تتم مواءمة الأسعار المحلية مع أسعار الوقود في المنطقة.
وتابعت الصحيفة: في الخيار الأول، سيظل هناك فارق سعري بين الداخل والخارج، ولكن تطبيقه أفضل من الجمود الحالي، حيث ستُحفّز الإنتاج وتُقلل خسائر الشركات الحكومية.
أما الخيار الثاني، فمع وجود الفارق السعري الكبير بين أسعار الوقود في إيران ودول الجوار، فمن الواضح أن أي إصلاح للأسعار في إطار خطة شاملة وبصورة تدريجية لن يُزيل الدافع للتهريب على المدى القصير، كما أن اتباع سياسة “العلاج بالصدمة” ليس قابلاً للتطبيق، إذ يمكن أن يؤدي إلى انهيارات اجتماعية وأمنية واقتصادية في البلاد.
ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه البلاد ملحّة لدرجة تستوجب معالجة تهريب الوقود بشكل كبير خلال سنة إلى سنتين، لذلك، فإن مكافحة التهريب في المدى القصير، وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، لا يمكن أن تكون قائمة على الحلول السعرية فقط.
بل ينبغي تعزيز الأدوات الرقابية، خصوصاً في بداية سلسلة التهريب وليس في نهايتها، لمواجهة هذه الظاهرة بشكل فعال.
مصادر التهريب
وأضافت الصحيفة: لمنع تهريب الوقود باستخدام حلول غير سعرية، يجب أولاً تحديد مصادر هذا التهريب، أي معرفة المنافذ الحكومية التي يتسرب منها الوقود إلى الشبكات المحلية للتهريب وكيفية نقله إلى الخارج، باختصار، يجب التركيز على النقاط الحرجة.
وقد تم تحديد ثلاثة مصادر رئيسية وثلاث طرق لتهريب الوقود، ويبدو أن معظم تهريب الديزل من حيث الحجم يحدث في قطاعي النقل ومحطات الطاقة، ومن حيث عدد المهربين، فإن الشبكات المرتبطة بالمستهلكين الكبار والصغار هي الأكثر عدداً.
وتابعت: على سبيل المثال، صرَّح رئيس شرطة مكافحة تهريب البضائع والعملة هذا الأسبوع بأن الجزء الأكبر من تهريب الوقود يحدث في قطاع نقل الديزل نظراً للعوائد الكبيرة التي يحققها.
أو وفقاً لإحصائيات هيئة مكافحة تهريب البضائع، يتم تهريب حوالي 25% من الوقود السائل المخصص لمحطات الطاقة، أي ما يعادل 12.3 مليون لتر يومياً بقيمة سنوية تزيد عن 3.5 مليار دولار.
يمكن تفسير هذه الإحصائيات بطريقتين، على سبيل المثال فيما يتعلق بوزارة الصناعة والمعادن والتجارة، التي تمثل حوالي 50% من تسرب الوقود المكتشف، الاحتمال الأول هو أن عدد شبكات التهريب الصغيرة ضمن الحصص المحددة للصناعات كبير جداً. الاحتمال الثاني هو أن فرص اكتشاف المهربين الذين يعملون ضمن الحصص التابعة لهذه الوزارة أعلى، مما يجعل التعرف عليهم أسهل.
طرق نقل الوقود
وذكرت الصحيفة أن نقل الوقود المهرب من إيران إلى دول الجوار يتم بثلاث طرق رئيسية:
نقل الوقود براً وبحراً:
في هذه الطريقة، يتم تهريب الوقود باستخدام ناقلات النفط والزوارق البحرية، ووفقاً لتقرير نائب الشؤون القانونية لهيئة مكافحة تهريب البضائع، يتم تنفيذ 40% من تهريب الوقود عبر زوارق غير مرخصة.
المصافي المصغرة والوحدات الهيدروكربونية الصغيرة:
تلعب هذه الوحدات الصغيرة دوراً في عملية “غسل الوقود” حيث تجمع البنزين والديزل المتسرب من المؤسسات الحكومية في خزاناتها، ثم تصدّر هذا الوقود كمنتج خاص بها إلى دول الجوار.
ترانزيت الوقود:
يتعلق هذا الأسلوب بناقلات النفط التي تُنقل الوقود من بلد مجاور عبر الأراضي الإيرانية إلى دول أخرى، ولكن المشكلة تكمن في أن بعض خزانات هذه الناقلات تكون فارغة، فتتم تعبئتها في الطريق بالوقود عالي الجودة الإيراني.
يبدو أن الطريقتين الأوليين يمكن إدارتهما من خلال تعديل الحصص المخصصة للوقود وتعزيز الرقابة عليها، في حين يمكن وقف الطريقة الثالثة من خلال منع ترانزيت الوقود عبر إيران.
الحد من تهريب الوقود
وتساءلت الصحيفة: ما الحلول لمكافحة تهريب الوقود؟ كما تمت الإشارة سابقاً، فإن مصدر تهريب الوقود يعود إلى ثلاثة قطاعات رئيسية: النقل، محطات الطاقة، والمستهلكين الرئيسيين، وللحد من هذه الظاهرة، يجب تحسين الرقابة بما يتناسب مع كل قطاع، وفيما يلي الحلول المتعلقة بكل منها:
قطاع النقل: في هذا القطاع، تحصل الشاحنات الثقيلة في إيران على الديزل المدعوم بسعر 3000 ريال للتر، لكنها لا تنقل أي حمولة بين النقاط، ولإيقاف هذا النوع من التهريب، توجد خمس خطط مطروحة على طاولة الحكومة، لكن لم يتم تنفيذ أي منها حتى الآن:
أ. التزود بالوقود بناءً على وثيقة الشحن الإلكترونية:
وفقاً لهذه الخطة، يُسمح للشاحنات الثقيلة بالتزود بالوقود فقط أثناء نقلها للبضائع، لكن لم يتم تنفيذ الخطة حتى الآن بحجة عدم جاهزية البنية التحتية، رغم إلزام القانون بذلك من قبل شرطة الطرق السريعة ومنظمة الطرق.
ب. نظام “سبهتن”: تعتمد هذه الخطة على تحديد كمية الوقود اللازمة لكل شاحنة باستخدام أجهزة تحديد المواقع الذكية والوثائق المتعلقة بالرحلة، وتخصيص الوقود بناءً على المسافة المقطوعة.
ج. نظام “سیباد”: مشابه لنظام “سبهتن”، ولكنه مخصص للنقل داخل المدن، ومع ذلك، لم يتم تنفيذه أيضاً حتى الآن.
د. خطة “الخزان الممتلئ”: وفقاً لهذه الخطة، يتم حساب كمية الوقود المتبقية في خزانات الشاحنات الإيرانية التي تغادر البلاد، ويتم تحصيل قيمته بناءً على سعر الوقود عند الحدود، ويتم إيداع المبلغ في خزينة الدولة.
تحديد سقف السحب من بطاقات الوقود الطارئة في المحطات: بموجب هذه الخطة، يجب أن يكون هناك حد أقصى للسحب من بطاقات الوقود الطارئة المخصصة لمحطات الديزل، تماماً كما هو الحال مع البنزين.