كتب: محمد بركات
مع الإعلان عن إعادة انتخاب المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة من العام 2017 إلى 2021، لمنصب الرئاسة، تجددت مشاعر الغضب لدى بعض المسؤولين الإيرانيين الذين لا يزالون يذكرون حادثة اغتيال اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، عام 2020 بأمر مباشر من ترامب. حيث كان سليماني أحد أبرز الشخصيات العسكرية في إيران، وقد أثار مقتله ردود فعل قوية في الداخل الإيراني، وقد وصفته القيادة الإيرانية وقتها بأنه “شهيد” وأحد أبطال المقاومة الإقليمية. هذه الذكرى لا تزال عالقة في أذهان الإيرانيين، ويعاد التذكير بها في كل مناسبة ذات صلة، الأمر الذي يؤجج مشاعر العداء تجاه السياسة الأمريكية التي يرون فيها محاولة لإضعاف نفوذهم في المنطقة، ودافعا للبعض للنداء بثأر سليماني. ومع عودة الرئيس الذي أمر بتلك الضربة، تتجدد التساؤلات حول مستقبل العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، ومدى تأثير هذا العداء المتزايد على التوترات الإقليمية.
مقتل قاسم سليماني ورد الفعل الإيراني:
في الساعات الأولى من يوم الجمعة 3 يناير/كانون الثاني عام 2020، أصدر الرئيس الأمريكي وقتها، دونالد ترامب، أمرا بقتل القائد الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وقد نفذ الجيش الأمريكي هذه العملية مستهدفا موكب سليماني بعد أن حطت طائرته القادمة من دمشق في مطار بغداد بثلاث طائرات مسيرة محملة بصواريخ من نوع هلفاير، وكان يرافقه في الموكب أبو مهدي المهندس، السياسي والعسكري العراقي، وذلك وفقا لتقرير موقع راديو فردا بتاريخ 3 يناير/كانون الثاني 2020.
ووفقا للتقرير، فبمجرد انتشار الخبر أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية مسؤوليتها عن تلك العملية، موضحةً أنها جاءت في إطار عمليتها لتوجيه ضربة مباشرة للأهداف الإيرانية في المنطقة، ونظرا إلى دور سليماني في تنظيم الهجمات ضد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
من جانبها نددت إيران بشدة بمقتل سليماني، معتبرةً أن الولايات المتحدة قد ارتكبت جريمة قتل مخالفة للقوانين الدولية. حينها صرح حسن روحاني، الرئيس الإيراني، قائلا: “إن ما حدث من استشهاد القائد سليماني لهو دليل واضح على سياسة أمريكا العدائية في المنطقة، وبالطبع سنأخذ بثأر سليماني لأجل إيراني وجميع شعوب المنطقة الحرة”، وذلك وفقا لتقرير وكالة تسنيم المنشور في 3 يناير/كانون الثاني.
ووفقا للتقرير، ففي ذلك الوقت سعت طهران في اتجاهين لتحقيق وعدها بالرد، فمن جهة قدمت إيران شكاوى للأمم المتحدة ومجلس الأمن، مطالبة بتطبيق عقوبات ضد واشنطن على انتهاك سيادة العراق وحقوق الإنسان، كما جاء على لسان تخت روانجي، المندوب الدائم لإيران في الأمم المتحدة، والذي أكد أن ما حدث هو هجوم عسكري، وسيتم الرد عليه برد عسكري.
ومن جهة أخرى، نفذت إيران هجوما صاروخيا مستهدفةً قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق بأحد عشر صاروخا، وذلك في 8 يناير/كانون الثاني 2020، رغم أن الهجوم لم يسفر عن ضحايا أمريكيين، فإنه أعتبر تصعيدا قويا لحدة التوترات في المنطقة بين أمريكا وإيران، وذلك وفقا لتقرير وكالة إيسنا الصادر في 29 أغسطس/آب 2023.
إعادة انتخاب دونالد ترامب وتصاعد المخاوف:
في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني للعام 2024، أعيد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة بعد أن خسر الانتخابات الأمريكية في العام 2021 أمام نظيره الديمقراطي جو بايدن، مما أعاد تصعيد التوترات بين طهران وواشنطن بمجرد انتشار الخبر. فقد كانت هذه الانتخابات موضوعا مثيرا للجدل في إيران منذ بدايتها؛ نظرا إلى الوضع الصعب الذي تشهده المنطقة من حرب إقليمية قائمة بين إسرائيل وداعميها من جهة، وإيران، وحزب الله وحماس من جهة أخرى. وقد تعهد المسؤولون الإيرانيون بأنهم سيستمرون في مقاومة سياسات ترامب بالمنطقة، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي عام 2018، الذي شكل نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، وذلك وفقا لتقرير وكالة إيرنا بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني.
بين عدم الاكتراث والدعوة للثأر: ردود فعل الإيرانيين حول إعادة انتخاب ترامب
بعد إعلان خبر فوز دونالد ترامب بمقعد الرئاسة الأمريكية وقد انهالت التعليقات من قبل الساسة والمسؤولين الإيرانيين، فقد صرح إسماعيل بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، تعليقا على فوز ترامب: “إن انتخاب رئيس الولايات المتحدة أمر يعود إلى شعب هذا البلد، وقد اتخذوا قرارهم الآن، إن لإيران تجارب غير سارة مع سياسات ومناهج حكومات الولايات المتحدة المختلفة، وعلى الرغم من ذلك، فإن الانتخابات توفر فرصة لمراجعة الأخطاء الماضية، والأمر الأكثر أهمية بالنسبة لإيران هو الإجراءات العملية التي ستتخذها الحكومة الأمريكية الجديدة”، وذلك وفقا لتقرير موقع أكوإيران بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني.
هذا وقد صرحت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، عند سؤالها عن انتخاب ترامب وتأثير هذه الانتخابات على اقتصاد البلاد، قالت: “انتخاب رئيس الولايات المتحدة ليس له علاقة مباشرة بنا. سياسات إيران العامة ثابتة ولن تتغير بتغير الأشخاص. لا يهم من يكون رئيس الولايات المتحدة، لأن خططنا تم إعدادها مسبقا. بسبب العقوبات التي استمرت لأكثر من أربعة عقود، أصبحت إيران أكثر قوة ولا نخشى أحدا، نحن نعرف كيف نتعامل مع أي عقوبات جديدة، ولا نرى أي اختلاف بين ترامب وبايدن”، وذلك وفقا لتقرير صحيفة همشهري أونلاين بتاريخ 6 نوفمبر/تشرين الثاني.
وقال محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، على هامش اجتماع مجلس الوزراء، إن الأهداف الاستراتيجية لإيران تتبع مصالحها الخاصة، وإن البرنامج النووي الإيراني لن يتأثر بأي تغييرات سياسية خارجية، وضمن ذلك نتائج الانتخابات الأمريكية، ولن يشهد أي تغيير بناءً على ذلك، وذلك وفقا لتقرير جريدة انتخاب المنشور في 6 نوفمبر/تشرين الثاني.
وقد صرح حسین کنعانی مقدم، الناشط السياسي والقائد السابق في الحرس الثوري، بخصوص هذا الأمر قائلا: “أعتقد أن ترامب سيتجه في منطقة الشرق الأوسط نحو الحوار وتقليل التوترات، رغم أنه قد يعيد سياساته السابقة. كما أن قضية استشهاد اللواء قاسم سليماني على يد أمريكا لا تزال قائمة، وسيف الانتقام يبقى مرفوعا فوق ترامب وأعوانه والمسؤولين عن هذه العملية”، وذلك وفقا لموقع ديده بان إيران الصادر في 6 نوفمبر/تشرين الثاني .
وكتب أحمد نادري، نائب محافظة طهران في البرلمان، على حسابه بمنصة إكس”: “لدينا ثأر قديم مع ترامب”.
وقد علق محسن رضائي، القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني، على فوز ترامب، بمنشور على حسابه بمنصة “إكس”، قال فيه: “يجب على ترامب أن يتعلم من أخطائه السابقة وأخطاء رؤساء أمريكا الآخرين تجاه إيران، إن إرادة الشعب الإيراني في استيفاء حقوقه راسخة ولا تتزعزع”.
وبهذا الشأن، فقد صرّح محمد رضا ثاني، عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني، تعليقا على فوز ترامب، قائلا: “إن الأحزاب الأمريكية لا تختلف في عدائها لإيران”، مشبّها السياسيين الأمريكيين بالمثل “الكلاب تنتمي إلى نفس الفصيل”، إذ إنهم يتغذّون من المصدر نفسه رغم اختلاف أساليبهم. وأضاف: “في عهد بايدن شهد العالم أحداثا سلبية، مثل سيطرة طالبان في أفغانستان، وزيادة التوترات بين الكوريتين، وتصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وازدياد التوترات بين الصين وروسيا وأوروبا، أما ترامب فلا يختلف عن بايدن في السياسات تجاه إيران، لكنه يتمتع بقدر أكبر من السلطة لتنفيذ السياسات الأمريكية، رغم تعقيده الشخصي”، وذلك وفقا لموقع صبح مجلس الصادر في 6 نوفمبر/تشرين الثاني.
وكتب صادق زيبا كلام، المفكر السياسي والمقرب من حكومة بزشكيان، على حسابه الرسمي بمنصة إكس: “تهنئة للمعارضة التي كانت تدعو وتتمنى فوز ترامب. فلنر كيف سيسهم ترامب، المعروف بعنصريته وتحيزه ضد النساء، والسود، والمهاجرين، والفلسطينيين، والمسلمين، في تعزيز الديمقراطية وتحسين حقوق الإنسان بإيران بالشكل الذي تتوقعه المعارضة”.