كتب: محمد بركات
وسط تصاعد التوترات في المنطقة، يأتي تعيين شخصية متطرفة في رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي ليضيف بعدا جديدا للمشهد الأمني، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة بضربة عسكرية ضد إيران، هذا التعيين يتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة، في خطوة يراها مراقبون محاولة لتنسيق المواقف مع الإدارة الأمريكية بشأن تحركات عسكرية محتملة. وبينما تستمر المفاوضات والجهود الدبلوماسية في مسارات متشابكة، يبقى السؤال مطروحا حول طبيعة المرحلة المقبلة وما إذا كانت المنطقة مقبلة على تصعيد جديد أم أن الخيارات الدبلوماسية لا تزال قائمة.
ففي الأول من فبراير/شباط 2025، أعلن مكتب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، تعيين إيال زامير، اللواء المتقاعد، رئيسا لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي خلفا لهرتسي هاليفي، الذي قدم استقالته في 21 يناير/كانون الثاني 2025، على أن يبدأ زامير مهام منصبه بعد السادس من مارس/آذار 2025.
المعركة ما زالت مستمرة
بعدها وفي 2 فبراير/شباط 2025، ألقى زامير خطابا في معرض خاص بوزارة الدفاع الإسرائيلية حول برامجه في هيئة الأركان العامة للجيش، حيث أوضح أنه رغم المفاوضات الجارية قبل المرحلة الثانية من الاتفاق والمناقشات حول وقف الحرب، فإن الحرب لا تزال مستمرة، قائلا: “لم تنتهِ الحرب بعد، ولا تزال التحديات قائمة، سيكون عام 2025، أيضا عاما للمعركة”.
وأضاف زامير خلال كلمته: “لقد أثبتت الحرب الأخيرة أننا يجب أن نعتمد فقط على أنفسنا، لقد تم تدريبنا جميعا على أن إسرائيل ستدافع عن نفسها بقواتها الخاصة، وأقول لكم إن حكومة إسرائيل ستنتج أسلحتها بنفسها لمواجهة أي تهديد وأي سيناريو. خلال الحرب، أعدنا تشغيل خطوط الإنتاج التي أُغلقت، ووسعنا قدرات خطوط الإنتاج الحالية، وطورنا إمكانات إنتاج جديدة. نحن في سباق تسلح عالمي، ولا أحد من الدول المحيطة سيتعاطف معنا”.
وتابع زامير: “في العام الماضي، تم إنفاق 220 مليار شيكل على الإمدادات والدعم في وزارة الحرب، منها 150 مليار شيكل تم استثمارها في الصناعات الدفاعية الإسرائيلية”.
الجنرال المعادي لإيران
لم تكن تلك المرة الأولى التي يذكر فيها اسم زامير لدى المسؤولين في إيران، حيث يُعرف زامير بأنه مبتكر الخطة الاستراتيجية المعروفة بالبرنامج بعيد المدى خارج الحدود والتي تركز على مواجهة تهديدات الجمهورية الإيرانية، وقد تم تقديمها إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية في مايو/أيار 2023.
كما شملت الخطة المقترحة من زامير زيادة الهجمات ضد قادة الحرس الثوري الإيراني وتنفيذ عمليات سرية لتدمير الطائرات المسيرة والصواريخ داخل الأراضي الإيرانية.
كذلك، كان زامير أيضا قد عمل سابقا خبيرا عسكريا في معهد واشنطن، حيث شدّد في أحد تحليلاته على ضرورة تكثيف استهداف قادة الحرس الثوري الإيراني وتنفيذ عمليات سرية لتدمير الطائرات المسيرة والصواريخ التابعة لهذا الجهاز العسكري داخل إيران، وفي صيف 2022، نشر زامير تقريرا من 74 صفحة بعنوان مواجهة الاستراتيجية الإقليمية لإيران عبر معهد واشنطن، دعا فيه إلى تصعيد استهداف المسؤولين العسكريين في الجمهورية الإيرانية”.
هل تنوي إسرائيل توجيه ضربة لإيران؟
يأتي هذا التعيين في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات في إسرائيل لتوجيه ضربة ضد إيران، آخرها كان تصريح بيني غانتس، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، الأحد 2 فبراير/شباط 2025، والذي قال: “لا ينبغي لنا أن نضيع الفرصة، فالتنسيق مع الأمريكيين أمر في غاية الأهمية… يجب أن نستمر في إعادة أسرانا إلى الوطن، والقضاء على حماس، وإضعاف إيران، ودفع عجلة تطبيع العلاقات مع السعودية وغيرها من الدول الإسلامية”، مضيفا: “لقد حان الوقت لتفكيك برنامج إيران النووي بالكامل”.
وفي الإطار نفسه، يرى خبراء أن زيارة نتنياهو للبيت الأبيض الاثنين 3 فبراير/شباط 2025، تأتي لهذا السبب، حيث صرح حسن بهشتی بور، الخبير في الشؤون الدولية، الاثنين 3 فبراير/شباط، محللا أسباب تلك الزيارة، قائلا: “من الطبيعي أن إسرائيل تسعى لإقناع ترامب بشنّ هجوم عسكري على إيران، لكن هذا الأمر غير ممكن بدون دعم وموافقة الولايات المتحدة. من جهة أخرى، فإن إدارة ترامب الجديدة في بدايتها، ونظرا إلى أن لديه أربع سنوات فقط لتنفيذ خططه وطموحاته، فمن المستبعد أن يُدخل بلاده بسرعة في حرب شاملة أخرى بمنطقة الشرق الأوسط المتوترة. حتى الآن، أظهر ترامب أنه يريد التعامل مع إيران عبر المفاوضات أولا، وإذا لم يحقق نتائج، فقد يلجأ إلى خيارات أخرى. لا أعتقد أنه سيتخلى عن خيار التفاوض والاتفاق قبل تجربة جميع الفرص المتاحة”.
وأضاف بهشتي بور: “إن تجربة الفترة الرئاسية الأولى لترامب أظهرت أن سياسة الضغط الأقصى ضد إيران لم تحقق أهدافه في ما يتعلق بتغيير سلوك طهران ونهجها، لذلك من المؤكد أنه سيتّبع نهجا مختلفا في التعامل مع الملف الإيراني، أما عن مدى إيجابية أو سلبية هذا النهج بالنسبة لإيران فمسألة أخرى”.
كذلك فقد صرح منصور براتي، الخبير في شؤون غرب آسيا، خلال لقاء، الاثنين 3 فبراير/شباط 2025، قائلا: “فإن مساعي إدخال الولايات المتحدة في مسار المواجهة بين إيران وإسرائيل ستستمر بلا شك من جانب نتنياهو، فمن المهم للغاية بالنسبة له أن يستغل فوز ترامب في الانتخابات لدفع هذا المسار بشكل ثنائي، بحيث تتحمل واشنطن جزءا من تكاليف الإجراءات الجادة ضد إيران، حيث يسعى نتنياهو إلى تنسيق سياساته تجاه طهران مع واشنطن والبيت الأبيض تحت قيادة ترامب”.
ويوضح براتي: “لو كان الحزب الديمقراطي قد فاز في الانتخابات الأخيرة، لكانت تل أبيب على الأرجح ستتجه نحو اتباع سياسات أكثر استقلالية تجاه إيران. لكن مع فوز ترامب واهتمامه بمصالح إسرائيل، إلى جانب الفريق الذي عيّنه في الوزارات المختلفة، فإن الفرصة متاحة أمام إسرائيل لاستغلال هذا الوضع ونقل جزء من المواجهة مع إيران إلى الولايات المتحدة”.
وحول تمسك الإدارة الأمريكية بالمصالح الإسرائيلية، نشر موقع جماران تقريرا الاثنين 3 فبراير/شباط 2025، قال فيه: “إن زيارة بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة والاستقبال الحافل من قبل ترامب وأنصاره تحمل رسالة واضحة، مفادها أن الجبهة المعارضة لإيران تسعى إلى تعزيز تماسكها أكثر من أي وقت مضى. كما أن التصريحات الأخيرة تؤكد أن هناك توافقا متزايدا بين هذه الأطراف في مواجهة إيران”.
ويكمل التقرير: “بناءً على ذلك، فإن إدارة ترامب ستولي اهتماما خاصا بمصالح الصهاينة في أي مفاوضات نووية محتملة مع إيران. ومن المؤكد أنها ستتعامل مع المفاوضات كأداة للضغط على إيران وليس كوسيلة لحل المشاكل معها، ببساطة، قيام ترامب بدعوة رئيس وزراء الكيان الصهيوني المجرم ليكون أول مسؤول سياسي أجنبي يزور الولايات المتحدة بعد حفل تنصيبه، يُظهر بوضوح تام، موقف واشنطن من أي مفاوضات نووية محتملة مع طهران، ويكشف عن الطرف الذي تسعى الإدارة الأمريكية لحماية مصالحه!”.
من هو إيال زامير؟
وُلد ايال زامير في عام 1966، يبلغ من العمر 52 عاما، وبدأ زامير مسيرته العسكرية في وحدة المظليين وفرقة جولاني، وبعد حرب غزة 2014، تم تعيينه قائدا للمنطقة الجنوبية لجيش الاحتلال، حيث يعد زامير من أبرز المصممين للجدار تحت الأرض في شرق قطاع غزة لمواجهة أنفاق حماس، كما أسس زامير وحدة خاصة لاكتشاف وتدمير الأنفاق في شرق غزة، ويُعتبر أصغر عضو في هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقد كان زامير يشغل منصب نائب رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، وبجانب ذلك فقد شغل زامير عددا من المناصب، أهمها المدير العام لوزارة الحرب، ونائب رئيس هيئة أركان الجيش، ومستشار عسكري لرئيس الوزراء، وقائد لواء المدرعات السابع، وقائد الفرقة 36.
لدى زامير خبرة واسعة في القيادة بالضفة الغربية والجبهة الشمالية، كما يعد زامير من الشخصيات المتطرفة في الجيش الإسرائيلي وله صلات وثيقة بنتنياهو.