كتب: محمد بركات
مخاوف متزايدة وتأهب، تلك هي الحالية للنظام في إيران، فما بين تصريحات تحذر من مغبة انتشار حالة الفوضى جراء الحرب النفسية، ووضع داخلي وإقليمي لا يبشر بالخير، تبقى إيران تنتظر وتترقب عما تحمله الأيام المقبلة.
فقد صرح محسني ايجه اي، رئيس السلطة القضائية في إيران، وذلك خلال كلمته التي ألقاها خلال اجتماع المجلس الأعلى للسلطة القضائية الإثنين 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، قائلاً: “إن العدو في هذه المرحلة الحالية، وأكثر من أي وقت مضى، يسعى لتهديد وتقييد الأمن النفسي للناس والجوانب الأخرى المتعلقة بأمن المواطنين، من خلال نشر الخوف والأكاذيب عن طريق استخدام حرب نفسية ممنهجة تجاهنا”.
وتابع: “لذلك، أؤكد مرة أخرى أن يتخذ المدعي العام والمدّعون الآخرون في جميع أنحاء البلاد، بالتعاون المباشر مع الأجهزة الاستخباراتية والأمنية والشرطية، كافة التدابير والإجراءات اللازمة لتثبيت وتعزيز أمن المواطنين، وكما في السابق، بل وبحزم وقوة أكبر، ينبغي اتخاذ التدابير المناسبة لإحباط مؤامرات العدو الرامية إلى خلق حالة من عدم الاستقرار داخل البلاد”.
وخلال كلمته، تطرق ايجه أي إلى الأحداث في سوريا، حيث صرح: “أظهرت الأحداث في سوريا أن الأعداء وأصحاب النفوس الشيطانية يستخدمون الإرهاب والإرهابيين كأداة لتحقيق مآربهم، وعندما تقتضي مصالحهم، يحولون أشخاصاً كانوا قد أدرجوهم سابقاً في قوائم الإرهاب وخصصوا مكافآت وهمية للقبض عليهم، إلى أدوات ووكلاء لتنفيذ مؤامراتهم لاحتلال وتدمير بلد ما”.
كذلك، بشأن الأزمات الأخيرة التي تواجهها إيران، صرح ايجه أي: “في الأيام الأخيرة، وبسبب المشكلات والقضايا المتعلقة بالكهرباء والغاز وتلوث الهواء، تم فرض إغلاقات اضطرارية وإجبارية، والآن يتعين على الحكومة، وبالتنسيق والتعاون مع السلطات الأخرى والجهات المعنية، أن تخطط بشكل يحدّ من تكرار هذه المشكلات في المستقبل. كما يجب على الحكومة اتخاذ تدابير وإجراءات تقلل من الأضرار الناجمة عن هذه الإغلاقات أو انقطاع الكهرباء على عامة الناس، وخاصة على المنتجين”.
كما أكد ايجه أي ضرورة التخطيط لضمان عدم تعطل أعمال الناس بسبب الإغلاقات أو تغييرات ساعات العمل الإداري، خاصة في المحاكم، مشدداً على أهمية عدم تأجيل المواعيد القضائية المحددة، وإعادة جدولة المواعيد المؤجلة سريعا، خصوصاً في القضايا المرتبطة بالمحتجزين، لتجنب تأخير الإجراءات أو الإضرار بحقوق الأطراف.
تحذيرات سابقة ومخاوف من حرب نفسية
لم تكن تلك المرة الأولى التي يحذر فيها ايجه أي مما سماه الحرب النفسية التي تقودها قوى معادية تجاه إيران، فخلال اجتماع السلطة القضائية الذي أقيم في 9 ديسمبر/كانون الأول 2024، صرح ايجه أي قائلاً: “من المحتمل أن تزداد الألاعيب في الأيام المقبلة، فقد يسعى المغرضون في بلدنا، من خلال الأكاذيب والحرب النفسية التي يمارسونها في المجتمع من خلال وسائل التواصل أو القنوات الأخرى، إلى تنفيذ أعمال عدائية داخل البلاد”.
وتابع: “فأنا أطلب من الجهاز القضائي في البلاد التعاون مع باقي الأجهزة الرقابية والأمنية لمنع مثل تلك المخططات، وكذلك التعامل مع التهديدات المحتملة بكل حزم”.
كذلك، وخلال اجتماع آخر للسلطة القضائية عقد في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قال مشيراً إلى الأبعاد المختلفة لمفهوم الأمن: “إن العدو، في المرحلة الحالية، يكثف جهوده ومؤامراته لزعزعة الأمن الداخلي، وخلق الفوضى، وتنفيذ عمليات اغتيال وأعمال مشابهة، ورغم أن هذه المحاولات فشلت بفضل جهود المسؤولين والقوات المختصة، فيجب التشديد على ضرورة مضاعفة الجهود لتعزيز الأمن”.
من جهة أخرى، فإن النظام في إيران بشكل عام يدعي بأنه يتعرض لحرب نفسية تديرها عناصر من الداخل والخارج، هذا حسب ما جاء في خطاب المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي خلال لقائه مع مداحي آل البيت، 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث صرح: “قال أحد المسؤولين الأمريكيين، إن أي شخص في إيران يسعى لإثارة الفوضى، فنحن سنساعده، ورغم أنه لم يصرح بذلك صراحة، إلا أن معناه واضح تماماً. هؤلاء الحمقى يظنون أنهم سينتصرون، ولكن الشعب الإيراني سيسحق تحت خطواته الثابتة أي شخص يقبل أن يكون عميلاً لأمريكا”.
وفي الإطار نفسه، فقد كتب على ربيعي، مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاجتماعية، على حسابه عبر منصة إكس، تعليقاً على شائعة استقالة الرئيس الإيراني التي انتشرت بداية من 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، قائلاً: “في حديث لي مع عدد من خبراء الفضاء الرقمي، تبين من خلال متابعة أول تغريدة أن الخيط الأول لموضوع استقالة الرئيس والحكومة قد تم نشره من قبل مجموعات خارجية، وأنه قد تمت متابعته كعملية نفسية داخلية بهدف معين”.
الأسباب وراء المخاوف الأمنية
تأتي تحذيرات رئيس السلطة القضائية المتتالية في الوقت الذي تعاني فيه إيران من عدة مشاكل داخلية، أولاها المشاكل الاقتصادية والناتجة عن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، حيث سجل سعر الصرف للدولار أكثر من 780 ألف ريال إيراني في السوق الحرة، في سابقة هي الأولى من نوعها، مما قد يتسبب في موجة غلاء كبيرة تضرب إيران.
كذلك، فإن إيران تعاني من مشكلة في توفير الوقود اللازم لمحطات الكهرباء ما دفع الحكومة إلى إطلاق خطة ممنهجة لقطع التيار الكهربي في المنازل والمصالح الحكومية والمصانع، ذلك في حين أن إيران تواجه واحدا من أقصى فصول الشتاء التي مرت عليها، هذا بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي تتحملها المصانع نتيجة انقطاع التيار الكهربي.
وعلى الجانب الآخر، تنتشر الشائعات في المجتمع الإيراني عن زيادة قادمة في سعر البنزين، الأمر الذي سيتبعه غلاء العديد من السلع، مما سيضيف أعباء أخرى لحياة المواطن، ربما تدفعه للخروج للتظاهر كما حدث في ديسمبر/كانون الأول من العام 2019.
وأخيراً، فإن المجتمع الإيراني يواجه انقساماً داخلياً بين تياراته، وهو الأمر الذي حذر منه الكاتب الصحفي والناشط السياسي الإصلاحي، عباس عبدي، خلال مقاله في جريدة اعتماد 23 ديسمبر/كانون الأول، حيث كتب: “إن حكومة بزشكيان هي فرصة لفتح هذا الطريق، وربما تكون الفرصة الأخيرة أمامنا. فالسؤال هنا، لماذا لم يُفتح هذا الطريق حتى الآن ولماذا لم نتجاوز الاختلافات؟”.
وأضاف: “إن السبب يكمن في غياب الشروط المبدئية للسياسة، هذه الشروط تشمل وحدة أو اتحاد صانعي السياسات، وتحليلاً مشتركاً للظروف، وتحديد الأهداف المتفق عليها، وتنظيم تنفيذي تحت إشراف صانعي السياسات، ورقابة فعالة، ومستقلة، وحيادية. أما الآن فيمكن القول تقريباً أن الفجوة الموجودة في هيكل السلطة في الدورة الثانية لحكومة روحاني لا تزال قائمة في هذه اللحظة، رغم أن بزشكيان يحاول حلها من خلال شعار الوفاق ولغة بنّاءة. لكن هذه الوحدة لم تتحقق حتى الآن، لا في الهدف، ولا في الأدوات ومنطق السياسة، ولا في التنظيم التنفيذي، ولا في تحليل الظروف الحالية، ولا في وحدة صانعي السياسات”.