كتب: محمد بركات
وسط أجواء من التوتر والانتظار، تتزايد الإشارات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران حول إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات لحل القضايا العالقة بينهما. هذه الإشارات، التي تحمل بين طياتها فرصا للحوار وأخرى للتصعيد، أثارت جدلا واسعا داخل إيران، حيث انقسمت الآراء بين داعمين للتفاوض باعتباره خطوة نحو تحقيق المصالح الوطنية، ورافضين يرون فيه تنازلا يمس سيادة البلاد ومبادئها الثابتة. فيما تتباين المواقف الرسمية والشعبية حول هذه القضية الحساسة.
ففي هذا الإطار، نشر موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي في تقرير له الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2025 ونقلا عن دبلوماسيين أوروبيين، أن إيران، وخلال اللقاء الذي عقد في جنيف وجمع ممثليها مع ممثلي أوروبا الاثنين 13 يناير/كانون الثاني 2025، وقبل أسبوع واحد من مراسم تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، قد طرحت اقتراحا بخصوص اتفاق جديد ومختلف عن الاتفاق النووي الإيراني السابق مع الولايات المتحدة.
وقد جاء في تقرير الموقع أنه “وفقا لتصريح أحد الدبلوماسيين الأوروبيين، فإن الإيرانيين أوضحوا في المحادثات أنهم يريدون استئناف المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد سيكون مختلفا عن اتفاق 2015 الذي انسحب منه ترامب في 2018، وطلب الإيرانيون من الأوروبيين نقل هذه الرسالة إلى واشنطن، وأكدوا أنهم في انتظار خطة أو اقتراح من الولايات المتحدة، ووفقا للدبلوماسي الأوروبي الذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن الرد الأوروبي كان أن الأمر يعود إلى إيران لوضع اقتراح على الطاولة يتضمن مزيدا من التنازلات بشأن القضية النووية”.
يأتي ذلك في الوقت الذي صرح فيه دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، خلال مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، الجمعة 24 يناير/كانون الثاني 2025، قائلا: “إن الإيرانيين شعب مذهل، ديني ومليء بالفرص، أريدهم أن يكون لديهم دولة رائعة، والشيء الوحيد الذي لن أسمح لإيران بامتلاكه سلاحا نوويا”.
وتابع ترامب: “إذا توصلنا إلى اتفاق، فهناك طرق للتأكد من تنفيذه، يجب أن نُجري عمليات تفتيش عشرة أضعاف ما هو عليه الآن، فإذا وصلوا إلى السلاح النووي، فسيطلب الجميع حينها امتلاك السلاح النووي، وبعدها ستحدث فوضى كبيرة”.
وأضاف: “إن هذا هو الإطار العام الذي سرت فيه في فترتي الأولى، فلقد كنت في مباحثات مع بوتين، الرئيس الروسي، للتوصل لاتفاق لنزع السلاح النووي بين روسيا وأمريكا، ثم ضم الصين لاحقا، فالصين في غضون خمس أو ست سنوات ستمتلك أسلحة نووية مثلنا، لقد كنت قريبا جدا من التوصل إلى اتفاق مع بوتين، فالسلاح النووي خطر جدا ومكلف، وإذا تمكنا من فعل ذلك، كان سيكون أمرا رائعا. ثم جاء انتخاب سيئ أوقف تقدمنا، ولهذا السبب أنا هنا الآن”.
هل يوافق الداخل الإيراني على مفاوضات مع أمريكا؟
في الوقت الذي تتوالى فيه الإشارات بين الولايات المتحدة وإيران عن إمكانية الجلوس على طاولة المفاوضات والتباحث بشأن الملفات العالقة، ينقسم الداخل الإيراني إلى فريقين؛ أحدهما مشجع على المفاوضات، والآخر رافض تماما لها.
فمن جهة، لم تدع الحكومة الإيرانية الرابعة عشر، بقيادة مسعود بزشكيان الرئيس الإيراني، مجالا للشك في موقفها من التفاوض، حيث صرح بزشكيان في عدة مناسبات، مثل لقائه مع شبكة “إن بي سي نيوز” الأمريكية في 14 يناير/كانون الثاني 2025، بأن إيران مستعدة للحوار مع أمريكا.
كذلك فقد أكد بزشكيان في أحد خطاباته الأخيرة بالأهواز الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2025، أن القيادة العليا بإيران، متمثلة في المرشد الإيراني علي خامنئي، قالت إنه “يجب علينا التواصل مع جميع الدول باستثناء إسرائيل استنادا إلى ثلاثة مبادئ وهي: العزة، المصلحة، والحكمة”.
كذلك، فقد ذكر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، سابقا، أن خيار الدبلوماسية مع أمريكا ليس مستبعدا فقط بسبب وجود ترامب في السلطة، وأن إيران تراقب تصرفات الأمريكيين، وستتصرف بناء على مصالحها، وإذا وجدت أن المفاوضات في صالحها، فستفعل ذلك بلا شك.
ومن جانبه، فقد أكد محمد جواد ظريف، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية، والذي سافر في 20 يناير/كانون الثاني 2025 إلى دافوس بسويسرا؛ للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي، في حديثه الأخير مع فريد زكريا على هامش المؤتمر، أنه على الرغم من تكرار استعداد إيران للمضي في الطريق الدبلوماسي، فإنه حذر ترامب من التصرف بحكمة تجاه إيران. كما أعلن ظريف في مقال نشر في مجلة فورن أفيرز عن استعداد إيران لإجراء المفاوضات.
وعلى الجانب الآخر، فإن التيار الأصولي في إيران يرفض وبشكل كامل، التفاوض مع الولايات المتحدة، وبهذا الشأن فقد كتب مهدى فضائلي، عضو المكتب الإعلامي لمكتب القيادة الإيرانية، مقالا في صحيفة همشهري بتاريخ 15 يناير/كانون الثاني 2025، يوضح فيه الأسباب التي تمنع إيران من الدخول في مفاوضات مع أمريكا.
فخلال حديثه، أشار فضائلي إلى أحد المبادئ الأساسية للثورة، وهو رفض الظلم وعدم الرضوخ له، مؤكدا أن هذا المبدأ يتوافق مع مطلب الشعب الإيراني منذ بداية الثورة، وهو تحقيق الاستقلال. وأضاف أنه لا يمكن التعامل أو التفاوض مع نظام يتسم بالاستكبار والظلم مثل أمريكا، دون تقديم تنازلات غير عادلة.
كما أوضح أن التجارب السابقة مع أمريكا، سواء قبل الثورة أو بعدها، لم تحقق أي نتائج إيجابية، وقد ذكر أمثلة، منها أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية والمفاوضات المتعلقة بالاتفاق النووي والتي أثبتت جميعها أن التفاوض مع أمريكا ليس فقط غير مفيد، بل ضار.
وأشار فضائلي كذلك إلى أن أحد أسباب تأييد بعض الأشخاص للتفاوض مع أمريكا هو التأثر بهيبتها وقوتها المفترضة، رغم التراجع الواضح لنفوذها، مؤكدا أن الولايات المتحدة لم تعد القوة العظمى التي كانت في القرن العشرين، حيث واجهت العديد من الإخفاقات في العراق، وأفغانستان، واليمن، وسوريا، وفشلت في تحقيق أهدافها المتعلقة بتعزيز الكيان الصهيوني.
وحذر من أن التفاوض مع أمريكا يمكن أن يساعد في استعادة هيمنتها، وهو ما يُعد خيانة للشعوب التي تسعى للحرية. وأشار أيضا إلى وضع الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، مثل مصر، والعراق، والأردن، والتي لم تتمكن من حل مشاكلها الاقتصادية رغم قربها من أمريكا. وأضاف أن الدول التي تبدو مستقرة على السطح، مثل بعض دول الخليج، تعاني من فقدان الاستقلالية وتبعية شبه كاملة للسياسات الأمريكية.
واختتم فضائلي مقاله بتأكيد أن الظروف الحالية تجعل التفاوض مع أمريكا خطيرا، حيث ترى الولايات المتحدة نفسها في موقع قوة بعد الأحداث في سوريا، مما يمنحها شعورا بالهيمنة، معتبرا أن التفاوض في هذه المرحلة لن يكون إلا وسيلة للضغط على إيران دون تحقيق أي مكاسب حقيقية، واصفا الفكرة بأنها وهمية وغير واقعية.
كذلك، فقد عبر عدد من الشخصيات الأصولية عن عدم جدوى المفاوضات مع أمريكا، حيث صرح حميد رضا ترقي، نائب أمين حزب مؤتلفة، خلال حديث في 21 يناير/كانون الثاني 2025: “يمكن مواصلة المفاوضات مع أولئك الذين التزموا بالاتفاق النووي ولم يقوموا بتمزيقه، ولكن من المهم ألا نقدّم التزامات جديدة، وأن يلتزم الطرف المقابل بتنفيذ التزاماته، أما الشخص الذي قام بتمزيق الاتفاق النووي، فلا يوجد لدينا أي موضوع للتفاوض معه. كيف يمكن أن نجلس ونتفاوض مع شخص لا يؤمن أصلا بالاتفاق ومزّقه منذ البداية؟ ينبغي أن يكون موضوع المفاوضات واضحا، وإذا كان أساس الحديث هو خلافاتنا مع أمريكا، فإن هذه الخلافات لن تُحلّ أبدا”.
كما أضاف ترقي: “أما إذا كان أساس الخلاف هو القضية النووية أو الصواريخ، فإن هذا أيضا ليس قابلا للحل، فلقد أوضحنا موقفنا بشأن الموضوع النووي، وذكرنا مرارا أننا لا نسعى وراء الأسلحة النووية، أما بخصوص التكنولوجيا النووية، فلا توجد لدينا أي مفاوضات ولن نجري أيا منها. وفي ما يتعلق بقضايا أخرى كالمواضيع الدفاعية والصاروخية، فإننا لن نخضع للتفاوض، لأن الطرف المقابل متى ما امتلك قدرات عسكرية وصاروخية ونووية أعلى، فإنه سيحاول فرض قوته علينا وإيذاءنا. وفي كل مرة ضعفنا، زادت الأضرار والضغوط علينا”.
وفي آخر التطورات، فقد صرح إسماعيل خطيب، وزير الاستخبارات والأمن القومي، السبت 25 يناير/كانون الثاني 2025، حول التفاوض مع أمريكا، قائلا: “لدى الثورة تجربة طويلة في هذه المفاوضات، وأبرز مثال على ذلك هو الاتفاق النووي، فالمفاوضات التي جرت في عمان، وتلك المتعلقة بأموالنا المحتجزة في قطر وكوريا الجنوبية، لم يلتزم الأمريكيون في أي منها بوعودهم”.
وأضاف خطيب: “إن أي شخص يتسم بالصدق، فإن إيران وحكومتها تكنّ له احتراما كبيرا، ولكن في أي مكان يوجد فيه خداع واستكبار وعداء وظلم، فإن إيران ستقاوم بكل حزم، وأنا شخصيا أرفض التفاوض”.