كتب: ربيع السعدني
اعتبر دونالد ترامب الجمعة، 28 مارس/آذار 2025، أن أمورا سيئة ستحدث لإيران إذا أخفقت في التوصل إلى اتفاق حول برنامجها النووي، وذلك غداة إعلان طهران أنها ردت رسميا على رسالة الرئيس الأمريكي التي دعا فيها إلى إجراء مفاوضات.
وقال الرئيس الأمريكي للصحفيين في المكتب البيضاوي: “أفضل إلى حد بعيد، أن نتوصل إلى حل مع إيران، ولكن إن لم نتوصل إلى حل، فان أمورا سيئة ستحدث لإيران”، وأكد رغبته في حل “التوترات” سلميا.
وأوضح ترامب، حسبما نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا“: “تفضيلي الرئيسي، ليس من موقع قوة أو ضعف، هو التوصل إلى اتفاق مع إيران، ولكن إذا لم يحدث هذا، فإن طهران ستواجه عواقب وخيمة للغاية”.
رد إيران على الرسالة
تأتي تلك التصريحات في حين أعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن طهران أرسلت ردا رسميا عبر سلطنة عمان على رسالة ترامب التي حثها فيها على إبرام اتفاق نووي جديد ودعا فيها طهران إلى مفاوضات حول برنامجها النووي، وأوضح عراقجي أن الرد تم إرساله عبر سلطنة عُمان، التي لعبت دور الوسيط، وتضمن شرحا لوجهة نظر إيران بشأن الوضع الحالي والرسالة الأمريكية.
وقال عراقجي لوكالة الأنباء الرسمية “إرنا”، إن سياسة طهران لا تزال تقوم على رفض التفاوض المباشر تحت “الضغوط القصوى” والتهديدات العسكرية، مشيرا إلى أن المفاوضات غير المباشرة يمكن أن تستمر كما حدث في السابق.
ثم جدد وزير الخارجية، الجمعة 28 مارس/ آذار 2025 التأكيد على عدم التفاوض تحت التهديد والوعيد، وكشف لأول مرة خلال تصريحات للصحافيين، على هامش إحياء “يوم القدس” أن رسالة ترامب حملت في بعض أجزائها تهديدات إلا أنه أكد أنه “لا يمكن التحدث مع الشعب الإيراني بلغة التهديد”.
ويعد الرد على رسالة ترامب هو أيضا أول رد إيراني على رسالة من رئيس الولايات المتحدة وفي وقت سابق، أرسل رؤساء أمريكيون مختلفون رسائل إلى إيران ظلت دون رد.
محتوى رسالة ترامب
تأتي هذه الخطوة بعد أن وجه ترامب، في 7 مارس/آذار 2025، رسالة إلى المرشد علي خامنئي، في أثناء مقابلة مع قناة فوكس بزنس، بحسب صحيفة “همشهري أونلاين”، عرض فيها التفاوض على اتفاق نووي جديد مع تحذيرات من “عواقب وخيمة” في حال الرفض، بما في ذلك مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق.
واعتبرت طهران الرسالة “أقرب إلى التهديد”، لكنها أبدت استعدادها لدراسة الفرص المحتملة مع التمسك بموقفها الرافض للضغوط الأمريكية، وأكدت إيران أنها لن تتفاوض نيابة عن قوى المقاومة الإقليمية ولن تقبل بشروط ترامب غير الواقعية؛ وأكدت طهران أن “أي تهديد سيقابل برد إيراني يشمل كافة المصالح الأمريكية في المنطقة”.
وكتب موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي، الخميس 27 مارس/آذار 2025، نقلا عن مصدر مطلع، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا“، أن سلطنة عمان أبلغت واشنطن أنها تلقت رد إيران على رسالة ترامب، وأضافت: “أن العمانيين أبلغوا الولايات المتحدة بالرسائل التي تلقوها من الإيرانيين وسيسلمون رسالة إيران إلى البيت الأبيض خلال الأيام المقبلة”.
سبب اختيار عُمان
في مقابلة مع وكالة تسنيم للأنباء، التابعة للحرس الثوري، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن سبب اختيار عُمان للرد على الولايات المتحدة هو: “لدينا تجربة جيدة مع عُمان، ونحن نثق بحسن نية سلطنة عمان، وهناك علاقات طيبة بين البلدين قائمة على التفاهم المتبادل”.
أما عن محتوى رسالة ترامب وتفاصيل الرد الإيراني على الولايات المتحدة، فقال عراقجي: “حتى الآن، كل ما نشره أي شخص وفي كل مكان بشأن محتوى الرسالة الأمريكية كان يعتمد في الغالب على الافتراضات والتكهنات، ومن المؤكد أن بعض التفاعلات تجري في سياق الدبلوماسية”.
وأضاف: “الأمريكيون كتبوا رسالة، وتمت مراجعتها ومناقشتها بشكل شامل في إيران، وتم تحليل أبعادها، وتم إعداد رد بناء عليها وإرساله إلى الجانب الأمريكي خلال الأيام القليلة الماضية”.
رسالة ترامب أقرب للتهديد
وأشار عراقجي إلى أن “رسالة الجانب الأمريكي تضمنت تهديدا، وتلقت ردا مناسبا لها، كما فتحت نافذة للدبلوماسية لم نغلقها ولن نغلق أي باب لها بالطبع، نشك في نوايا الطرف الآخر، وقد سمعنا منهم تصريحات متناقضة”.
وتابع: “كل هذا يجعلنا ننظر إلى كل طلب بعناية وتشكك، وننظر إلى كل نافذة تفتح للدبلوماسية بعين الريبة، وفي الوقت نفسه، إذا كانت هناك فرص، فسوف نستغلها”.
في هذه الأثناء، ذكرت مجلة نيوزويك أيضا أن مصادر مقربة من الحكومة الإماراتية قالت إن الرسالة أكدت “المفاوضات العاجلة” وهددت “بعواقب وخيمة” إذا تم رفض العرض.
ووفقا للمجلة الأمريكية رفض الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، التفاوض مع الولايات المتحدة تحت التهديد، وقال للرئيس دونالد ترامب: “افعل ما تريد”، بحسب وسائل إعلام رسمية إيرانية.
إيران ترفض الضغوط الأمريكية
وأوضح بزشكيان أن طهران لن تقبل بأي مطالب تفرضها واشنطن، ونقلت عنه وسائل إعلام رسمية قوله: “من غير المقبول بالنسبة لنا أن يصدروا (الولايات المتحدة) الأوامر ويوجهوا التهديدات، لن أتفاوض معكم حتى، افعلوا ما يحلو لكم”.
وأضاف أيضا: “إذا أُجريت المفاوضات بكرامة وقائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، فسنجلس ونتحاور”.
محتوى الرسالة
كان هناك كثير من التكهنات والتحليلات عبر منصة “X” حول محتوى رسالة ترامب إلى إيران في تلك الأيام نفسها.
ولكن في النهاية، زعم المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، في مقابلة نقلتها وكالة أنباء “خبر أونلاين” مع بودكاست “تاكر كارلسون”، في إشارة إلى رسالة ترامب لطهران: “لو كنا استخدمنا قوتنا المتنامية، لكان الأمر سيئا للغاية بالنسبة لهم، بالطبع هذا ليس تهديدا، أنا لا أطلق التهديدات، والرئيس لديه هذه السلطة”.
وفي هذا الوضع المأزوم، أضاف ويتكوف: “كان من الطبيعي أن تأتي إيران إلى ترامب وتقول: نريد حل القضية دبلوماسيا، لكنه فعل ذلك، إنه ليس ضعيفا، إنه رجل قوي، أقوى شخص رأيته في حياتي”، وأضاف بحسب تقرير لوكالة فرانس برس، أن ترامب مستعد لحل القضية حتى تتمكن إيران من العودة مرة أخرى إلى المجتمع الدولي، وتكون دولة عظيمة، وتتحرر من العقوبات، وتعزز اقتصادها”.
طريق مسقط أكثر مباشرة
هذا وقد لعبت سلطنة عمان دورا رئيسيا في الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران خلال إدارتي أوباما وبايدن. وبحسب موقع “أكسيوس“، عُقدت عدة جولات من المحادثات غير المباشرة بين مستشاري بايدن ومسؤولين إيرانيين في عُمان خلال يوم 17 مايو/أيار 2024، وركزت هذه المحادثات بشكل رئيسي على القضايا الإقليمية و”الرهائن”، لكنها لم تؤد إلى مفاوضات جدية بشأن البرنامج النووي.
وعن سبب إرسال إيران ردا إلى الولايات المتحدة نيابة عن عُمان، قال: “عُمان لعبت الدور نفسه في الماضي، لقد لعبوا هذا الدور الوسيط سواء في مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة أو في التفاعلات التي كانت قائمة في حكومة شهيد رئيسي على مدى السنوات القليلة الماضية”.
وبناء على ذلك، فإن إيران، من خلال إرسال رسالة الرد من ترامب عبر عُمان، ترسل رسالة، مفادها أن طريق مسقط يمكن أن يكون جزءا من عملية التفاوض. وفي الواقع، فإن اختيار طريق عمان لنقل الرسالة هو من جهة إشارة إلى جدية إيران في المفاوضات، ومن جهة أخرى فإن الأولوية هي لطريق مسقط.
حوار مباشر!
ويمكن أن نفهم أيضا من محتوى تصريحات المسؤولين المعنيين أن هذا الرد قد يكون بداية لمناقشات قد تؤدي في نهاية المطاف إلى حوار مباشر من خلال دراسة المواقف الأمريكية.
ويأتي التركيز الإيراني على “طريق مسقط” في وقت كان فيه تركيز طهران، قبل توقيع ترامب على المذكرة الرئاسية ضد إيران، على “القناة السويسرية”، التي كانت تشكل طريقا أكثر مباشرة وفورية لتبادل الرسائل بين إيران والولايات المتحدة.
لكن بعد إحياء حملة الضغوط القصوى، أثيرت مسألة الوساطة والوسطاء في المفاوضات، والتي قبلتها إيران أيضا.
وبذلك تكون إيران قد قتلت عصفورين بحجر واحد، بحسب وكالة أنباء “خبر أونلاين” عندما اختارت عُمان بذكاء لإرسال الرسالة؛ الأول هو أنه غيّر القناة حسب رغبته، والثاني هو أنه أوصل رسالة ذات معنى إلى الجانب الأمريكي: الحوار يجب أن يكون غير مباشر ومن موقع متساوٍ؛ بدون تهديدات أو ضغوط.
عقوبات ولكن..!
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعرب مرارا عن أمله في التوصل إلى اتفاق مع إيران خلال ولايته الثانية، زعم في 4 فبراير/شباط 2025، أنه مستعد للتحدث مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من خلال توقيع مذكرة لمواصلة سياسة الضغط الأقصى ضد طهران.
كما أكد أنه “تردد” في التوقيع على المذكرة، وقال: “هذا أمر صعب للغاية بالنسبة لإيران، آمل أن لا نضطر إلى استخدامه كثيرا، وعلينا أن نرى إذا كان بوسعنا التوصل إلى اتفاق مع إيران”.
ومن ناحية أخرى، أعاد ترامب إحياء حملة الضغط القصوى الفاشلة وفرض عقوبات على إيران في عدة مناسبات، في مؤشر على مضي الرئيس دونالد ترامب في سياسة “الضغط القصوى”، ومن ناحية أخرى، يثير مسألة المفاوضات، وزعم أنه يريد التفاوض مع إيران ويتحدث عن خيارات أخرى إلى جانب المفاوضات.
والمرشد يحذّر من صفعة شديدة
على الجانب الآخر أكد خامنئي خلال لقائه يوم الجمعة 21 مارس/آذار 2025 مع مختلف شرائح الشعب والمسؤولين بمناسبة عيد النيروز، أن القوة الروحية والشجاعة للشعب الإيراني تجلت في أحداث عام 2024 المريرة.
وحذر خامنئي: “على الأمريكيين أن يعلموا أنهم لن يصلوا إلى أي مكان بالتهديد عند مواجهة إيران، وإذا ارتكبوا أي عمل خبيث تجاه الشعب الإيراني، فسوف يتلقون صفعة شديدة”.