كتب: محمد بركات
فُجع المجتمع الإيراني، خاصةً الصحفي منه، بخبر وفاة الصحفي الإيراني والكاتب الساخر، إبراهيم نبوي، الذي مات منتحرا في منفاه بالولايات المتحدة الأمريكية في 14 يناير/كانون الثاني 2025.
من هو إبراهيم نبوي؟
يعتبر إبراهيم نبوي واحدا من أبرز الشخصيات المعروفة في مجال الصحافة والأدب المعاصر في إيران، وذلك بفضل كتاباته الساخرة والنقدية.
وُلد نبوي بمدينة آستارا في 13 نوفمبر/تشرين الثاني للعام 1958، وعندما كان في الثانية من عمره، انتقلت عائلته إلى كرمان، ثم انتقل إلى شيراز بعد حصوله على شهادة الثانوية.
عمل نبوي لمدة ثلاث سنوات مديرا للمكتب السياسي في وزارة الداخلية الإيرانية، ولاحقا بدأ مسيرته كصحفي في عدد من الصحف والمجلات الإيرانية مثل صحيفة جامعة، وتوس، ومجلة جل آقا، حيث تناول بقلمه الساخر والتحليلي القضايا الاجتماعية والسياسية، وكانت أعماله دائما تحمل نظرة نقدية تجاه القضايا السياسية والاجتماعية في إيران، وقد تميزت أعماله بنثر سلس، وروح فكاهية، ونظرة نقدية معمقة.
مع تصاعد نشاطه السياسي ونشره أخبارا ومواقف معارضة للنظام، تم اعتقاله في العام 1998، وبعد الإفراج عنه، غادر إلى فرنسا حيث عمل لفترة فنانا كوميديا، وقدم عروضا مختلفة في مدن أوروبية كبيرة.
عاد نبوي إلى إيران لاحقا، لكنه اعتُقل مرة أخرى بسبب نشاطاته المعارضة للنظام، وخلال فترة نشاطه داخل إيران، واجه نبوي الرقابة والتهديدات وحتى الاعتقال مرة أخرى، ما جعل الاستمرار في عمله داخل البلاد أمرا بالغ الصعوبة، مما اضطره في الأخير إلى مغادرة إيران والهجرة إلى الولايات المتحدة، حيث واصل نشاطه في مجال الكوميديا، ثم انضم للعمل في وسائل إعلام معارضة للنظام الإيراني.
في منفاه الاختياري، واصل نشاطه في مجال الكتابة الساخرة والصحافة، وشارك بنشاط في وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية خارج البلاد، كما ألّف العديد من الكتب والمقالات التي تناولت القضايا الاجتماعية والسياسية الإيرانية بنبرة ساخرة، وأصبح اسمه مرادفا للنقد الصريح والجريء للسياسات الاجتماعية والسياسية.
وعلى المستوى الشخصي، فقد تزوج إبراهيم نبوي في عام 1977، وله ثلاثة أبناء من البنات، الأولى وُلدت بعد ثلاث سنوات من زواجه، والثانية في عام 1982، والثالثة في عام 1991، جميع بناته يقمن حاليا في الولايات المتحدة.
وفي 14 يناير/كانون الثاني 2025، أنهى إبراهيم نبوي حياته في مدينة سيلفر سبرينغ، بولاية ماريلاند الأمريكية، عن عمرٍ يناهز 66 عاما. وفي بيان، أوضحت ابنتاه أن والدهما عانى من الاكتئاب خلال العقد الأخير من حياته، وأن الغربة كانت عبئا ثقيلا عليه، حيث لم يستطع التكيف مع الحياة بعيدا عن وطنه إيران.
ردود الفعل على وفاته
أثار الإعلان عن انتحار ابراهيم نبوى ردود فعل واسعة في الداخل الإيراني، حيث تصدرت صورته عددا من الصحف الإيرانية، كصحيفة هم ميهن التي خصصت تقريرا نشرته السبت 18 يناير/كانون الثاني 2025، تحت عنوان “العمود الأخير”، تتناول فيه أهم أعماله.
هذا وقد علق عباس عبدي، الصحفي والمحلل السياسي، 15 يناير/كانون الثاني 2025، على قناة آينده على تليغرام، على نبأ الانتحار، قائلا: “لقد أصبت بالذهول عند سماعي الخبر، لقد كان نبوي شخصية استثنائية في مجال الكتابة الساخرة والصحافة الإيرانية، لقد كان من طراز رفيع المستوى في الأدب الساخر، وقد تميزت أعماله بنظرة فريدة، وكان حديثنا بالأمس عن موهبته الفريدة في السخرية”.
وتابع عبدي: “ربما تجاهل البعض عمق شخصيته بسبب أسلوبه الساخر، كان نبوي يتمتع باستقلالية سياسية وأدبية نادرة، وكان صادقا في آرائه دون أن يسعى لتحقيق مكاسب آنية. للأسف، هذه الصراحة أدت إلى عزلته ومن ثم اكتئابه في الغربة، وهو ما قاده إلى اتخاذ قراره الأخير، نحن جميعا نتحمل جزءا من المسؤولية، وكان يجب علينا العمل على إعادته إلى إيران بأي ثمن، أود أن أشير إلى أن كتابه الحقيقة أو الحرية الذي حاورته فيه عام 2001 يعد من أفضل الحوارات التي أجريتها مع صحفيين. رحم الله روحه”.
بدوره، كتب علي ربيعي، مستشار الرئيس الإيراني، على حسابه لمنصة إكس، الأربعاء 15 يناير/كانون الثاني 2025: “قرأت الآن في الأخبار أن سيد إبراهيم نبوي أنهى حياته بشكل مأساوي، لقد كان كاتبا ساخرا وباحثا أدبيا، حيث امتلأ منزله بالكتب. ورغم استيائه ونقده، لم ينجر يوما خلف أعداء إيران، بل كان قلمه يطالهم أيضا. كان نبوي في منفاه وحيدا… ليت الطريق كان ممهدا لعودته إلى وطنه ولغيره من الذين يحملون حب إيران في قلوبهم. أقدم تعازي الحارة لزوجته، وليلى وزهراء العزيزتين”.
كذلك فقد نشرت آذر منصوري، رئيسة جبهة الإصلاحات، صورة لإبراهيم نبوي على حسابها بمنصة إكس 15 يناير/كانون الثاني 2025، وعلقت عليها: “آه من أولئك الراحلين بلا عودة”.
أيضا فقد صرح محسن برهاني، الحقوقي الإيراني، قائلا: “للأسف فقدنا شخصا آخر من بيننا، ما لم نعزز هذا الشعور نحن داخل أنفسنا، وما لم نشعر بالألم تجاه هذه الخسارات وحرق الطاقات، لن نتمكن من الوصول إلى الحل المنشود”.
وحول الأمر نفسه كتب محمد علي أبطحي، الناشط السياسي الإصلاحي، على حسابه بمنصة إكس 16 يناير/كانون الثاني 2025: “إن خبر وفاته كان مؤلما للغاية. إبراهيم نبوي كان صديقا لي منذ أربعين عاما، يا له من عقل مبدع كان لديه! في فترة الإصلاحات، كانت سخريته أقوى سلاح لكسر القيود. في سنوات المنفى، كان أحيانا يفضي لي بمكنونات صدره. كان قلبه يحن بشدة إلى إيران”.
وآکمل أبطحي: “كان يستشيرني حول العودة إلى إيران، ولم أكن أعرف حقا ماذا أقول له. كان يشعر بمرارة عميقة تجاه المعارضة الخارجية، كيانه كله كان مرتبطا بإيران. قال لي إنه إذا انتهى من موسوعته عن السخرية، فسيعود إلى إيران، وليكن ما يكون. نشر العديد من الكتب الساخرة، واسمه سيبقى خالدا في تاريخ السخرية الإيرانية، لكنه لم يتمكن من العودة، بل رحل. من يعرفونه يدركون أن قلبه كان خاليا من الحقد. حقا، لقد أحزنني فقدان هذا الصديق العزيز”.
كما كتب رسول جعفریان، المؤرخ الإيراني، معلقا على انتحار إبراهيم نبوي، على حسابه بمنصة إكس، الجمعة 17 يناير/كانون الثاني 2025: “الآن بعد أن حدث هذا الحدث المؤلم للسيد إبراهيم نبوي، وأثار حزن الجميع بشكل كبير، من الأفضل أن يجلس المسؤولون ويفكروا في هؤلاء الأشخاص ويعملوا على توفير طريق لعودتهم، يا سيد بزشكيان، في الوقت الحالي، فإنّ عبء هذه الأعمال يقع على عاتقكم، وبالتأكيد، على عاتق السلطة القضائية وجميع الأجهزة المعنية”.
في حين نشر رضا کیانیان، الممثل المعروف، حالة على حسابه بمنصة إنستغرام، السبت 18 يناير/كانون الثاني 2025، قال فيها: “لو كانوا قد سمحوا لإبراهيم نبوي بالعودة إلى إيران، لكان الآن على قيد الحياة”.