كتبت: شروق السيد
في حوار مع صحيفة “خبر أونلاين” بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول 2024، قدم مهرداد بشنج بور، الأستاذ الجامعي ومحاضر القانون الدولي، تحليلا قانونيا شاملا حول الأحداث الأخيرة في المنطقة، بدءا من تفاقم الصراع في غزة ولبنان إلى إصابة السفير الإيراني، مجتبي أماني، في لبنان، تطرق بشنج بور إلى دور الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية في محاسبة إسرائيل على جرائمها، ومدى فاعلية هذه المؤسسات ومدى قدرتها على وقف آلة الحرب الإسرائيلية، مع مناقشة الرد الإيراني الرسمي والدبلوماسي تجاه هذه التطورات، وإليكم نص الحوار:
- ما مدى إمكانية تقديم الحكومة الإيرانية شكوى إلى الأمم المتحدة على أثر حادث لبنان الأخير
يجري الآن الاجتماع السنوي للجمعية العامة، وهذا العام، يُعقد الاجتماع في وضع شهدت فيه منطقتنا أحداثا تبدو غير متوقعة في العالم المتحضر والحديث، أعني بذلك الحرب بين إسرائيل وحماس، وتدمير غزة، واستمرار الصراعات في لبنان، وفي آخر حدث يعني انفجار أجهزة البيجر وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، ظهرت مخاوف جديدة بالمجتمع، في الخطوة الأولى، أود معرفة تحليلك القانوني في مواجهة الحادثة الأخيرة، هل لدى الحكومة اللبنانية أي إمكانية لتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة؟
أولا، الحرب هي حقيقة موجودة في الحياة البشرية؛ ظاهرة لا تختفي حتى مع وجود السلام، فالسلام والحرب دائما ما يسيران جنبا إلى جنب، لذلك، فإن وجود السلام لا يعني بالضرورة غياب الحرب، ولهذا لا ينبغي أن نتعجب من وجود الحروب في العصور الحديثة وما بعدها، القضية المهمة في العصر الحديث هي تغيير أساليب وأنواع الحروب من جهة، ومن جهة أخرى، وضع وتنظيم اللوائح المتعلقة بالحرب، والتي تسعى إلى تقليل الآثار الضارة للحرب في إطار حقوق الإنسان الدولية.
لقد جرحت جرائم إسرائيل كرامة الإنسان وقيمته الذاتية، لذا لا يمكن قصر آثارها على سكان غزة فقط، رغم أن هؤلاء الناس المظلومين يتحملون ويختبرون معاناة حقيقية، فإن شدة ونطاق جرائم نظام الاحتلال الإسرائيلي عميقة وواسعة لدرجة أنها آذَت روح وضمير البشرية جمعاء، ولكن في خضم هذا الانفلات القانوني الهائل، تظهر شرارات من التشريعات الجديدة واستخدام الإمكانيات القانونية المتاحة في نصوص قواعد القانون الدولي، وكذلك مجموعة قواعد ميثاق الأمم المتحدة والمنظمات القضائية الدولية، مثلما قامت دولة جنوب إفريقيا بتقديم دعوى إلى محكمة العدل الدولية، وكذلك الإجراءات المتعددة للجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، هي إجراءات ذات قيمة، على الرغم من أنها لم تصل إلى النتائج المرجوة، فإنها لم تكن عديمة القيمة أو الأهمية، علاوة على ذلك، فإن العديد من هذه الإمكانيات القانونية والأدوات القضائية لا يمكن تفعيلها حتى وقوع حدث ما، لذا لا يمكن توقع معجزة أو تأثير فوري من كل إجراء قانوني، ومع ذلك، فإن بدء هذه الإجراءات يعكس الجهود المستمرة للبشرية لتجنب الحرب قدر الإمكان وتقليل الآلام والمعاناة الناتجة عنها.
إن قيام إسرائيل بتفجير أجهزة الإرسال والأجهزة اللاسلكية يعد من جرائم الحرب التي ارتكبها هذا النظام، ويعتبر قتل أو جرح الأشخاص المنتمين إلى حكومة أو جيش العدو غدرا مثالا لجريمة حرب وفقا للمادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك تعتبر الاتفاقيات المختلفة، وضمن ذلك اتفاقية منع استخدام الأسلحة غير التقليدية، التي تعتبر إسرائيل عضوا فيها، من جرائم الحرب، لذا، فإن مسؤولية نظام إسرائيل عن هذه الجريمة أمر بديهي، رغم أن النظام الإسرائيلي قد رفض قبول المسؤولية عنا حتى الآن، فإن هذا الإنكار ليس له تأثير قانوني فعّال، بل هو مجرد تكتيك قانوني.
– ما مدى جدوى المؤسسات الدولية تجاه الجرائم التي ارتُكبت بحق شعب غزة؟
يعلق الإيرانيون، إزاء الجرائم التي ارتُكبت بحق شعب غزة، وكذلك تجاه جهود الأمم المتحدة الفاشلة، التي يبدو أنها لا تعرب إلا عن قلقها إزاء الأحداث، قائلين: ما مدى جدوى المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، عندما تفشل في أداء دورها المطلوب؟ منكم، أنتم أستفسر: ما الفائدة من هذه البيانات أو القرارات التي لا تعتبر رادعة لكيان مثل إسرائيل؟
تعتمد فائدة المنظمات الدولية إلى حد كبير على كيفية التفاعل معها والتضامن الدولي والإقليمي، فالمجالس العامة للمنظمات الدولية تمثل منصة مهمة لتعزيز مواقف الدول، بشرط أن تتمكن هذه الدول من التعاون والتفاعل بشكل صحيح وبنّاء مع الأعضاء، وتخطيط أهدافها وبرامجها ومتابعتها وإتمامها، لذلك، فإن مناقشة عدم كفاءة هذه المنظمات ليست مطلقة، بل هي مسألة نسبية.
علاوة على ذلك، بما أنه لم تتحقق النتيجة النهائية المرجوة من قِبَلنا أو من بعض الأعضاء، فلا يمكن اعتبار عدم الكفاءة هذه دليلا على عدم جدوى تلك المنظمات، إن الجهود المتكررة للمنظمات الدولية، وضمن ذلك الأمم المتحدة، لإقامة محاكم خاصة لمعاقبة مجرمي الحرب، مثل محكمة نورمبرغ، ويوغوسلافيا السابقة، وسيراليون، ورواندا، وصدام، تمثل نماذج ناجحة لجهود المنظمات الدولية.
على مدار العام الماضي، تم اتخاذ عدة إجراءات في الأمم المتحدة بشأن ممارسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، بمبادرة من جنوب إفريقيا، إلى جانب موضوع حل الدولتين، كيف تُقيّم هذه الإجراءات وأيها يبدو أكثر احتمالا للتطبيق على أرض الواقع؟
جميع الإجراءات التي تم اتخاذها مؤثرة وقيّمة، فقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإن كانت غير ملزمة، إلا أنها تمهد الطريق لتحولات كبيرة في قواعد القانون الدولي، ويمكن ملاحظة العديد من الحالات التي أسهمت فيها هذه القرارات في تشكيل قواعد القانون الدولي، مثل قرار الجمعية بشأن الحق في التنمية، وحتى الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية التي تصبح في بعض الأحيان أساسا للعديد من الاتفاقيات الملزمة، على سبيل المثال، الرأي الاستشاري للمحكمة حول آثار التجارب النووية على البيئة أدى إلى عدة اتفاقيات ملزمة يجب على الدول الالتزام بها.
جانب مهم آخر هو التأثير المتبادل بين عمل هذه المنظمات والهيئات الدولية والرأي العام العالمي، هذه المنظمات لا تستطيع تجاهل الضغوط الناجمة عن الضمير العالمي، ومن جهة أخرى، فإن كل خطوة تتخذها تحظى باهتمام عالمي، هذه الظاهرة، التي تأثرت بانتشار وسائل الإعلام، يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحقيق النتائج المرجوة بشكل أسرع وأفضل.
في الظروف الحالية، يبدو أن إجراءات المحكمة الجنائية الدولية قد تحقق نتائج ملموسة وقابلة للتنفيذ، ولكن ليس بالضرورة أن تعني اعتقالا فوريا أو محاكمة مباشرة لمرتكبي جرائم الحرب!
-كيف سترد إيران على إصابة السفير الإيراني، مجتبي أماني، في لبنان؟
يبدو أن الأحداث الأخيرة ستؤثر على جدول أعمال رئيس الجمهورية الجديد في إيران، خاصةً بعد الإصابة التي تعرض لها السفير الإيراني في هذا الحادث، ينتقد البعض في إيران الفريق الدبلوماسي، معتبرين أنه بدلا من الرد الحاسم، أحال الموضوع إلى المؤسسات الدولية والحكومة اللبنانية، هل تعتقد أن على إيران أن تتخذ رد فعل منفصلا؟
يبدو أن السياسة الرسمية لإيران تعتمد نهجا عقلانيا ومنطقيا، وهو مختلف عن السياسات الإعلامية التي غالبا ما تكون متأثرة بالعاطفة والاندفاع وغير منطقية، السياسة التي أشار إليها مؤخرا وزير الخارجية الإيراني، تؤكد أن إسرائيل لن تحقق هدفها المتمثل في تصعيد التوتر، وهذا يعني أن إيران تدرك أنه لا ينبغي لها الوقوع في فخ العدو وتنفيذ ما يريده الطرف الآخر.
من الطبيعي أن تعلن إيران اعتراضها الرسمي على هذه الأحداث في المحافل الدولية، ويجب على الرئيس الإيراني أن يوضح انتهاكات إسرائيل وحلفائها للالتزامات الدولية بشكل موثق، كما أن إصابة السفير الإيراني تُعتبر مثالا لانتهاك حقوق دولة ما، ويبدو أن هذا العمل الإسرائيلي يهدف إلى جر إيران إلى مواجهة مباشرة، وهو ما سيحقق مصلحة كبيرة لإسرائيل في الوقت الحالي.
أفضل وأهم ما يمكن أن يقوم به رئيس الجمهورية هو طمأنة المجتمع الدولي بأن إيران لا تسعى إلى زيادة التوتر في المنطقة أو العالم، لتحقيق هذا الهدف، يجب عليه الحصول على موافقة دول المنطقة على معاهدات أمنية ثنائية ومتعددة الأطراف، وهو أمر ممكن بفضل الإمكانيات المتاحة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
-برأيك، ما أفضل نتيجة ممكنة للجمعية العامة للأمم المتحدة في ما يتعلق بإسرائيل؟ وهل هناك طريقة لوقف آلة الحرب هذه؟
إن أفضل وأهم ما حدث حتى الآن من الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة هو إصدار عدة قرارات، من بينها القرار الأخير الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة خلال 12 شهرا، كما أكدت سابقا، أنه لا ينبغي توقع تحقيق هذه النتيجة النهائية الواردة في القرار بسرعة، لكن هذه الخطوات لها آثار مهمة، أبرزها فقدان فقدان شرعية تصرفات إسرائيل، والدليل على ذلك هو قلة عدد المعارضين لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالطبع، يجب الانتظار لرؤية موقف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة خلال خطاباتهم في الجمعية، ومن ثم يمكن تقديم صورة أوضح.