كتبت: شيماء جلهوم
المشهد الأول.. الزمان 12 أكتوبر 61 هجريا / المكان: أرض الطف/ كربلاء
“ألا من ناصِر ينصرنا.. ألا من مغيث يغيثنا”.. وقف الحسين وحيدا بعد مقتل كافة جنوده، لا أحد يستغيث به فيغيثه، ولا أحد يستنصره فينصره، وحيدا، كما كتبه عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته “الحسين شهيدا”، فقال على لسانه: “فلتذكروني حين يختلط المزيف بالشريف.. فلتذكروني حين تشتبه الحقيقة بالخيال.. وإذا غدا جُبن الخنوع علامة الرجل الحصيف.. وإذا غدا البهتان والتزييف والكذب المجلجل هن آيات النجاح” .

المشهد الثاني.. الزمان 9 أكتوبر 1967/ المكان: بوليفيا
بعد إصابته مرتين بإصابات قاتلة في موقعة قتله، وأصبحت بندقيته عديمة الفائدة، ألقاها على قاتليه وهتف فيهم: “لا تطلقوا النار.. لا تطلقوا النار.. أنا تشي جيفارا وأساوي حيا أكثر من ميت”. قتلت الخيانة جيفارا قبل إعدامه على يد ضباط بوليفيا التي كان يقود ثورتها، وسأله قاتله قبيل إعدامه: “هل تفكر في الخلود.. أجابه: لا.. أنا أفكر في خلود الثورة”، جيفارا مات وبقي اسمه وصورته وجها لكل ثورة وكل حر.

المشهد الثالث.. الزمان 17 أكتوبر 2024/ المكان: رفح الفلسطينية
ملثما بكوفية قضيته، جلس يحيى السنوار على كرسي، يواجه الدرونز الإسرائيلية بيد واحدة وعصا يلقيها كمقاومة أخيرة قبل الغياب، لا أحد حوله يغيثه، ولا أحد ينصره، وعدو يترصد خطواته وأنفاسه لا يريده حيا، يريد صورته ميتا يفاخر بها العالم بأنه قد قتل اليوم من ليس له سميا، في ذات الشهر الذي ولد فيه وحارب فيه، كانت له النهاية التي لطالما تمناها، ليس مريضا ولا مختبئا ولا فطيسا.. رحيل مقاوم حتى النهاية.
“هذه ليست قصتي الشخصية، ولا قصة شخص بعينه، رغم أن كل أحداثها حقيقية، كل حدث منها أو كل مجموعة أحداث تخص هذا الفلسطيني أو ذاك، الخيال في هذا العمل فقط في تحويله إلى رواية تدور حول أشخاص محددين، ليتحقق لها شكل العمل الروائي وشروطه، وكل ما سوى ذلك حقيقي، عشته وكثير منه سمعته من أفراد ممن عاشوه، هم وأهلهم وجيرانهم على مدار عقود على أرض فلسطين الحبيبة”. الإهداء الذي خطه يحيى السنوار في مقدمة روايته، التي يحكي بها قصة ثمانية عقود من الاحتلال والمهانة، قصة فلسطين كاملة، ليست غزة ولا الضفة ولا عرب 48، كل فلسطين وجميع أهلها.

للسنوار حياة أخرى غير تلك التي يعرفها الجميع، نشأ فيها في مخيمات الصفيح على أطراف غزة بعد نكبة 48، قتل الأب والعم غدرا وهما يدافعان عن الأرض، فتولت أمه تنشئته وإخوته الستة، وأبناء عمه أيضا، امرأة وحيدة قررت أن تهب أسرتها لأبنائها كي يكبروا ويكملوا مسيرة أبيهم الذي قضى دفاعا عن أرضه وعرضه.
تعلم السنوار بمدارس الأونروا، في مخيم خان يونس، ثم أكمل دراسته في الجامعة الإسلامية ونال شهادة بكالوريوس الدراسات العربية.
زواجه
لم تجمعه قصة حب مع زوجته السيدة سمر محمد أبو زمر، فالرجل الذي قضى 23 عاما من شبابه في سجون الاحتلال، لم يجد وقتا للحب، فتولت شقيقاته مهمة البحث عن عروس لشقيقهم العائد من الأسر بصفقة مبادلة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بألف من الأسرى الفلسطينيين وعلى رأسهم السنوار.
تنحدر سمر أبو زمر من قبيلة صالحة، وهي من أكبر قبائل فلسطين، وعُقد قرانها على أبو إبراهيم في العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بعد أن تولت شقيقاته خطبتها من رحلته معهم إلى الحج في نفس العام.
ولد وحيد أم أكثر
حرص السنوار طيلة حياته على إبقاء حياته الشخصية بعيدا عن الإعلام، لا أحد يعرف عدد أولاده، ولا أسماءهم وصورهم، صورة واحدة له مع ولده إبراهيم رضيعا، يظهر فيها حاملا طفله، ربما هذا هو ما دفع حساب زائف حمل اسم إبراهيم يحيى السنوار، إلى أن ينسب نفسه للبطل المغدور، فكتب على صفحته بعد ساعة من إذاعة الخبر من قبل الجيش الإسرائيلي “أبي بخير”، ثم أغلق التعليقات على المنشور وكتب تعليقا تلاه: “سيخرج الملثم بعد ساعة من الآن ببيان يوضح الحقيقة”، وبرغم الأمل الذي شاب البعض في صحة ما زعمه الحساب المنسوب إلى ابن السنوار، فإنه بعد تأكد زيفه زادت التساؤلات عن مصير أبناء البطل الشهيد.