ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “كيهان“، لسان حال المرشد الإيراني علي خامنئي، السبت 8 فبراير/شباط 2025، مقال سعد الله زارعي، رئيس معهد “انديشه سازان نور” للدراسات الاستراتيجية، حول المفاوضات التي يدعو إليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ذكر زارعي أن العدو المعلن للشعب الإيراني يسعى إلى تصوير استقلال إيران وقوتها كعقبة أمام تحسين الأوضاع المعيشية، في محاولة لربط الازدهار الاقتصادي بالتبعية للغرب، والهدف واضح وهو إضعاف إيران وإعادتها إلى الوراء، بعد أن بلغت مكانتها الحالية بفضل تضحيات شعبها.
وأضاف أنه يكفي للتدليل على سوء نية هذا العدو أن نرى جهوده المتواصلة لتهجير شعب غزة من أرضه، لإفساح المجال أمام الاحتلال الإسرائيلي ليعيش بأمان، دون أن تزعج أصوات المظلومين راحة الغاصبين والمجرمين، وخلال 16 شهرا من العدوان على غزة، دعمت واشنطن إسرائيل بأكثر من 120 ألف طن من الأسلحة، بهدف إبادة شعب بأكمله وتدمير موارده.
وأوضح أن هذا هو العدو نفسه الذي فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لمجرد إدانتها قادة إسرائيل بقتل النساء والأطفال، وهو ذاته الذي يدّعي أن مشكلته مع إيران تقتصر على منعها من امتلاك السلاح النووي، لكنه بمجرد أن برزت أصوات داخلية تدعو إلى الحوار، أصدر مذكرة تنفيذية تطالب طهران بالتخلي عن برنامجها النووي، ووقف تطوير صواريخها الباليستية، وقطع دعمها لحركات المقاومة، والقبول بتعديلات سياسية في ملف “حقوق الإنسان” وفقا للمفهوم الغربي.
أمريكا لا تريد التفاوض
تابع زارعي أنه “قد أوضحنا في مقالات سابقة، أن واشنطن لا تسعى إلى الحوار لحل القضايا العالقة، بل تريد تفكيك كل عناصر قوة إيران، وتحويلها إلى فريسة سهلة، فمن منظور السياسة الأمريكية، يجب أن تعود إيران إلى الحقبة التي كانت فيها تأخذ أوامرها من واشنطن، لا أن تحدد سياساتها بنفسها”.
وذكر أن المخطط الأمريكي لإيران وفقا للرؤية الأمريكية، على النحو التالي:
– تشكّل حكومة موالية لواشنطن، تمتثل لأي اتفاقيات حتى لو كانت تتعارض مع مصالحها الوطنية.
– تسمح للولايات المتحدة بالتدخل في شؤونها الداخلية، وضمن ذلك تعيين رئيس الجمهورية، والوزراء، والبرلمانيين، والمحافظين، والإشراف على مؤسساتها العسكرية والمالية والصناعية.
– تتخلى عن أي قدرات عسكرية مستقلة، وهو ما ظهر جليا عندما صرّح مسؤول أمريكي مؤخرا بأن مدى الصواريخ الإيرانية يجب ألا يتجاوز 300 كيلومتر.
– تتجنب أي تحركات إقليمية تعزز نفوذها كقوة مستقلة، وألا تسعى إلى تشكيل تحالفات خارج الهيمنة الأمريكية.
– تنكر مفهوم “الثقافة الوطنية” والاختيار الداخلي، لصالح ما يسمى بـ”الثقافة العالمية” المفروضة من الغرب، بحيث يُمنع انتقاد الجرائم الإسرائيلية تحت ذريعة “معاداة السامية”، بينما يُسمح بحرق القرآن ونشر رسوم مسيئة للنبي محمد (ﷺ) تحت شعار “حرية التعبير”!
وأضاف زارعي أن البعض يرى أن الحوار مع واشنطن قد يكون وسيلة لتحسين الأوضاع المعيشية، لكن التجارب السابقة أثبتت أن أي اتفاق لن يكون حقيقيا، ولن يكون هناك ضمان لاحترامه، فكيف يمكن الوثوق بأن التفاوض مع الولايات المتحدة سيؤدي إلى تحسن اقتصادي، بينما سجلها الحافل بالنكث بالعهود يثبت العكس؟
وتابع أنه قبل عشر سنوات، قدمت إيران تنازلات كبيرة، لكنها لم تؤثر حتى على لهجة الخطاب الأمريكي تجاهها، فكيف يمكن اليوم الوثوق بواشنطن أو بترامب، الذي أثبت عداءه الصريح تجاه إيران؟
الإرادة الداخلية هي الحل
وذكر زارعي أن الحل ليس بيد العدو، تماما كما لم يكن حل أي أمة يوما ما بيد خصومها، إن المفتاح في الداخل الإيراني، ولكن هذا لا يعني العزلة، بل يستدعي اتخاذ قرارات وطنية مستقلة وتنفيذها بجدية. الاقتصاد الإيراني تجاري بطبيعته، ولم يكن يوما اقتصادا مغلقا، لذا فإن تعزيز العلاقات التجارية يجب أن يكون وفق استراتيجية وطنية مستقلة، وليس من خلال الرضوخ للإملاءات الخارجية.
وأضاف أن التجربة التاريخية أثبتت أن الإرادة الوطنية، سواء من الشعب أو القيادة، كانت دائما العامل الحاسم في تجاوز الأزمات، فحينما تولّى أمير كبير، رئيس وزراء إيران في عصر ناصر الدين القاجاري، إدارة البلاد، قيل إنه لا يمكن تحقيق أي إنجاز دون موافقة روسيا وبريطانيا، ومع ذلك، تمكن من إحداث إصلاحات جوهرية رغم العقبات الداخلية والخارجية.
وأوضح أنه بالمثل، عندما تولّت حكومة إبراهيم رئيسي إدارة البلاد في ظل أزمة اقتصادية خانقة، كان يُروج لفكرة أن أي تحسن اقتصادي مشروط بموافقة الولايات المتحدة وأوروبا، ومع ذلك، تمكنت من تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4%، وتهيئة الظروف لمعالجة العديد من الأزمات الداخلية، رغم العقوبات.
ذكر زارعي أنه في العلاقات الدولية، لا يُبنى كل شيء على الثقة، فكثير من الدول تفاوضت دون أن تكون لديها ثقة بالطرف الآخر، لكن الفارق يكمن في طبيعة التفاوض، فهناك نوعان من المفاوضات:
- مفاوضات إلزامية: مثل تلك التي تُجرى لإنهاء الحروب، حيث لا يكون هناك خيار سوى الجلوس على الطاولة.
- مفاوضات اختيارية: حيث يمكن الدخول أو عدم الدخول في الحوار، وفقا للمصلحة الوطنية.
وأوضح أنه في الحالة الثانية، يجب طرح أسئلة أساسية قبل بدء المفاوضات:
- ما الهدف من التفاوض؟
- هل ستكون شروط الحوار وفق رؤية إيران، أم وفق شروط الطرف الآخر؟
- هل هناك فرصة لتحقيق نتائج إيجابية أم أن الأمر مجرد فخ؟
ثم تابع أن موقف ترامب من إيران واضح ولا يحتاج إلى تفسير، فقد سبق أن خرق الاتفاق النووي عام 2018، رغم معارضة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومعظم دول العالم، وحتى بعض مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة نفسها، كما أنه اغتال الشهيد قاسم سليماني في مطار بغداد بعد انسحابه من الاتفاق النووي.
وأضاف أن هناك من يقول إن ترامب تغيّر، والظروف باتت مختلف، لكن خلال الأسبوع الماضي فقط، كشف ترامب عن ملامح سياساته تجاه إيران، حيث أصدر مذكرة تنفيذية ملزمة تتضمن 12 شرطا، تحدد جميع مطالب واشنطن من طهران دون أي إشارة إلى ما ستقدمه أمريكا بالمقابل.
وتابع أنه إذا دخلت إيران بسذاجة أو تحت ضغط خارجي في مفاوضات بشروط أمريكية، فإنها لن تحقق شيئا من مطالبها، سواء في ما يتعلق برفع العقوبات، أو منع التدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية، أو حتى الإفراج عن أموالها المجمدة.
وأردف أن الطاولة التفاوضية لن تُطرح عليها مطالب إيرانية، بل قائمة إملاءات أمريكية، تجعل طهران تدخل في دائرة لا نهائية من تقديم التنازلات.
واختتم زارعي المقال بأن الخلاص لا يأتي من التنازل لمن لا يؤمن بالحق، بل من التمسك بالثوابت الوطنية والعمل الجاد من الداخل.