ترجمة: علي زين العابدين برهام
بعد مرور ما يقارب عشر سنوات على توقيع الاتفاق النووي (برجام)، يعود الحديث مجددا عن هذا الاتفاق مع اقتراب استئناف المفاوضات بين إيران والغرب لحل الخلافات المتعلقة بالعقوبات والبرنامج النووي.
نشرت صحيفة “هم ميهن” حوارا السبت 1 فبراير/شباط 2025، مع جهانبخش إيزدي، أستاذ العلاقات الدولية، حول الاتفاق النووي بين إيران والغرب، وإمكانية عودته، وما الحلول المتاحة لاستئنافه مرة أخرى. وفي ما يلي نص الحوار:
في الأشهر الأخيرة، شدد المسؤولون رفيعو المستوى في وزارة الخارجية الإيرانية على أن إيران، في حال بدء مفاوضات جديدة مع الغرب، تسعى إلى التوصل إلى اتفاق “مبني على خطة العمل الشاملة المشتركة” و”ضمن إطار مفاوضات 5+1″. وقد انعكست هذه التصريحات أيضا في تصريحات مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي وصف الاتفاق النووي بأنه “ملهم لاتفاق جديد”. فما معنى هذه التصريحات؟ وكيف يمكن للاتفاق النووي أن يكون أساسا لاتفاق جديد مع الغرب؟
لم يكن اتفاق برجام اتفاقا يحظى بإجماع واسع، فقد كان له معارضون في الولايات المتحدة، لدرجة أن الرئيس ترامب قرر في النهاية الانسحاب منه. كما كان له معارضون في إيران، مما أدى إلى تهميش أحد التيارات السياسية بالكامل بسبب هذا الاتفاق، حيث اعتُبر برجام بمثابة “خسارة محضة”. من الناحية الأكاديمية، كان برجام يُعتبر بمثابة اتفاق غير رسمي وغير ملزم، وعند النظر إلى هذا الاتفاق بعد تسع سنوات، يظهر بوضوحٍ وجود العديد من العيوب فيه.
عندما يُقال إن برجام يمكن أن يكون أساسا لاتفاق جديد، يجب أن نوضح المقصود بذلك، هل يعني هذا أن المفاوضات الجديدة ستقتصر مجددا على الشأن النووي كما كان الحال في برجام؟ كان الهدف الرئيس من برجام هو السماح لإيران بمواصلة أنشطتها النووية، مع بعض القيود والشروط. أولا، تم فرض رقابة دولية شاملة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب البروتوكول الإضافي، مع فرض بعض القيود على الاتفاق. ثانيا، كان هناك تحديد لكمية اليورانيوم التي يمكن لإيران الاحتفاظ بها، وكذلك تكنولوجيا المعدات المستخدمة. ثالثا، تم فرض قيود على استخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة والمفاعلات المائية الثقيلة. جميع هذه القيود كانت تهدف إلى ضمان عدم سعي إيران لتطوير أسلحة نووية.
تعتبر طهران هذا الأساس مرجعية لأي اتفاق، فقد كان هذا الموقف هو أساس إيران خلال فترة برجام، ويبدو أنه لا يزال الموقف نفسه اليوم، ولكن المشكلة تكمن في أن الجانب الأمريكي غير راضٍ عن هذه التنازلات. على سبيل المثال، من بين الأسباب التي أدت إلى انسحاب دونالد ترامب من برجام في عام 2018 في بداية ولايته الرئاسية، كان ادعاؤه أن برجام يتضمن بنود محددة زمنيا تحتاج إلى أن تكون اتفاقات دائمة. ثانيا، كان الاتفاق مقتصرا فقط على البرنامج النووي الإيراني، بينما تؤكد واشنطن أن مشكلتها مع إيران لا تقتصر على هذا الجانب فحسب، بل تشمل قضايا أخرى. ترغب واشنطن في إدراج مسائل أخرى، مثل النفوذ الإقليمي الإيراني وبرنامجها الدفاعي، ضمن إطار المفاوضات. أما النقطة الثالثة التي تثير اهتمام الأطراف الغربية فهي أن برجام، حتى في نطاق البرنامج النووي، لم يعالج جميع التحديات.
من وجهة نظرهم، لا يزال تاريخ البرنامج النووي الإيراني غير واضح. ولذلك، من حين لآخر، تطرح الوكالة الدولية للطاقة الذرية أسئلة جديدة حول مواقع لم تُعلن عنها إيران، استنادا إلى معلومات حصلت عليها من مصادر متعددة. وتدعي الوكالة أن عدم تقديم إجابات حول وجود يورانيوم في هذه المواقع يُظهر أن إيران قد قامت في الماضي بأنشطة نووية غير معلنة، مما يثير المخاوف من احتمال سعيها للحصول على سلاح نووي. بالنسبة للأطراف الدولية، يظل السؤال: ما هي الضمانات المتاحة لضمان ألا تسعى إيران في المستقبل للحصول على سلاح نووي؟
ما ذكرته يُظهر بوضوحٍ معنى أن يكون برجام أساسا لأي اتفاق جديد. أولا، يعكس برجام المطالب الأساسية لإيران، مثل الحفاظ على برنامج تخصيب اليورانيوم ورفع العقوبات، وفي الوقت نفسه يعالج بعض المخاوف التي كانت لدى القوى العالمية، على الرغم من الانتقادات الكبيرة التي وُجهت له. من جهة أخرى، يلفت معارضو إيران ومعارضو برجام في الداخل انتباهنا إلى نقطة قانونية هامة، وهي أن هذا الاتفاق ليس معاهدة رسمية، بل هو اتفاق بين عدد من الدول، ويعتقدون أنه لا ينبغي ربط مصالح إيران بمطالب بعض الدول الأخرى، وهذا يشكل مشكلة منهجية في هيكلية المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1.
هل تعتقد أنه مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة، لم يعد بإمكان اتفاق برجام أن يكون أساسا لاتفاق جديد؟
ما ذكرته يدل على أن برجام لم يكن اتفاقا يحظى بإجماع واسع، ولا يُعتبر اتفاقا ذا أساس قانوني قوي. ومع ذلك، إذا أخذنا كل هذه النقاط في الاعتبار، فإن السؤال الأهم في الوقت الراهن هو: ما الذي يمكن أن يكون أساسا لاتفاق جديد في ظل عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة؟ موقف ترامب من برجام كان واضحا تماما؛ إذ كان يعتبره أسوأ اتفاق في تاريخ أمريكا، وانسحب منه بشكل كامل.
في حال عاد ترامب الآن لتوقيع اتفاق مماثل لبرجام، فإنه سيواجه سؤالا محوريا: لماذا انسحب من هذا الاتفاق في البداية إذا كان سيوقع على شيء مشابه له مرة أخرى؟ وإذا كان الاتفاق الذي سيبرمه ترامب مع إيران أضعف من برجام، فإن ذلك سيؤثر بشكل كبير على هيبته السياسية، وهو أمر غير مقبول من وجهة نظر النظام السياسي الأمريكي. إضافة إلى ذلك، من غير المحتمل أن توافق الدول الأوروبية، التي كانت طرفا في المفاوضات، على اتفاق أضعف من برجام.
ولذلك، ستكون سياسة ترامب في المفاوضات مع إيران التوصل إلى اتفاق أقوى وأكثر شمولا، يشمل جميع القضايا التي تهم الولايات المتحدة تجاه إيران، وفي الوقت نفسه يحقق مكاسب وفوائد لأمريكا. هذه المكاسب قد تكون سياسية، أو اقتصادية، أو جيوسياسية، أو إقليمية أو غيرها.
أرى أنه لا يمكن أن يكون برجام أساسا لاتفاق من هذا النوع الذي تكون إحدى أطرافه الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب. بالإضافة إلى أن برجام نفسه لم يعد موجودا ليكون أساسا لأي شيء آخر. أي برجام؟ كان اللاعب الأهم في برجام هو الولايات المتحدة، التي انسحبت وأعادت فرض جميع العقوبات الأحادية ضد إيران.
أما الأوروبيون، الذين يمثلون ثلاثة من الأعضاء الآخرين في برجام، فيسعون الآن لاستخدام آلية “الزناد” لفرض عقوبات على إيران بسبب عدم التزامها ببنود الاتفاق. التقارير تشير إلى أنهم يخططون للجوء إلى هذه الآلية في موعد أقرب من أكتوبر 2025، أي قبل شهر من تاريخ انتهاء صلاحية القرار 2231. ولهم في ذلك أسباب، أبرزها أن روسيا ستكون رئيسة مجلس الأمن في أكتوبر، ومن المحتمل أن تعرقل موسكو استخدام هذه الآلية.
بالمجمل، سواء من حيث نص برجام والامتثال لبنوده، أو من حيث الإطار القانوني وآليات المفاوضات التي شكلت هذا الاتفاق، يمكن القول إنه لم يعد هناك برجام. أعتقد أنه لا يمكن بناء شيء جديد على أساس شيء لم يعد موجودا. كما ذكرت في بداية حديثي، فإن التصريحات بشأن برجام هي في الغالب مجرد خطاب سياسي، ولا تتماشى مطلقا مع الحقائق والواقع الراهن.
ما هو تأثير التحولات الأخيرة في المنطقة على أي اتفاق محتمل مع القوى العالمية؟
لقد شهدت المنطقة تحولات كبيرة. من منظور القوى الغربية، تبدو إيران قد ضعفت في المنطقة وتواجه أزمة اقتصادية حادة في الداخل، وبالتالي، لا يمكن لطهران دخول المفاوضات من موقع قوة، مما يجعل القوى الغربية ترى أن الفرصة مواتية للحصول على تنازلات أكبر من إيران.
على أي أساس ستسعى الحكومة الأمريكية الجديدة للتفاوض مع إيران؟
دونالد ترامب لا يتبنى سياسة المفاوضات السابقة، هو شخص غير قابل للتنبؤ، استعراضي ويتميز بصفات قيادية تظهر من خلال شجاعته وطموحه في تحقيق القوة. أساسا، هو ليس من النوع الذي يستطيع الانتظار لمدة ستة أشهر أو سنة كاملة لمعرفة نتائج المفاوضات بين الدبلوماسيين. بل يتدخل شخصيا في العملية ليعرض نتائج الصفقة على أنها إنجاز شخصي له. هو لا يؤمن بالمفاوضات غير المباشرة أو السرية أو الجزئية، هذه كلها اختلافات جوهرية بين عملية الوصول إلى الاتفاق النووي وآلية التفاوض المحتملة مع ترامب. إيران لم تعد قادرة على الاعتماد على أسلوب المفاوضات السابق في ظل الظروف الجديدة، إيران دخلت في مرحلة جديدة تماما.
في ظل هذه الظروف، هل هناك أساسا أفق لإبرام صفقة أو اتفاق بين إيران والغرب بشأن البرنامج النووي أو اتفاق شامل أوسع؟
الظروف صعبة للغاية والموانع كثيرة. لكن عندما تقتضي مصالح دولة أو حتى مصلحة نظام سياسي معين ذلك، من الطبيعي أن يكون هناك استعداد للتغلب على هذه العقبات والمشاكل. يجب على طهران أن تدخل الساحة بكل قوتها، ضمن إطار إجماع داخلي، وأن تكون مستعدة لإبرام صفقة شاملة ونتيجة محورية، وفي فترة زمنية قصيرة. لم يعد بالإمكان توقع أن تستمر مفاوضات إيران والغرب لأشهر أو سنوات.
برأيك، لتحقيق صفقة شاملة، أليس من الضروري أن يخرج الطرفان من ظل الاتفاق النووي؟ بمعنى أن يعيدا النظر في القضية من منظور جديد ويبحثا عن حلول من زاوية مختلفة؟
لا يجب أن ننسى أن تأكيد الاتفاق النووي موقف إيراني بامتياز، فالاتفاق ليس قضية تخص وكالة الطاقة الذرية الدولية، ولا الأوروبيين، ولا الأمريكيين. من وجهة نظر هذه الأطراف جميعها، الاتفاق النووي انتهى، وفي غضون أشهر قليلة سيكون مجرد أمر من الماضي.
مع ذلك، تؤكد إيران الاتفاق النووي لأسباب منطقية ومفهومة، من وجهة نظرها، يعترف الاتفاق بحقها في ممارسة الأنشطة النووية السلمية. من الطبيعي أن دولة استثمرت سنوات طويلة في بناء هذا الحق لا ترغب في أن تُجبر على التخلي عن برنامجها النووي بالكامل، والأهم من ذلك، التنازل عن البرنامج النووي ليس مقبولا بالنسبة لإيران معنويا بأي حال.
في المقابل، كان للاتفاق النووي ميزة إضافية تتمثل في أنه ساهم في معالجة جزء من مشكلة العقوبات. وبالتالي، تسعى طهران إلى الحفاظ على عنصرين أساسيين في أي اتفاق: أولا، الحفاظ على حقها في تخصيب اليورانيوم، وثانيا، رفع العقوبات. بالنسبة لإيران، كل ما يضاف إلى هذين المبدأين في الاتفاق هو أمر ثانوي، وكان الاتفاق النووي قد صُمم على هذا الأساس: رفع جزء من العقوبات، والحفاظ على حق إيران في تخصيب اليورانيوم، مع فرض قيود على مستوى التخصيب والتقنيات المستخدمة.
من وجهة نظر الغرب، يُستدل بأن الاتفاق النووي لم يكن فعّالا أساسا. هم يقولون إن جميع الإمكانيات الاقتصادية ورفع العقوبات التي مُنحت لإيران قد استخدمت ضد الغرب وإسرائيل في المنطقة. وبالتالي، يصرون على أنهم غير مستعدين لرفع العقوبات بطريقة تُمكن إيران من توجيه ضربات لهم في أماكن أخرى.
علاوة على ذلك، وبعد مرور عشرة أعوام على الاتفاق النووي، وعبور بعض البنود التي كانت محددة بزمن، توصل الغرب إلى قناعة بأن القيود الزمنية تتلاشى بسرعة، مما يسمح لإيران بتوسيع برنامجها النووي مجددا وبسرعة، لذلك، لم يعد لديهم أي رغبة في منح إيران فرصة لزيادة توسيع برنامجها النووي. من الواضح أن المشكلة الحالية بين إيران والغرب تدور حول هذين الموضوعين: العقوبات والبرنامج النووي. لكن وجهات نظر الطرفين بشأن هاتين القضيتين قد تغيرت تماما، وأصبح الاتفاق النووي الآن ليس هو الحل المقبول بالنسبة للغرب.