كتب: محمد بركات
في عامه المئة وتحديداً الأحد 29 ديسمبر/كانون الأول 2024، توفي جيمي كارتر، الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، ورغم مرور عقود على فترة حكمه، فإن كارتر يظل شخصية مثيرة للجدل، حيث ارتبط اسمه بعدد من الأحداث المهمة، أبرزها الثورة الإيرانية التي أطاحت بشاه إيران محمد رضا بهلوي في ديسمبر/كانون الأول 1979، الحليف المقرب للولايات المتحدة، والتي كانت نقطة فارقة في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة.
وبعد إعلان وفاته، برزت ردود فعل مختلفة من الصحف الإيرانية التي تناولت حياته ومسيرته السياسية. فبينما أشار بعضها إلى فترة حكمه كمرحلة مليئة بالصراعات التي أضرّت بالعلاقات بين البلدين، تساءل آخرون عن إرثه وكيفية تقييم فترته الرئاسية في ضوء الأحداث التي أعقبت الثورة الإيرانية.
مؤسس العقوبات ضد إيران
بهذا الشأن، تناولت صحيفة سازندكي في عددها بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول خبر وفاة كارتر، مشيرة إلى إخفاقاته السياسية في الداخل ومع إيران، حيث ذكرت الصحيفة في تقريرها: “توفي جيمي كارتر عن عمر يناهز 100 عام، وقد اشتهر بكونه أول رئيس أمريكي أسس نظام العقوبات ضد إيران، مما أدى إلى تأثيرات سلبية على حياة الشعب الإيراني”.
ويتابع التقرير: “فعلى الرغم من سمعته كإنسان طيب بين الأمريكيين، فإن الفرق بين كونه إنساناً جيداً ورئيساً جيداً واضح للغاية، ففشله في انتخابات 1980 يعود جزئياً إلى تعامله مع أزمة الرهائن الإيرانيين، والتي أضرت بصورته السياسية، فبالرغم من إرسال حاملات طائرات أمريكية إلى الخليج آنذاك، فإنه لم يتم اتخاذ أية إجراءات عسكرية، بل اكتفت الإدارة بمصادرة 13 مليار دولار من أموال إيران كتعويض للرهائن الذين تلقوا مبالغ كبيرة آنذاك”.
ويكمل التقرير: “كما أن عملية مخلب النسر التي أطلقت لتحرير الرهائن في صحراء طبس باءت بالفشل، ما أضر بسمعته بشكل كبير، فضلاً عن ذلك، فقد أخطأت إدارته في فهم الديناميكيات السياسية والاجتماعية الإيرانية بعد الثورة، وظنت أن النظام الجديد سيتجنب الشيوعية، متجاهلة التغيرات الجوهرية في البلاد”.
ويختتم التقرير: “لقد كان كارتر صاحب توجهات دينية قوية لم تحظَ بقبول النخب الأمريكية، مما أضعف موقفه داخل حزبه الديمقراطي. وبعد خروجه من الرئاسة، ركز على الأنشطة الخيرية والخدمات الاجتماعية، ولم يكن له أي تأثير على الساحة السياسية حتى وفاته”.
مئة عام من العزلة
كذلك، فقد وصفت صحيفة هم ميهن في تقريرها الصادر 31 ديسمبر/كانون الأول 2024 محاولة كارتر المواءمة بين الواقع والمثالية التي كان يعتنقها بالفاشلة، حيث ذكرت: “كان كارتر رئيساً لأقوى دولة في العالم، لكنه غرق في أحلامه وشعاراته المثالية، فقد ركّز على قضايا مثل السلام وحقوق الإنسان، محاولاً انتزاع هذه القيم من احتكار اليسار الثوري في السبعينيات. ومع شعاراته عن الحرية والديمقراطية، ضغط حتى على حلفاء أمريكا مثل شاه إيران، مما أضعف دعمه وسط الواقع السياسي العالمي وجعل تجربته تبوء بالفشل”.
وتكمل الصحيفة: “كان كارتر عالقاً في معضلة بين القيم المثالية والواقع الصارم، فقد حاول موازنة دعمه لحلفاء أمريكا، كالنظام الإيراني البهلوي، مع التزامه بحقوق الإنسان. لكن بدلاً من ذلك، فقد فتح المجال السياسي وأطلق طاقات اجتماعية معادية أطاحت بالشاه وكارتر معاً، لتبدأ موجة من العداء لأمريكا استمرت لعقود”.
وتختم الصحيفة تقريرها: “كان كارتر مثالياً في عالم قاسٍ، وبينما أراد تحقيق السلام وحقوق الإنسان، أظهر الواقع أن القوة والسلطة تتطلبان تنازلات لا يمكن للمثاليين تحملها، وقد فنت حياته الطويلة في مواجهة مرارة الفشل، حتى انتهت بوفاته بعد مئة عام من العزلة”.
موت الخاسر الكبير
هذا وقد تطرقت صحيفة همشهري إلى تاريخ كارتر ودوره في الملف الإيراني في عددها الصادر في التاريخ نفسه، حيث كتبت: “توفي جيمي كارتر، الرئيس الـ39 للولايات المتحدة، مساء الأحد، وارتبط اسمه بإيران بشكل كبير، فمن جهة، كان كارتر مؤسس السياسات العدائية تجاه إيران على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن جهة أخرى، شهدت فترته الرئاسية كسر الهيمنة العالمية لأمريكا من قِبل إيران، وهو ما ظل وصمة على جبينه حتى آخر أيامه”.
وتردف الصحيفة: “في عامه المئة، رحل كارتر في نفس اليوم الذي أشاد فيه قبل 47 عاماً بإيران، واصفاً إياها بجزيرة الاستقرار في أكثر مناطق العالم اضطراباً، وهو وصف مبالغ فيه للنظام البهلوي، الذي انهار بعد عام من ذلك التصريح، تاركاً إيران خارج دائرة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط”.
ويضيف التقرير: “كان ملف إيران محوراً رئيسياً في فترة رئاسته، والتي شهدت قرارات مثل فرض العقوبات لأول مرة بعد أزمة السفارة الأمريكية عام 1979 والتي استمرت 444 يوماً متواصلة، بما في ذلك تجميد الأصول الإيرانية ومنع استيراد النفط. كما دعم الحركات المناهضة للثورة وخططاً لانقلاب نوجه، وهي محاولة انقلابية فاشلة من قبل بعض ضباط قوات المشاة والبحرية والجيش والمخابرات في يوليو/تموز من العام 1980، وسميت بهذا الاسم؛ لأن مركز عمليتها كان في مطار نوجه العسكري، والتي فشلت بفضل يقظة الأمن الإيراني”.
ويكمل: “كذلك، فقد سعى كارتر لتحجيم إيران عسكرياً من خلال عمليات مثل مخلب النسر لتحرير الرهائن الأمريكيين، التي انتهت بفشل ذريع في صحراء طبس عام 1980. كذلك، شجع صدام حسين على غزو إيران، وهو ما أثبت لاحقاً كونه خطأ استراتيجياً فادحاً”.
الرئيس الأمريكي الذي ارتبط اسمه بالثورة
وحول علاقته بإيران والثورة، كتبت صحيفة ابتكار: “يعتبر جيمي كارتر اسماً بارزاً في التاريخ السياسي الإيراني، فقبل 47 عاماً، وفي الأيام ذاتها تقريباً، كان كارتر يحتفل بالعام الميلادي الجديد مع محمد رضا شاه، حيث تحدثا عن الاستقرار في إيران والمنطقة، وكان كارتر قد زار إيران بصحبة زوجته، ولم يخطر بباله أن النظام الملكي بقيادة محمد رضا بهلوي لن يكون موجوداً بعد عام واحد فقط. ففي اليوم نفسه من العام التالي، غادر الشاه إيران، وبدأ انهيار حكم أسرة بهلوي”.
وحول بداية فترته ذكرت الصحيفة: “أصبح جيمي كارتر رئيساً للولايات المتحدة عام 1976، وكان يتبنى سياسات معتدلة وركّز في حملاته الانتخابية على جعل حقوق الإنسان محوراً أساسياً لحكومته، لكنه لم يكن يدرك أن القدر سيربط مصيره السياسي بشكل كبير بإيران، فبعد الثورة الإيرانية، وبسبب التدخلات الأمريكية في عهد الشاه، أُطلق على الولايات المتحدة لقب الشيطان الأكبر”.
ويكمل التقرير: “بدأت قصة الثورة وجيمي كارتر من هذه النقطة. فكارتر، الذي منع الشاه من دخول الولايات المتحدة لفترة، اضطر في النهاية إلى السماح له بالدخول لتلقي العلاج، وقد أدى ذلك إلى تصعيد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، مما دفع كارتر إلى مواجهة واحدة من أكثر الفترات توتراً في فترة رئاسته، وكردّ على استقبال أمريكا للشاه، قام مجموعة من الشباب الإيراني باقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز الدبلوماسيين كرهائن”.
ويضيف التقرير: “وجد كارتر، الذي كان يعاني بالفعل من أزمة استضافة الشاه، نفسه أمام أزمة جديدة أكثر تعقيداً، وقد حاول حل الأزمة عبر السبل الدبلوماسية، لكنه فشل في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الإيرانية. ونتيجة لذلك، خطط لعملية عسكرية لتحرير الرهائن. لكن هذه العملية، والتي أُطلق عليها عملية طبس، فشلت بسبب عاصفة صحراوية، مما شكّل كارثة سياسية كبيرة له في الداخل الأمريكي. استمرت أزمة الرهائن 444 يوماً”.
ويختم التقرير: “إن الأحداث التي وقعت في السنة الأخيرة من فترة رئاسة كارتر، بما في ذلك أزمة الرهائن، أدت إلى تراجع شعبيته بشكل كبير، مما ساهم في خسارته الانتخابات الرئاسية عام 1980 أمام رونالد ريغان، وافقت الجمهورية الإيرانية على إطلاق سراح الرهائن بعد وفاة محمد رضا شاه ووفقاً لاتفاقية الجزائر، لكن إيران أجلت إطلاق سراحهم حتى يوم تنصيب ريغان، كنوع من الاستفزاز ولإلحاق المزيد من الضرر بشعبية كارتر، وانتهى ملف كارتر وإيران رسمياً في عام 1980”.
نظرة في حياة الديمقراطي الخاسر
وحول الفشل الذي مُني به كارتر خلال فترته الرئاسية، كتب صحيفة وطن امروز: “توفي جيمي كارتر، الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، في نهاية المطاف عن عمر يناهز 100 عام، وقد كانت آخر صورة تم التقاطها له أثناء التصويت في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، وهو على سرير المستشفى في حالة صحية سيئة في سنّه المئة. تلك المشاركة التي لم تكن نتيجتها مرضية له، حيث أدى ذلك إلى فوز كامالا هاريس، ليتكرر الوضع الذي مر به قبل عدة عقود، والذي أنهى مسيرته السياسية كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وأسفر عن فوز منافسه الجمهوري”.
ويكمل التقرير: “لم يكن جيمي كارتر في البداية منخرطاً في السياسة، وربما في شبابه لم يكن يتصور أن يصبح رئيساً، لكن الظروف جرت به ليصبح أحد أكثر الرؤساء إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة، فقد جاء إلى البيت الأبيض بشعبية عالية، لكن الأزمات الاقتصادية والدبلوماسية العديدة تسببت في هزيمته الثقيلة في الانتخابات الرئاسية الثانية لصالح منافسه الجمهوري، حيث فاز في ست ولايات فقط، وهو ما أنهى مسيرته السياسية”.
ويضيف التقرير: “رغم أن كارتر استطاع الوصول إلى البيت الأبيض بشعارات حقوق الإنسان والديمقراطية، خاصة من خلال دعم الشعوب ضد الديكتاتوريات الحليفة لأمريكا، إلا أنه لم يترك إنجازاً كبيراً في سجله، وترك البيت الأبيض مع مجموعة من الأزمات الاقتصادية لأمريكا والتحديات الدبلوماسية على الصعيدين المحلي والدولي، وربما كان أكبر تحدٍّ واجهه هو الثورة الإيرانية، والتي أسقطت أحد الحلفاء الديكتاتوريين لأمريكا، مما أدى إلى فقدان النفط الإيراني واندلاع أزمة طاقة في الولايات المتحدة، أزمة استمرت تأثيراتها على الاقتصاد الأمريكي لسنوات”.
ويتابع التقرير: “لكن أكبر تحدٍّ دبلوماسي كان حادث احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، الذي اعتبره الكثيرون السبب الرئيسي في هزيمته في الانتخابات. هذه الأزمة تم حلها بعد فوزه في الانتخابات وتولي رونالد ريغان الرئاسة، وقد وصفها المسؤولون والمحللون الأمريكيون بأنها هزيمة كبيرة لحكومة كارتر والولايات المتحدة”.