كتب: محمد بركات
ملفات كبيرة وميراث ثقيل، ربما كان هذا هو العنوان المناسب للأزمات التي تركتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لإدارة خلفه دونالد ترامب، فبين ملفات حروب الشرق الأوسط والحرب الروسية الأوكرانية، يأتي ملف إيران وبرنامجها النووي على رأس تلك الأزمات، أزمة ربما لم يرد بايدن زيادة تعقيدها بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، ولكن توصيات الإدارة الحالية بشأن إيران لا تنبئ بانفراجة قريبة.
فقد نشر موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي، الخميس 2 يناير/كانون الثاني 2025، تقريرا نقلا عن ثلاثة مصادر مطلعة، يفيد بأن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، قد قدم للرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، الذي تنتهي فترته الرئاسية قبل 20 يناير/كانون الثاني، خيارات لضربة محتملة من قبل الولايات المتحدة على المنشآت النووية الإيرانية إذا اتجهت إيران نحو تصنيع سلاح نووي قبل تسليم السلطة إلى الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، وذلك في اجتماع عُقد قبل عدة أسابيع وظل سريا حتى نشر “أكسيوس” الخبر.
وقد ذكرت المصادر التي تحدثت إلى “أكسيوس”، أن توجيه ضربة أمريكية للبرنامج النووي الإيراني خلال الفترة الانتقالية بين الإدارات يمثل مخاطرة كبيرة لرئيس تعهد بمنع إيران من تطوير سلاح نووي، لكنه قد يورّث نزاعا جديدا لخليفته، الأمر الذي منع بايدن من إعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ الضربة خلال الاجتماع، ولم يتخذ قرارا بذلك منذ ذلك الحين.
وحسب التقرير، فإن بايدن وفريقه للأمن القومي ناقشوا خلال الاجتماع الذي عُقد قبل شهر تقريبا، عدة خيارات وسيناريوهات، لكن الرئيس لم يتخذ قرارا نهائيا بشأن السيناريو الذي ستتبعه الإدارة مع إيران.
كذلك، فقد أفاد مسؤول أمريكي مطلع ،أن الاجتماع لم يكن مدفوعا بمعلومات استخباراتية جديدة أو يهدف إلى اتخاذ قرار حاسم من بايدن، بل كان جزءا من تخطيط استباقي للسيناريوهات المحتملة حول كيفية استجابة الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90% قبل 20 يناير/كانون الثاني 2025.
وأضاف المسؤول أنه لا توجد حاليا أية مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن عمل عسكري محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية، موضحا أن سوليفان لم يقدم أي توصية لبايدن بشأن القضية، بل اكتفى بمناقشة التخطيط للسيناريوهات.
وأكمل المسؤول خلال تصريحاته، أن بايدن خلال الاجتماع قد ركز على مسألة الضرورة المُلحة، متسائلا عما إذا كانت إيران قد اتخذت خطوات تبرر تنفيذ ضربة عسكرية كبيرة قبل أسابيع قليلة من تسلم رئيس جديد للمنصب.
يأتي ذلك في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى أن بعض كبار مساعدي بايدن داخليا صرحوا بأن الوضع الإيراني الحالي، من تسارع البرنامج النووي الإيراني وضعف إيران ووكلائها في الحرب مع إسرائيل، يمنح بايدن دافعا وفرصة لضرب إيران.
حيث يعتقد مساعدو بايدن، ومن ضمنهم سوليفان، أن تدهور الدفاعات الجوية الإيرانية وقدراتها الصاروخية، جنبا إلى جنب مع ضعف وكلائها الإقليميين بشكل كبير، قد يزيد من فرص نجاح الضربة ويقلل من مخاطر الرد الإيراني أو التصعيد الإقليمي.
جدير بالذكر أن بايدن قد حذر إسرائيل في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2024، من ضرب المنشآت التابعة للبرنامج النووي الإيراني، حيث وصلت التوترات بين البلدين إلى ذروتها هذا العام وسط الصراع مع حماس وحزب الله، والضربات المتبادلة بين الجانبين.
الموقف الإيراني.. بين النفي والتهديد
يأتي ذلك في الوقت الذي تنفي فيه إيران ومنذ فترة طويلة، سعيها لتطوير سلاح نووي، مؤكدةً أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط.
رغم ذلك، فقد تحدث العديد من المسؤولين الإيرانيين علنا عن احتمال تغيير العقيدة النووية لإيران في عدة حالات، حيث صرح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قائلا: “إذا استمر الغرب في التهديد بإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على طهران، فمن المحتمل أن يتجه النقاش النووي داخل إيران نحو امتلاك أسلحة نووية”.
وبالشأن نفسه، صرح أبو الفضل ظهره وند، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، خلال حديث له في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بأنه إذا كان من المقرر أن يحدث أي تغيير في العقيدة النووية لإيران، فسيتم ذلك على أعلى مستوى في المجلس الأعلى للأمن القومي، وليس حتى في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في المجلس.
تلك التصريحات وغيرها دفعت سوليفان إلى التساؤل خلال مؤتمر صحفي عقد بنيويورك في 18 ديسمبر/كانون الثاني 2024، حيث صرح: “يمكنكم ملاحظة التصريحات العلنية للمسؤولين الإيرانيين، والتي تغيرت في الأشهر الأخيرة بعد تعرضهم لضربات استراتيجية، مما يثير السؤال: هل علينا تغيير عقيدتنا في وقت ما؟”.
وأضاف أن “الضربات التي تلقتها إيران ووكلاؤها خلال العام الماضي، قد تدفع طهران نحو السعي لتطوير سلاح نووي، وهذا قد يولد خيارات لذلك الخصم قد تكون خطيرة للغاية، وهذا ما يجب أن نظل يقظين بشأنه ونحن نمضي قدما”.
وخلال لقاء مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية الإخبارية في ديسمبر/كانون الأول 2024، قال سوليفان إن إدارة بايدن أطلعت فريق الرئيس المنتخب ترامب على الوضع الاستخباراتي المتعلق ببرنامج إيران النووي.
وأضاف: “قد يختارون مسارا مختلفا، أو استراتيجية مختلفة، لكن أريد التأكد من أننا ننطلق من قاعدة مشتركة حول التهديد الذي يواجهنا من برنامج إيران النووي”.
جدير بالذكر أن إيران قد زادت من تخصيب اليورانيوم إلى مستوى نقاء وصل إلى 60%، وهو قريب من مستوى 90% اللازم لصنع سلاح نووي، والذي يمكن لإيران تحقيقه خلال أيام باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة، فوفقا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران تمتلك كمية كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة لصنع أربع قنابل نووية، لكنها ستحتاج إلى تطوير جهاز تفجير نووي أو رأس حربي.
الهجمات الأخيرة على المواقع النووية الإيرانية
كانت إسرائيل قد وجهت ضربة جوية لمنشآت طالقان 2 النووية بمجمع بارشين العسكري الإيراني السبت 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، دمرت خلالها معدات تعود إلى ما قبل إنهاء إيران برنامجها النووي العسكري عام 2003.
حيث ادعى عدد من المسؤولين في أمريكا وإسرائيل أن علماء إيرانيين قد أجروا أبحاثا مشبوهة خلال العام الماضي تتعلق بتصنيع الأسلحة النووية، وضمن ذلك النمذجة الحاسوبية وعلم المعادن، ويُعتقد أن الهدف منها تقليل الوقت اللازم لتطوير جهاز نووي إذا قررت القيادة الإيرانية ذلك.