ترجمة: علي زين العابدين برهام
في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المتوترة، قدم محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، الاثنين 3 فبراير/شباط 2025 وثيقة سياسية للأمن القومي الإيراني، تناول فيها كل ما يتعلق باستراتيجية إيران على المستويين الداخلي والخارجي.
نشرت صحيفة “هم ميهن“، الثلاثاء 4 فبراير/شباط 2025، النص الكامل للوثيقة، إذ ذكرت أنه في ظل تصاعد التوترات بمنطقة غرب آسيا في عام 2024، كان من الضروري أن تتولى إيران زمام المبادرة لضمان أمنها القومي.
وأضافت أن الوثيقة تمثل رؤية استراتيجية جديدة تجاه القضايا الداخلية والخارجية، مع مجموعة من الإجراءات العملية تشمل تعزيز القدرات الدفاعية، وتقوية الاقتصاد، وتحسين رأس المال الاجتماعي، وتنشيط الأنشطة الدبلوماسية. تعتمد الوثيقة على قراءة تاريخية شاملة لأحداث إيران على مدى أكثر من 200 عام، وتطرح سلوك إيران من خلال منطق حضاري وتاريخي. وفي ما يلي أهم ما جاء بها:
الفصل الأول: من 1804 إلى 1946
تتناول الوثيقة بداية القرن الـ19 وتبرز محطات هامة مثل الحروب الإيرانية الروسية التي انتهت بمعاهدة كلستان 1813 ومعاهدة تركمانجاي 1828، حيث فقدت إيران عدة أراض بما فيها جورجيا وداغستان وأجزاء من أذربيجان. وركزت هذه الفترة على التهديدات الخارجية التي واجهتها إيران، وما ترتب عليها من انهيار في بعض السياسات العسكرية والسياسية.
الفصل الثاني: من 1945 إلى 1970
في هذه الفترة، دخلت إيران مرحلة التبعية السياسية بسبب الخوف من الاتحاد السوفيتي. شهدت هذه الفترة تبعية اقتصادية واضحة للغرب، خاصة في ظل محاولات إيران لموازنة النفوذ السوفيتي عن طريق التحالف مع القوى الغربية، مما أدى إلى اعتماد كبير على المساعدات الاقتصادية من الدول الغربية.
الفصل الثالث: من 1970 إلى 1979.. اكتساب وتثبيت القوة في النظام الدولي
في السبعينيات، سعت إيران تحت حكم الشاه إلى إنهاء الإهانة التاريخية عبر توسيع قوتها العسكرية. أبرز مثال لذلك كان التدخل الإيراني في عمان عام 1973، حيث نجح الجيش الإيراني في منع الثوار اليساريين من السيطرة على مناطق هامة قرب مضيق هرمز. كانت هذه إحدى الخطوات التي سعت إيران من خلالها إلى استعادة مكانتها الإقليمية. أما في النزاع الإيراني العراقي في السبعينيات، فنجحت إيران في توقيع معاهدة الجزائر 1975 التي حددت الحدود بين البلدين، وهو انتصار عسكري في صراع تاريخي طويل.
الفصل الرابع: من 1979 إلى 2019.. تعزيز القوة في مواجهة النظام الدولي
أدت الحرب الإيرانية العراقية 1980-1988 إلى تعزيز مكانة إيران على الساحة الدولية، حيث تمكنت إيران لأول مرة منذ قرون من الحفاظ على أراضيها في مواجهة هجوم خارجي واسع. وفي هذه الفترة، كانت إيران تدافع عن نفسها ضد قوى كبرى، مما أظهر قدرتها على مقاومة الضغوط الدولية والحفاظ على سيادتها.
الفصل الخامس: من 2019 إلى 2024.. الوصول إلى التوازن
في هذه الفترة، أبرزت إيران قوتها في مواجهة التهديدات العسكرية من خلال عمليات رد فعل دبلوماسية وعسكرية ناجحة، حيث أسقطت إيران طائرة مسيرة أمريكية في بحر عمان 2019 دون أن تواجه ردا عسكريا. كما قامت بردٍّ عسكري على اغتيال قاسم سليماني في 2020 عبر ضرب قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق. في 2024، ردت على الهجوم الإسرائيلي في سوريا بعمل عسكري مباشر على إسرائيل، مما عزز مكانتها في المنطقة.
إيران: 220 عاما من المطالبات الأمنية
تستعرض الوثيقة تاريخا طويلا من المطالبات الأمنية التي واجهت إيران، حيث عانت من هزائم عسكرية وفقدان للأراضي لمدة قرون قبل أن تبدأ في عام 1979، خطا جادا نحو تثبيت أمنها. هذه الفترة تميزت بحالة من الاستقلال العسكري والسياسي من خلال تركيزها على بناء قدرات دفاعية قوية.
تحويل الإنجاز الأمني إلى إنجازات أخرى
تعتبر الوثيقة أن الوصول إلى حالة “الدولة القادرة على تأمين أمنها المستقل” يعد إنجازا كبيرًدا، لكنها تشير إلى ضرورة تحويل هذا الإنجاز إلى مكاسب أخرى تشمل:
- الإنجاز السياسي: تعزيز شرعية النظام السياسي واستقراره، وتطوير هيكل سياسي مناسب لتحقيق الاستقرار الداخلي وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة.
- الإنجاز الاقتصادي: تأمين التمويل اللازم لدعم الاقتصاد المحلي من خلال تعزيز البنية التحتية وتعزيز رضا المواطنين.
- الإنجاز التكنولوجي: تطوير تقنيات محلية أساسية لتمكين إيران من التفاعل بشكل أفضل مع التقدم العالمي في مختلف المجالات.
- الإنجاز الاجتماعي: تعزيز الفخر الوطني والوحدة الاجتماعية بما يعزز الانسجام بين جميع فئات الشعب الإيراني.
- الاستدامة البيئية: معالجة القضايا البيئية مثل نقص المياه وتدهور الأراضي لتحسين الحياة في البلاد.
إيران في النظام العالمي للقوى
تعتبر الوثيقة أن قدرة إيران على الدفاع عن نفسها في النظام العالمي للقوى تعتبر واحدة من أبرز مؤشرات مكانتها. ورغم ضعف الاقتصاد الإيراني، فإن قوتها العسكرية ساعدتها في تحقيق تأثير إقليمي ودولي كبير، مثلما كان الحال مع دول أخرى مثل الصين والاتحاد السوفيتي السابق في فترات تاريخية معينة.
إيران في النظام الاقتصادي العالمي
من جهة أخرى، تراجعت مكانة إيران في النظام الاقتصادي العالمي بسبب عدة عوامل تشمل العقوبات الاقتصادية التي منعتها من الوصول إلى العملات العالمية والتكنولوجيا المتقدمة، وضعف قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية. على الرغم من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، فإن إيران فقدت القدرة على الاستفادة بشكل كامل من ممراتها التجارية والشبكات الدولية للنقل.
متطلبات تقارب المكانة في النظامين العالميين
تحتاج إيران إلى تقارب مكانتها في النظام الاقتصادي العالمي مع قوتها العسكرية في النظام الدولي للقوى. هذا يتطلب تنسيق السياسات الداخلية وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي. يجب أن تتوقف إيران عن الانقسام الداخلي بين النخب، مما يضعف قدرتها على اتخاذ القرارات الاستراتيجية السليمة. يجب معالجة هذه التوترات لتحقيق توافق حول استراتيجيات الدولة، سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
العمل على تقليص التوترات الداخلية
الوثيقة تؤكد أهمية تقليص التوترات الاجتماعية والثقافية في إيران، حيث تسلط الضوء على الفجوات الاجتماعية الموجودة بين فئات الشعب، مثل التفاوت الاقتصادي، وتفاوت الفرص بين المناطق الحدودية والمناطق المركزية، والفجوات بين الجنسين. توصي الوثيقة بمعالجة هذه الفجوات بشكل بناء لتحسين التماسك الاجتماعي، وضمان استقرار المجتمع.
إعادة بناء قدرة الدولة
لتحقيق التقدم وتنفيذ الأهداف الاستراتيجية، تحتاج إيران إلى دولة قوية ذات قدرة عالية على اتخاذ قرارات فعالة ومرنة. توصي الوثيقة بتطوير سياسات تسمح بإعادة بناء قدرة الدولة من خلال تعزيز الكفاءات البشرية، وتحقيق إجماع داخلي حول القضايا الاستراتيجية، وتحقيق التكامل بين قطاعات الحكومة.
تعزيز الأمن الداخلي باستخدام أدوات غير أمنية
توصي الوثيقة بتحويل التركيز من استخدام الأدوات العسكرية والأمنية إلى الحلول الاجتماعية والاقتصادية لتعزيز الأمن الداخلي. تعتبر الوثيقة أن التماسك الاجتماعي ضروري لتحقيق الأمن المستدام في إيران. تعزز هذه الفكرة من ضرورة استخدام استراتيجيات شاملة ترتكز على الحلول الاجتماعية والاقتصادية لتقوية أواصر المجتمع الإيراني.
تعزيز مشروعية الإعلام الداخلي
من أجل مواجهة تأثير الإعلام الخارجي على الرأي العام، توصي الوثيقة بتحسين مشروعية الإعلام المحلي، لاسيما الإعلام الرسمي الإيراني مثل التلفزيون والإذاعة. يجب على إيران تعزيز استقلالية الإعلام المحلي ليتمكن من نقل وجهة نظرها بشكل مستقل وفعّال.
التحديات المستقبلية:
التحديات التي تواجه إيران تكمن في ضرورة تعزيز قدراتها في مجالات متعددة، بما في ذلك تعزيز اقتصادها، تحسين القدرة على التعاون مع الدول الأخرى، وإيجاد حلول للتوترات الداخلية. تحتاج إيران إلى تعزيز الحوار الداخلي بين النخب السياسية والمجتمع، مع التركيز على تحقيق الاستقرار الداخلي كشرط مسبق لتحقيق الأمن القومي المستدام.
خاتمة:
الوثيقة تقدم رؤية استراتيجية متعددة الأبعاد لتحقق الأمن القومي الإيراني في عالم معقد. تتطلب هذه الاستراتيجية التكيف مع التحولات العالمية والمحلية، وتوفير حلول شاملة ومتعددة الأبعاد تجمع بين القوة العسكرية، والسياسة الخارجية، والتنمية الاقتصادية، والتماسك الاجتماعي.