كتبت: شروق السيد
بين التحذيرات والتساؤلات، يناقش حسين آخاني عالم البيئة والأستاذ الجامعي بجامعة طهران، في حوار مع الوكالة الإيرانية “خبر أونلاين”، فكرة نقل العاصمة الإيرانية.
نشرت الوكالة الإيرانية “خبر أونلاين” حوارا لها مع حسين آخاني، عالم البيئة والأستاذ الجامعي في جامعة طهران، يوم الجمعة 10 يناير/كانون الثاني 2025، ورد فيه:
مع التحذيرات البيئية المطروحة بشأن نقل العاصمة، ما رأيك في نقل العاصمة إلى مكان آخر، خاصة مكران التي تُطرح حاليا كخيار؟
لست مهندسا معماريا، ولا سياسيا، ما يشغلني هو البيئة الطبيعية والإنسانية، دعني، ليس كمتخصص بل كمواطن لديه تجربة السفر والعيش في العديد من دول العالم، أقدم أسباب معارضتي واقتراحاتي، دون أن أثقل عليك بقائمة من الحجج العقلانية والعلمية، سأقول ببساطة: خلال نصف القرن الماضي، حيث شهدنا ذروة الحداثة والتطور السريع في التمدن وتطوير المدن، لم نبنِ مدينة واحدة قابلة للعيش.
لقد دمرنا العديد من المدن التاريخية في البلاد (مثل شيراز وأصفهان والري)، والتي كانت عواصم لإيران في فترات مختلفة.
ماذا تقصد بـ”التدمير”؟ هل يمكنك توضيح ذلك؟
ما زالت فكرة مشهد السيول المؤلمة في شيراز تجعل جسدي يقشعر، وكلما فكرت في كارثة جفاف نهر زاينده، أشعر بأن لا عدو كان يستطيع أن يلحق ضررا يعادل جفاف هذا النهر الجميل وتدمير نصف جمال أصفهان.
مدينة أراك، هي مدينتي، وقرأت أنها واحدة من الخيارات لنقل العاصمة، أتذكر أن فكرة مشابهة طُرحت في عهد الشاه أيضا، لفهم ما حدث لهذه المدينة التي كانت مليئة بالحياة والازدهار، يمكنك ببساطةٍ النظر إلى إحصائيات توقف النمو السكاني في أراك.
هل تعارض قرار الحكومة الحالية بشأن نقل العاصمة؟
أتوجه بالقول للرئيس بزشكيان: على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي وُجّهت إليّ، فإنني أكنّ لك احتراما كبيرا، أنت من بين القلة النادرة من المسؤولين في إيران الذين تنال كلماتهم إعجابي، وآمل ألا تفعل شيئا يجعلني بعد أربع سنوات لا أرغب حتى في الاستماع إلى تصريحاتك أو تصديقها.
قبل التفكير في نقل العاصمة إلى مكان آخر، أرجو أن تجيب عن سؤالين:
هل يمكن أن تعطينا مثالا واحدا لمدينة في جغرافيا إيران الواسعة، ذات التاريخ الذي يمتد لآلاف السنين، حيث:
النقل العام فيها يتمتع بمواصفات قياسية؟
يتم فيها فصل النفايات ومعالجتها دون أن يكون هناك عجز في إعادة تدويرها؟
تُدار فيها الطاقة بشكل صحيح بحيث لا تتسرب الحرارة أو البرودة من المنازل؟
يقود سكانها مركباتهم دون انتهاك القوانين؟
مياهها الجوفية في حالة توازن طبيعي؟
تخلو من التلوث، والجريمة، والانتحار، والسرقة، والتهريب، والإدمان؟
مبانيها مقاومة للزلازل وغير معرضة للسيول أو الهبوط الأرضي أو العواصف الترابية؟
تحتوي محطاتها للحافلات أو القطارات على وسائل مواصلات تتيح السفر بسهولة إلى بقية أنحاء البلاد؟
يمتلك مطارها عددا كافيا من الطائرات بحيث يتمكن الناس من حجز التذاكر قبل أسبوع فقط من السفر؟
إذا لم تكن لدينا مدينة بهذا الوصف، فكيف يمكننا التفكير في نقل العاصمة إلى مكان جديد؟
هل لدينا مدينة تتحقق فيها هذه المعايير؟
هل لدينا مدينة يتمتع فيها جميع الأطفال بحقوق متساوية من حيث التعليم، والصحة، وتوفير المرافق الرياضية؟
مدينة لا يخاف فيها الأطفال من الكلاب الضالة التي قد تهاجمهم، ويمكنهم اللعب في الحدائق دون التعرض لتلوث بمخلفات الحيوانات؟
مدينة تحافظ على تاريخها وتراثها الثقافي؟
مدينة تعيش فيها النباتات والحيوانات بسلام، وتكون المناطق المحمية خالية من الصيد، والحرائق، والتهديدات؟
مدينة يمكن للسائح أن يزورها بسهولة ويتمتع بمرافق سفر محترمة؟
مدينة توفر العلاج والأدوية لأي شخص يتعرض لطارئ صحي في المكان نفسه دون الحاجة للسفر؟
أما السؤال الآخر لبزشكيان: من الذي سيقوم ببناء العاصمة الجديدة لكم؟
إذا كنتم تفكرون في الاستعانة بخبرات أجنبية، فأنتم تعلمون جيدا أنكم حتى في استخدام الكفاءات المحلية المؤهلة لا تملكون الصلاحيات الكاملة، وخصومكم لا يعترفون حتى بشرعية وجود نائبكم المثقف في منصبه (جواد ظريف).
على سبيل المثال، أحد أفضل المفكرين الأكاديميين في البلاد، محسن رناني، الذي دعمكم ودعا الشباب الذين قاطعوا الانتخابات إلى التصويت، ممنوع حتى من إبداء آرائه ونشر أفكاره.
إذا كان الخبير أجنبيا من أصول إيرانية ويعيش خارج البلاد، فإن حياته اليومية تخالف القوانين الإيرانية، يكفي أن يكون قد شارك في مناسبة اجتماعية وُجدت فيها مشروبات كحولية ليتم اعتقاله وتهديد أمنه، أو أن يضطر إلى الفرار إذا كان محظوظا.
وإذا لم يكن إيرانيا وكانت الخبيرة امرأة، فيجب أن تلتزم بالحجاب، وأي خطأ بسيط منها، كالتقاط صورة على جسر أو نهر، يمكن أن يؤدي إلى تلفيق قضايا ضدها، فكيف يمكن ضمان نجاح مشروع بهذه التعقيدات؟
ما العمل برأيك؟ مشاكل طهران تبدو غير قابلة للحل، ولا توجد إرادة لحلها.
للخروج من دوامة طهران، التي نعلم جميعا أنها قد تُعرّض مئات الآلاف أو حتى الملايين للخطر عند أول أزمة، هناك حلول متاحة.
على سبيل المثال، بدلا من نقل العاصمة، يمكننا تقسيم الهيكل السياسي للبلاد، توجد نماذج معروفة لهذا الأمر، كما في ألمانيا وأمريكا وحتى في جارتنا الإمارات.
إيران بلد شاسع ذو تنوع عرقي كبير، والإدارة الفيدرالية ستساعد في تقليل الاعتماد على العاصمة، بل إن هذا الإجراء ضروري لمواجهة النزعات الانفصالية وحماية البيئة، منح السلطة للشعوب المحلية يخفف العبء الثقيل عن إدارة البلاد، بينما يمكن للحكومة المركزية التركيز على القضايا الكبرى، مثل السياسة الخارجية والدفاع.
كما أن إنشاء مناطق نموذجية للعيش الصحي في كل محافظة يمكن أن يكون بداية جيدة.
ما المقصود بالمناطق النموذجية للعيش؟
قدمتُ ذات مرة اقتراحا لبیروز حناجي، عمدة طهران السابق، لإنشاء أحياء خضراء، وعلى الرغم من الترحيب الذي لاقاه الاقتراح من قبله ومن مجلس المدينة، فإن الفكرة لم تُنفذ للأسف، لكن الحكومة يمكنها أن تختار مدينة واحدة في كل محافظة لتدار بطريقة مستدامة ومبنية على مبادئ البيئة، بحيث لا يعاني سكانها من الكوارث التي تعاني منها المدن الأخرى في البلاد.
في هذه المدن:
توضع قوانين صارمة لمنع كل أشكال التلوث.
يمكن للناس التنقل سيرا على الأقدام أو باستخدام الدراجات دون وجود دراجات نارية ملوثة.
تُوفر وسائل نقل عام تلبي احتياجات الجميع، ومن ضمنهم المسنون وذوو الاحتياجات الخاصة والأطفال والأمهات.
تكون المدارس جميعها حكومية وبمستوى عالٍ من الجودة.
وتُدار الطاقة بطريقة تمنع إهدارها.
جربوا واختبروا إن كانت لدينا الخبرة لإدارة وبناء مدينة كهذه، لا أقصد بناء مدينة جديدة، بل اختيار إحدى المدن المناسبة في كل محافظة وإجراء التعديلات اللازمة فيها.
للتأكد مما إذا كان بإمكاننا بناء عاصمة صحية وصالحة للعيش، ربما تُحفز هذه الخطوة سكان المدن الأخرى على إجراء إصلاحات مشابهة، مما يساعد على حل مشاكل العاصمة والبلاد بأكملها.
قد تكون هذه التجربة نموذجا يولد منه مشروع العاصمة الجديدة.