كتب: محمد بركات
في لقاء أثار جدلا واسعا، تحدث الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، الأربعاء 15 يناير/كانون الثاني، إلى شبكة NBC الأمريكية في حوار ركز على القضايا الأساسية التي تعيد تشكيل العلاقات الإيرانية الأمريكية مع اقتراب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. تصريحات حملت معاني كثيرة، بين الانفتاح الدبلوماسي والدفاع عن السيادة الوطنية، وفتحت بابا واسعا للتأويلات والانتقادات، حيث اختلفت ردود الفعل بين من اعتبرها خطوة ذكية لتعزيز الدبلوماسية العامة، ومن رآها انحرافا عن الخطوط الاستراتيجية للبلاد.
رسالة بزشكيان لترامب
بهذا الشأن، تناولت صحيفة سازندجي في عددها ليوم الخميس 16 يناير/كانون الثاني 2025، مفاد ما جاء في تلك المقابلة ورسالة الرئيس الإيراني إلى نظيره الأمريكي، حيث قال: “مع اقتراب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يترقب العالم توجهاته الجديدة، خاصة تجاه إيران التي يتوقع العديد من المحللين أنها ستكون محورا رئيسيا في سياساته الخارجية، وفي هذا السياق، أعرب بزشكيان عن موقف واضح تجاه أي مفاوضات محتملة مع إدارة ترامب القادمة، فخلال مقابلته مع شبكة NBC الأمريكية الأربعاء 15 يناير/كانون الثاني 2025، أكد بزشكيان أن إيران لا تمانع الحوار، لكنها تشدد على أهمية الالتزام المتبادل بالتعهدات الناتجة عن المفاوضات، مشيرا إلى أن “إيران، في الاتفاق النووي السابق، التزمت بجميع التزاماتها، لكن الطرف الآخر أخل بوعوده، مما خلق موجة من انعدام الثقة”.
ويكمل التقرير: “كما ذكر بزشكيان أن إيران ليست في صراع مع الولايات المتحدة، لكنها مستعدة للدفاع عن نفسها في حال تعرضت مواقعها النووية لهجوم، موضحا أن إيران لا تسعى للحرب، لكنها لن تتردد في الرد على أي عدوان، ومعتبرا أن الحرب ستكون ضررا لجميع الأطراف وليس لإيران فقط، كما نفى بشكل قاطع، الادعاءات الغربية التي تزعم أن إيران تطور أسلحة نووية أو التخطيط لاغتيال دونالد ترامب”.
وعن توقيت المقابلة تذكر الصحيفة أن “سبب إجراء قناة NBC لهذه المقابلة مع الرئيس الإيراني يمكن اعتباره امتدادا لتقليد إعلامي متبع، حيث سبق أن أجريت مقابلات مماثلة مع رؤساء إيرانيين سابقين مثل محمد خاتمي الذي أجرى مقابلة مع CNN عام 1997، وهاشمي رفسنجاني في العام 2005، وحسن روحاني في العام 2013 خلال زيارته لنيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة”.
وتختم الصحيفة تقريرها، قائلة: “إن توقيت المقابلة في طهران يحمل أهمية كبيرة، إذ يتزامن مع تغييرات في الإدارة الأمريكية، فإدارة بايدن، مع استمرارها في الترويج للإيرانوفوبيا، تصف إيران كتهديد إقليمي ودولي. بايدن الذي زعم في تصريحاته الأخيرة، أن إيران فشلت في هجماتها ضد إسرائيل وأن حزب الله في لبنان بات ضعيفا، وأكد مرارا استمرار سياسة الضغط الأقصى ضد إيران مع الحفاظ على العقوبات، في حين أتت تلك المقابلة كرسالة للرئيس الأمريكي الجديد بأن إيران منفتحة على كل الخيارات ولا تستبعد شيئا من حساباتها”.
تفاوض مشروط وذكاء دبلوماسي
وفي تعليقها على تلك المقابلة، أجرت صحيفة شرق عدة لقاءات في عددها الخميس 16 يناير/كانون الثاني 2025، مع عدد من السياسيين الإيرانيين لعرض آرائهم في ما جاء فيها، حيث ذكرت: “في تحليله لما قاله الرئيس خلال المقابلة، ركز محمد مهاجري، وهو عضو في مجلس الإعلام الحكومي، على عبارة “مفاوضات متساوية و شريفة” التي استخدمها الرئيس، موضحا أن تأكيد هذه المصطلحات يعني أن الحكومة الحالية ليست مستعدة للتفاوض مع الغرب بأي ثمن، مضيفا أن تصريحات بزشكيان تدل على أن الحكومة تهدف إلى مفاوضات جدية وفعّالة تؤدي إلى اتفاقات متوازنة تحقق مكاسب للطرفين، وتسعى لتحقيق أهداف ملموسة، وأهمها رفع العقوبات. وأكد أن المفاوضات ليست لمجرد التفاوض، بل لتحقيق نتائج محددة”.
وفي تعليقه على المواقف المتشددة تجاه المفاوضات، ذكر مهاجري أن الآراء الراديكالية المعارضة للمفاوضات لا ينبغي أن تُؤخذ بجدية كبيرة؛ لأنها لا تمتلك وزنا كافيا للتأثير على القرارات الاستراتيجية للنظام، لكنه أشار إلى أن هذه المعارضة قد تسبب عراقيل كما حدث في مفاوضات الاتفاق النووي في عهد روحاني، وأيضا في حكومة رئيسي، التي لم تصل إلى نتائج مُرضية.
ويكمل التقرير: “هذا وقد اعتبر شهاب طبطبائي، الناشط السياسي والإعلامي، أن تلك المقابلة كانت رسالة من الحكومة الإيرانية إلى واشنطن والعالم، تحمل مضمون الصلح والصداقة، كما أشار طبطبائي إلى استخدام الرئيس عبارتي مفاوضة متساوية ومفاوضة شريفة، معتبرا أن الأولى تعني حوارا بلا شروط مسبقة أو خضوع للمطالب غير المنطقية، بينما الثانية تشدد على ضرورة التزام الأطراف بتعهداتهم بعد التوصل إلى أي اتفاق.
ورأى طبطبائي أن “تصريحات بزشكيان في المقابلة تمثل جهدا صادقا لخفض التوترات وإرسال رسالة سلام ومصالحة للعالم، وأكد أن إيران لم تكن قط بادئة بالحروب، حتى في ظل محاولات التحريض من إسرائيل وحلفائها الغربيين، كما شدد على أهمية وحدة الموقف داخل النظام، مؤكدا أن القرار النهائي بشأن المفاوضات يتطلب صوتا موحدا من قادة السلطات الرئيسية، رغم السماح بالتعبير عن الآراء المختلفة. وفي ختام حديثه، دعا إلى تبني خطاب دقيق ومهذب يعكس رسالة السلام والصداقة التي تسعى إيران لإيصالها للعالم”.
ويضيف التقرير: “أما جلال ميرزائي، الخبير سياسي، فقد أكد أهمية اعتدال خطاب بزشكيان بين القوة والمفاوضات، مشيرا إلى أن هذا النهج يمكن أن يُعتبر إشارة إيجابية لبدء المفاوضات مع الولايات المتحدة في ظل عودة دونالد ترامب. ومع ذلك، شدد على ضرورة أن تتجاوز الحكومة الإيرانية التصريحات العامة والمتكررة وتتبنى خطة شاملة، ودقيقة، وواقعية لبدء المحادثات.
كما أوضح ميرزائي أن “الحكومة الإيرانية يجب أن تتبنى دبلوماسية استباقية بدلا من الاكتفاء بردود الفعل، وذلك عبر اتخاذ خطوات عملية تضع إطارا للمفاوضات مع واشنطن قبل أن تبدأ الولايات المتحدة سياساتها تجاه إيران. كما أشاد بالمقابلة بشكل عام واعتبرها نوعا من الدبلوماسية العامة التي يمكن أن تسهم كخطوة أولى في بدء الحوار، ومع ذلك، حذر من أن الاعتماد على التصريحات الدبلوماسية العامة أو المقابلات وحدها لن يكون كافيا لتحقيق مفاوضات جادة وملموسة تهدف إلى رفع العقوبات عن إيران”.
“ترامب إرهابي وتجب معاقبته”
بهذا الشأن أيضا، هاجمت صحيفة كيهان الأصولية في عددها الخميس 16 يناير/كانون الثاني 2025، تصريحات بزشكيان خلال اللقاء، واصفة إياها بأنها ضد تعليمات المرشد الإيراني، علي خامنئي، حيث ذكر تقريرها، أن بزشكيان وخلال مقابلته مع قناة NBC الأمريكية، أدلى بتصريح أثار التساؤلات وذلك عند سؤاله عن معاقبة ترامب، قائلا: “منذ البداية لم تكن لدينا نية لذلك، ولن تكون لدينا”. هذا التصريح يتعارض مع موقف قائد الثورة بشأن معاقبة المتورطين في اغتيال الشهيد سليماني، ويخالف سياسة البلاد الرسمية تجاه ترامب، ما سبب خيبة أمل للناس، فعندما أعلن مساعد رئيس الجمهورية لشؤون الاتصالات، سيد مهدي طباطبائي، عن مقابلة مهمة للرئيس مع قناة NBC، أثار الآمال في اتخاذ موقف يتماشى مع السياسة الخارجية الثابتة للنظام. ولكن عند بث المقابلة، أثار موقف الرئيس قلقا متزايدا بشأن التناقض مع السياسات العامة للنظام.
ويردف التقرير: “في خطابه بتاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول 2020، صرّح قائد الثورة بأن “قاتل سليماني ومن أمر باغتياله يجب أن يدفعا ثمن أفعالهما، وسيتم الانتقام في الوقت المناسب”، كما جدد تأكيد هذا الموقف في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عندما صرح: “لن ننسى أبدا استشهاد سليماني، وسنفي بوعدنا في الوقت المناسب، في حين أتت تصريحات الرئيس عكس ذلك”.
كما وجهت الصحيفة انتقادا لمستشاري الرئيس الإيراني، حيث ذكرت أن “المواقف الإيجابية التي أبدتها الحكومة الإيرانية تجاه الولايات المتحدة على مر تاريخهما بعد الثورة لم تسفر عن أي استجابة إيجابية من الجانب الأمريكي، بل زادت من الجرأة والتعنت الأمريكي. إن سياسة الرئيس في التعامل مع الملف الأمريكي أثارت انتقادات بشأن تأثير مستشارين غير أكفاء على قراراته، والذين سبق أن فشلوا في إدارة العلاقات مع الغرب خلال حكومتي الإصلاحات وروحاني، ونحذّر الرئيس من الاعتماد على هذه الشخصيات، فالنوايا الحسنة لإيران كانت تُفسر من قبل الأعداء على أنها ضعف، مما أدى إلى زيادة تطاولهم”.
الرغبة من جانب واحد للتفاوض
وقد انتقدت صحيفة خراسان، الخميس 16 يناير/كانون الثاني، الرغبة المُلحة عند بزشكيان وحكومته للتفاوض مع الغرب، حيث ذكرت في تقريرها: “في الأسابيع الماضية، صدرت تصريحات مختلفة من المسؤولين الإيرانيين حول احتمال التفاوض مع الولايات المتحدة، لكن مؤخرا، أثارت تصريحات الرئيس في مقابلته مع لاستر هولت، المذيع الأمريكي الشهير، اهتماما واسعا، حيث أشار بشكل خاص إلى رغبة إيران في السلام وخفض التوترات، كما أكد الرئيس أن إيران لا تسعى لإشعال الحروب، بل هي مستعدة لبدء مفاوضات شريفة ومتوازنة مع الولايات المتحدة. تأتي هذه التصريحات في الوقت الذي لم تُظهر فيه إدارة ترامب أي إشارات إيجابية نحو بدء المفاوضات، بل العكس، استمرت في سياسات معادية لإيران بلا أي تراجع”.
ويكمل التقرير: “إن النزاعات الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة، خاصة بعد الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرض العقوبات الواسعة التي تلته، تُظهر التحديات المعقدة التي تواجهها إيران دوليا. في ظل هذه الظروف، يعتقد بعض المحللين والمسؤولين في إيران أن استمرار الوضع الراهن قد يضر بالمصالح الوطنية للبلاد، وأن تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي يتطلب تغييرات استراتيجية، ربما تشمل التفاوض مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، يتطلب هذا التوجه دراسة دقيقة من الناحية الاستراتيجية، لا سيما أن الولايات المتحدة ترى نفسها في موقع القوة المطلقة بالمنطقة بناءً على التطورات الأخيرة، مما يدفعها إلى تفسير أي إشارة ضعف من إيران على أنها فرصة للحصول على مزيد من الامتيازات على طاولة المفاوضات.
وعرضت الصحيفة تساؤلا مفاده: “هل الرغبة الإيرانية في التفاوض في ظل هذه الظروف تستند إلى منطق استراتيجي سليم؟”، وردت: “إن السياسة الخارجية الإيرانية تستند أساسا إلى مبادئ المقاومة وعدم الثقة بالولايات المتحدة، وقد أظهرت إيران أنها لا تسعى إلى مفاوضات تُفضي إلى تقديم تنازلات أحادية الجانب أو التخلي عن مبادئها. وبالنظر إلى التطورات الأخيرة في المنطقة، يُثار التساؤل: هل يمكن لهذه المفاوضات أن تحقق المصالح الوطنية لإيران في ظل الظروف الراهنة؟”.
وقد انتقدت الصحيفة الطرح الذي قدمه بزشكيان خلال اللقاء، حيث ذكرت: “إن مفهوم (المفاوضات الشريفة)، الذي أشار إليه الرئيس، يثير تساؤلات استراتيجية كثيرة، ففي ظل الوضع الحالي الذي تواصل فيه الولايات المتحدة سياساتها العدائية، هل يمكن توقع مفاوضات شريفة؟ إن ترامب، وخلال فترة رئاسته، لم يتردد في التهديد بالحرب، مما يشير إلى أن أي مفاوضات قد تتحول إلى وسيلة لممارسة مزيد من الضغوط على إيران”.
وحول الانتقادات التي طالت الرئيس بعد هذه المقابلة، ذكرت الصحيفة: “إن تصريحات بزشكيان حول غياب خطط لاغتيال ترامب، وتأكيده رفض أي مشروع من هذا النوع، أثارت ردود فعل واسعة داخليا وخارجيا، فهذه التصريحات، التي تبدو مخالفة للمواقف السابقة للمسؤولين الإيرانيين، وُصفت من قِبل بعض المحللين بأنها انحراف عن السياسات الاستراتيجية للبلاد، وأثارت قلقا حول تأثيرها على وحدة الصف الوطني ومصداقية الموقف الإيراني دوليا، كما تعرض الرئيس الإيراني لانتقادات حادة بسبب استقباله الشخصي لمقدم البرامج الأمريكي، وهو ما اعتُبر تصرفا غير مناسب لرئيس دولة بحجم إيران”.