كتب: محمد بركات
مع استمرار العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الأوروبية وأمريكا على إيران، خصوصا على قطاع النفط، الذي يعد إحدى أهم نقاط القوة في الاقتصاد الإيراني، تسعى إيران لإيجاد آليات وسبل للالتفاف على العقوبات ومحاولة بيع نفطها لدول العالم، آليات تتمثل في تخفيض سعر البرميل عن السعر العالمي وبيع النفط لمصافي النفط المستقلة والبيع لطرف ثالث. فيما تعتمد إيران على الصين باعتبارها المستورد الأول لنفطها. تلك الآليات وذلك الاعتماد على العملاق الصيني، دفعت حجت الله ميرزايي، رئيس مركز البحوث في الغرفة التجارة الإيرانية، إلى أن يحذّر من خطر الوقوع في الفخ الصيني.
حيث صرح ميرزابي خلال اجتماع عقد الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني؛ لمناقشة ميزانية عام 2025 في جمعية كوي أرم، قائلا: “نحن الآن نبيع ما يقارب من 92% من نفطنا إلى الصين، بينما كنا في الماضي نتمتع على الأقل بسلة متنوعة تضم 10 عملاء، مع سقف تصدير يتجاوز مليوني برميل يوميا. الـ92% التي تذهب إلى الصين تُباع بنحو 30% خصم، أي ما يعادل 90 مليون دولار، مع تكاليف إضافية أخرى، أما بشأن طريقة استلام الجزء الآخر من العائدات، فنحن لسنا من يحددها، بل الصين هي التي تقول لنا، فعلى سبيل المثال تأمرنا الصين بأن نأخذ حافلات كهربائية بهذا المبلغ الذي أقرره، ثم تأتي بلدية طهران بفخر وتعلن: لقد وفرنا لكم حافلات كهربائية”، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع بهار الإخباري بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وقد أرجع ميرزابي هذا الوضع إلى ضغط العقوبات الاقتصادية، حيث قال: “لقد وضعتنا هذه العقوبات في فخ استعماري يشبه القرن التاسع عشر، حيث لم يعد أمام الحكومة خيار سوى قبوله، ما يجبرها على إدارة الاقتصاد بتكلفة أعلى بكثير من المعتاد. لو كانت للحكومة حرية أكبر، ولو كانت منظمة التخطيط هي من وضعت مثل هذه الميزانية، لكانت طبيعة نقدنا لها مختلفة تماما”.
في الوقت نفسه صرح محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، في جلسة البرلمان التي عقدت الثلاثاء 26 نوفمبر/تشرين الثاني، في إشارة صريحة إلى أزمة اختلال التوازن في قطاع الطاقة وتأثيرها على دور إيران في الساحة الدولية، قائلا: “كنا نقول في الماضي عندما كان الأعداء يهددوننا، إننا سنغلق نفطنا أمامكم، ولكن اليوم، أي نفط سنغلق؟ وأي سوق لدينا لبيع النفط؟”، وذلك وفق ما أفاد به تقرير اقتصاد 24 بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وكان حميد حسيني، رئيس اتحاد مصدّري القار والمشتقات النفطية، قد أكد سابقا مسألة وجود تخفيضات نفطية للصين، حيث صرح بأن “إيران مضطرة إلى منح عملائها تخفيضات على النفط، فعلى ما يبدو، العقوبات الأمريكية صارمة للغاية لدرجة أن الدول لا ترغب في تحمل أخطار التجارة مع إيران”، وذلك وفق تقرير موقع خبر أونلاين بتاريخ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ويضيف حسيني: “هذه التخفيضات ليست موجهة للصين فقط، بل تُمنح لجميع المشترين. حاليا، دول أخرى مثل فنزويلا، ونيجيريا، وليبيا تبيع نفطها أيضا بأسعار مخفضة. وبالتالي، تجد إيران نفسها مضطرة إلى بيع نفطها بتخفيضات كبيرة؛ للحفاظ على عدد قليل من العملاء، أهمهم الصين”.
آليات بيع إيران نفطها إلى الصين وما الدوافع؟
اعتمدت إيران على عدة آليات لكي تتمكن من بيع نفطها إلى الصين، فالآلية الأولى هو اعتماد الحكومة الإيرانية على تخفيض سعر النفط بالنسبة للسوق العالمي، وبهذا الشأن فقد بلغ الفارق السعري للنفط الإيراني الخفيف للعام 2019 أقل من 4 دولارات للبرميل مقارنة بمؤشر برنت العالمي، وبلغت نسبة التخفيض في البرميل الواحد ما بين 5 و6 دولارات خلال العام 2023، وذلك وفقا لما جاء في تقرير موقع شبكه شرق بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني.
ورغم أن تلك السياسة قد تغيرت مؤخرا، حيث بدأت نسبة التخفيض الإيراني تقل شيئا فشيئا حتى وصلت إلى أقل مستوياتها، لتصل نسبة التخفيض لكل برميل من النفط الإيراني نحو 3.8 دولارات في أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري والتي من المتوقع أن تكون أقل من 3 دولارات بحلول 2025، فإن تلك التخفيضات كلفت الحكومة الإيرانية خسارة كبيرة مقارنة بالبيع بالسعر العادل، هذا بخلاف مصاريف الشحن والتفريغ والمصاريف الأخرى التي تتحملها إيران.
أما الآلية الثانية فقد تمثلت في اتخاذ تدابير أكثر حرصا لإتمام صفقات بيع النفط، حيث تتم تلك العملية عبر تبادلات معينة تسمح لطرفي الصفقة بالتحايل على العقوبات الأمريكية، وتعتمد هذه الآلية على وجود وسطاء تجاريين وشركات وسيطة تعمل على إعادة تصدير النفط الإيراني بعد تغيير مصدره الوارد في الوثائق الرسمية ليظهر كأنه قادم من دول أخرى مثل ماليزيا أو عُمان، مما يجعل تتبع المصدر الأصلي أصعب على الهيئات الرقابية الدولية، فغالبا ما يُعاد تسمية النفط المستورد من إيران باسم النفط الماليزي، ويتم بيعه بخصم للمصافي الصغيرة المستقلة الصينية المعروفة باسم تيبات (المصافي المستقلة)، في حين تتجنب المصافي الكبيرة الحكومية في الصين شراء النفط الإيراني، لكن المصافي المستقلة تعتبر أكثر استغلالا للفرص وأقل عرضة للتهديدات من النظام المالي الأمريكي، وذلك وفقا لتقرير صحيفة همشهري أونلاين الصادر في 26 أبريل/نيسان 2024.
وبالنسبة لأماكن شحن وتفريغ النفط، فلطالما كانت المياه الماليزية نقطة تحويل للنفط ومنتجاته بين ناقلات النفط العالمية، مما يتيح استخدام هذه الطريقة كغطاء جيد المصدر الأصلي للنفط، فبتلك الطريقة استطاعت الصين استيراد أكبر كمية من النفط الخام من ماليزيا، حيث وصلت إلى 6.21 ملايين طن، أي ما يعادل 1.47 مليون برميل يوميا، على الرغم من أن الصين لم تشتر النفط الإيراني رسميا منذ يونيو/حزيران 2022.
أما عن آلية الدفع، التي تحددها الصين، فهناك عدة طرق لفعل ذلك وتتمثل في مقايضة النفط بالسلع والاستثمار، واستخدام شبكة من البنوك ومكاتب الصرافة الإقليمية، واستخدام القنوات المالية المنفصلة كالحسابات البنكية غير الرسمية، أو الدفع بالعملات المحلية وتجنب الدفع بالدولار، وذلك وفق ما ذكره تقرير موقع ميز نفت في تقريره الصادر في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
أما عن أسباب تلك التخفيضات وآليات الالتفاف، فترجع بالأساس إلى العقوبات الاقتصادية الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الغربية، مما يقلل من قدرة إيران على بيع نفطها في الأسواق العالمية بحرية. هذه العقوبات تجعل العديد من الدول والشركات الكبرى مترددة في التعامل مع النفط الإيراني؛ خوفا من العواقب الاقتصادية والقانونية. لذلك، تجد إيران نفسها مضطرة إلى تقديم خصومات كبيرة لجذب عدد قليل من المشترين المستعدين لتحمُّل مخاطر العقوبات، مثل الصين. إضافة إلى ذلك، فالصين تُعد أحد أهم عملاء النفط الإيراني، وبسبب علاقتها الاستراتيجية مع إيران، تستفيد من هذه الخصومات لتعزيز وارداتها النفطية بأسعار تفضيلية، ما يساعد إيران على تجاوز جزء من آثار العقوبات والحفاظ على تدفق النقد الأجنبي والحفاظ أيضا على شريك استراتيجي مهم وحيوي على الساحة الدولية، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع فراز ديلي الصادر في 22 أبريل/نيسان 2024.
وتأمل إدارة بزشكيان في الفترة القادمة، أن ترفع العقوبات الاقتصادية عن إيران ومجالها النفطي لكي تستطيع زيادة حجم عملائها وسوقها الدولي. فخطوات كالمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي المزمع عقدها اليوم الجمعة 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وتصريحات علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، الرامية إلى إمكانية الجلوس على طاولة المفاوضات مع أمريكا بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كلها خطوات على هذا المسار.