كتب: محمد بركات
آثارت التصريحات الأخيرة للمفكر والفيلسوف والأكاديمي الإيراني، صادق زيبا كلام، الجدل حول نظرة الشعب الإيراني لمجريات الأمور حوله في المنطقة، فبينما تظهر تصريحات كبار المسئولين في إيران بأن الداخل الإيراني موحد تحت راية واحدة، أتت تصريحات زيبا كلام، كعادتها، صادمة لتوضح مدى الفجوة التي يعيشها المسئولون بعيدا عن الشعب، وخصوصا قطاع الشباب، في مشهد ليس بالجديد عن المفكر الذي لطالما انتقد النظام الإيراني.
فخلال حديثه حول تغير موقف الإيرانيين تجاه الصراع بين حماس وإسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فقد صرح زيبا كلام 27 يناير/كانون الثاني 2025، خلال محاضرة في مركز للدراسات الإيرانية بقطر، قائلا: “ستتفاجأون من عدد الإيرانيين الذين يكرهون الفلسطينيين، فخلال الـ 15 شهرا الماضية، شاهدت كراهية الشباب الإيرانيين تجاه الفلسطينيين، والآن فالشعب الإيراني ينظر إلى نتنياهو كقائد وبطل يُحتفى به”، مضيفا أن سبب هذا التحول في الموقف يعود إلى دعم القادة الإيرانيين للفلسطينيين.
وتابع زيبا كلام: “إن قال لي أحدهم منذ عدة سنوات إنه سيأتي يوم سيكره فيه الإيرانيون فلسطين وسيمجدون نتنياهو ويعتبرونه بطلا، كنت سأتهم هذا الشخص بالجنون، وكنت سأعتبر أنه لا يعرف الشعب الإيراني تمام المعرفة، ولكن للأسف فقد رأيت هذا بأم عيني خلال الأشهر الماضية”.
ويضيف بخصوص الانتخابات الأمريكية: “ستفاجأون بأمر آخر، فخلال الأشهر القليلة الماضية، وفي ذروة الانتخابات الأمريكية، كنت أشعر أني أعيش في ولاية أمريكية وليس في إيران، وذلك لأن الجميع كان يتكلم عن الانتخابات الأمريكية، فرجال الدين كانوا يتحدثون، الصحافة، المثقفون والطلاب، بل والأدهى من ذلك، أن الناس كانت تدعو لكي يفوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، وهو الشخص الذي يعادي النساء، والعرب، وذوي البشرة السوداء”.
وعلى أثر تلك التصريحات، فقد أعلنت وكالة أنباء السلطة القضائية في إيران، ميزان، 28 يناير/كانون الثاني 2025، بأنه، وبسبب التصريحات الأخيرة التي أدلى بها زيبا كلام، فقد أعلنت النيابة العامة في طهران رفع دعوى قضائية ضده.
كذلك، فقد كتب على مطهري، السياسي الإيراني والبرلماني السابق، على حسابه عبر منصة إكس 28 يناير/كانون الثاني 2025، منتقدا تصريحات زيبا كلام، قائلا: “السيد صادق زيبا كلام زعم في قطر أن جيل الشباب الإيراني يكره الفلسطينيين، وقال إن الشعب الإيراني ينظر إلى نتنياهو باعتباره بطلا ويُعجب به. بهذا الادعاء، أهان زيبا كلام الشباب الإيراني وكافة الشعب الإيراني، لأن الكراهية لأولئك الذين يقاتلون من أجل تحرير أرضهم والإعجاب بشخص قام بإبادة جماعية لأكثر من 15 شهرا يعني الخروج عن إطار الإنسانية”.
ويضيف مطهري أن “هذا التصريح ينبع من الحقد الذي يحمله تجاه النظام الإيراني بسبب التزامه بمبدأ تحرير فلسطين، وليس من واقع الحال في المجتمع الإيراني”.
من هو صادق زيبا كلام؟
صادق زيبا كلام، أكاديمي ومفكر سياسي إيراني بارز، وُلد في عام 1948 بالعاصمة طهران، ويشغل منصب أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، وقد اشتهر بأسلوبه النقدي وآرائه الجريئة التي تتناول القضايا السياسية والاجتماعية في إيران، كذلك فيعرف زيبا كلام بمواقفه الليبرالية ودعواته للإصلاح السياسي والاجتماعي، وهو ما جعله شخصية مثيرة للجدل في الساحة السياسية الإيرانية.
على مدار مسيرته الأكاديمية والفكرية، أثار زيبا كلام جدلا واسعا بسبب مقالاته وتصريحاته العلنية التي تنتقد السياسات الداخلية والخارجية لإيران، وقد واجه بسبب ذلك محاكمات متعددة وأُدين بالسجن في عدة قضايا، من بينها نشر معلومات غير موثوقة وممارسة أنشطة دعائية ضد النظام.
فقد كان لزيبا كلام العديد من التصريحات المثيرة للجدل، منها انتقاده للبرلمان الإيراني لدعم لطوفان الأقصى وحركة حماس بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ حيث كتب على حسابه الرسمي عبر منصة إكس 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024″ أن دعم الناس العاديين لهجمات حماس مسألة، والدعم الصريح والعلني من قبل المسؤولين الرسميين في إيران، بما في ذلك البرلمان، مسألة مختلفة تماما، ليت مسؤولي النظام الذين أعلنوا عن هذا الدعم الرسمي لهذه الهجمات، يستطيعون أن يوضحوا للشعب كيف يمكن أن تعود هذه الهجمات بأي فائدة على المصالح الوطنية لإيران؟”.
كذلك، وخلال تصريحات علنية وكتابات صحفية، انتقد زيبا كلام النظام القضائي في إيران واعتبره أداة لقمع حرية التعبير، واصفا محاكماته المتعددة، التي أدين فيها بتهم مثل الدعاية ضد النظام ونشر معلومات غير دقيقة، بأنها محاولات لإسكات الأصوات المعارضة.
كذلك فقد دافع زيبا كلام عن أهمية إعادة النظر في الأسس التي قامت عليها الثورة في إيران عام 1979، مشيرا في مناسبات متعددة إلى أن الشعارات الكبرى التي رفعتها الثورة لم تحقق أهدافها، داعيا إلى فصل الدين عن السياسة كوسيلة لتحقيق التقدم الديمقراطي والاقتصادي، هذه الدعوات قوبلت بانتقادات لاذعة من التيارات المحافظة، التي رأت فيها انحرافا عن المبادئ الثورية.
كذلك، فكان لزيبا كلام خلاف كبير مع التيار الأصولي، حيث قال خلال إحدى مقابلاته في 1 يناير/كانون الثاني 2025، ردا على الرأي القائل بأن اختيار شخصيات مثل رئيسي وأحمدي نجاد وسعيد جليلي لرئاسة الجمهورية، سيسرع سقوط النظام، قائلا: “لقد كان هناك تجارب سابقة بوجود أشخاص كهؤلاء، والنظام لم يسقط بوجودهم، بل إن وجودهم جعل الشعب أكثر بؤسا”.
وأكمل زيبا كلام خلال نفس المقابلة: “أقسم لك، لو أصبح جليلي رئيسا للجمهورية، لكان طبق قانون الحجاب بشكل صارم، ولكان وضع مراقبا للحجاب عند كل عمود إنارة”.
جدير بالذكر أن زيبا كلام لديه ثلاث قضايا أدين فيها وحكم عليه بالسجن فيها، وهو حاليا خارج السجن بتصريح طبي، فبموجب حكم صادر عن المحكمة، أُدين زيبا كلام بالحبس لمدة 18 شهرا ومنع من المشاركة في الأحزاب والمجموعات السياسية أو النشاط في الفضاء الافتراضي لمدة عامين، وذلك بسبب تورطه في أنشطة دعائية ضد النظام.
أما قضيته الثانية فتتعلق بنشاط دعائي ضد النظام الإيراني وذلك لنشره معلومات غير موثوقة وغير واقعية، وحكم عليه بالسجن لمدة عام واحد في هذه القضية.
أما القضية الثالثة، فتتعلق بنشر معلومات غير حقيقية، حيث صدر حكم بسجنه لمدة 6 أشهر، وبعد الاستئناف، تم تأكيد هذا الحكم من قبل المحكمة العليا، وفي 12 مايو/أيار 2024، وبعد تأكيد الأحكام الصادرة بحقه، دخل زيبا كلام السجن، ولكنه بعدها حصل على إفراج علاجي بسبب حالته الصحية، وفقاً لتقرير الطب الشرعي.