كتب: محمد بركات
شهدت سوريا تحولات دراماتيكية خلال الأيام الأخيرة، إذ انتهى حكم عائلة الأسد، الذي استمر إلى أكثر من نصف قرن بسقوط دمشق بيد قوات هيئة تحرير الشام الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
هذه التطورات المفاجئة أثارت تساؤلات واسعة حول مصير العلاقات الإيرانية السورية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تعيد رسم ملامح الشرق الأوسط.
وبينما يرى البعض أن إيران قد تخسر نفوذها في سوريا، تشير تحليلات أخرى إلى أن العلاقات قد تعيد صياغة نفسها بما يخدم مصالح الطرفين، خصوصاً في مواجهة التحديات المشتركة مثل الاحتلال الإسرائيلي واستمرار التدخلات الخارجية.
“عدو عدوي صديقي”
حول مستقبل العلاقات الغامض الذي ينتظر الدولتين، فقد قال حسين رويوران، المحلل السياسي الإيراني، في تصريحات خاصة لـ”زاد إيران”، معلقاً على مستقبل العلاقات بين سوريا وإيران، قائلاً: “على السطح، يبدو من قراءة المشهد في سوريا أن إيران هي الخاسر الأول، ولكن من وجهة نظري أن تلك ظروف مؤقتة، لأن إسرائيل قد أظهرت رغبتها الشديدة في إظهار عدوانها على سوريا بعد سقوط النظام مباشرة، فقامت بالتقدم في الجولان، وقامت باحتلال جبل الشيخ، وهذا أظهر أن مشكلة إسرائيل ليست إيران كما كانت تزعم، المشكلة الآن أن إسرائيل تمثل تهديداً لكافة دول المنطقة، بغض النظر عن مصر والأردن اللتين اعترفتا بإسرائيل، غير ذلك، فإن إسرائيل ستضرب وتقصف أياً من كان في سوريا، سواء كان نظام الأسد أو أحرار الشام. وعلى كل حال، فإن الشيء الثابت الآن هو أن أي حكومة ستأتي من وسط الشعب لتقود الحكم في سوريا، لا بد أنها ستضع نصب أعينها تحرير المناطق المحتلة من سوريا، وانطلاقاً من مبدأ عدو عدوي صديقي، فإن تلك الحكومة ستتجه بشكل تلقائي إلى طهران، فطالما ظلت إسرائيل مصدر تهديد لسوريا، فأنا أتصور أن العلاقات القوية بين إيران وسوريا ستكون شيئاً طبيعياً. أما ما يحدث الآن من إدانة لطهران في الداخل السوري، فإن ذلك أمر طبيعي بسبب حساسية الأحداث التي وقعت في الأعوام الأخيرة. ولكن الحضور الإيراني بجانب سوريا أمام إسرائيل هو شيء أساسي في ظل استمرار سياسة نتانياهو الحالية، وسيحدث ذلك قريبا جداً”.
دعم الحكومة الجديدة
وكنهج آخر ظهر على لسان المحللين والسياسيين الإيرانيين، رأى البعض أن دعم الحكومة السورية الجديدة أحد أهم السبل لتعزيز علاقة إيران بسوريا، وبهذا الشأن كتبت صحيفة “اسكناس” تقريراً في عددها الصادر يوم الثلاثاء 10 ديسمبر/كانون الأول 2024، تتناول فيه مستقبل العلاقات مع سوريا في ضوء هذا التوجه، فتقول: “رغم التحديات والمخاوف التي أثارتها التطورات في سوريا، فإنه يمكن لإيران، بحنكة ودقة، تحويل هذه التهديدات إلى فرص، فعلى إيران أن تحلل بدقة الوضع في سوريا والتغيرات الجديدة التي تشهدها، لتتخذ نهجاً مدروساً يمكنها من تعزيز مكانتها في المنطقة. يجب على إيران أن تركز بشكل خاص على الحكومة السورية الجديدة، ومن المهم أن تظهر إيران الدعم لأي حكومة تصل إلى السلطة في سوريا عبر طرق قانونية ومن خلال انتخابات عامة وتحظى بدعم الشعب. كذلك، ولأن سوريا تُعد أحد الأركان الأساسية لمحور المقاومة، فإنه يجب على إيران أن تتبنى استراتيجيات في التعامل مع الحكومة المستقبلية في هذا البلد تحفظ وتعزز مصالحها طويلة الأمد”، وفقاً لتقرير الصحيفة.
ويكمل التقرير: “إن إحدى النقاط الهامة التي تتبناها هيئة تحرير الشام والجماعات المعارضة هي وحدة الأراضي السورية، ومع وجود القوى المحتلة مثل الكيان الصهيوني، والذي يحتل الجولان بشكل غير قانوني، وتركيا التي تحتل أجزاء من شمال سوريا، والولايات المتحدة التي تسيطر على المناطق النفطية في سوريا، يجب على إيران أن تبرز كأحد الداعمين الإقليميين لوحدة سوريا، كما فعلت دائماً، حينها ستجذب الحكومة السورية المستقبلية وتجعلها حليفة لها”.
مصير العلاقات
وبالطبع لا يمكن فصل مستقبل العلاقات بين البلدين عن التطورات التي ستحدث في سوريا، حيث يرى المحللون أن مسار الأحداث هو ما سيحدد شكل العلاقات، وقد جاء تقرير صحيفة “ستاره صبح” ليؤكد هذا المسار، حيث ذكرت: لا شك أن تغيير النظام في سوريا وسقوط بشار الأسد سيكون له تأثير سلبي على إيران، فالأسد كان أحد أهم حلفاء إيران، وقد بذلت الأخيرة جهوداً كبيرة لدعمه منذ عام 2011، وضحت بالكثير من الجنود في الحرب ضد داعش.
من جانب آخر في الحكومة السورية الجديدة التي تحمل ذكريات مواجهة إيران قبل 13 عاماً، قد تتبنى سياسات معادية لإيران لفترة من الزمن. إن سقوط حكومة صديقة لإيران واستبدالها بنظام ذي توجهات معادية يثير تساؤلات حول العلاقات المستقبلية، ومدى إمكانية تحول الخلافات إلى مواجهة عسكرية أو أمنية.
لكن تحديد ذلك يعتمد على السيناريوهات المحتملة لمستقبل سوريا، والتي تناولتها صحيفة “صباح” التركية بخمسة احتمالات وهي: إنشاء جمهورية ديمقراطية سورية عبر تحالفات سياسية متنوعة، أو إعلان جمهورية إسلامية في سوريا بقيادة هيئة تحرير الشام، أو تأسيس دولة معادية للشيعة تحت تأثير إسرائيل، كذلك فيمكن إنشاء جمهورية فيدرالية سورية تحت إشراف أمريكي، وأخيراً يأتي مقترح تقسيم سوريا وتجدد الحرب الأهلية؛ مما يؤدي إلى انهيارها بالكامل”، وفقاً لتقرير الصحيفة بتاريخ 9 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ويكمل التقرير: “فإذا تحقق السيناريو الأول أو الخامس، فلن تتفاقم التوترات بين إيران والنظام الجديد. أما السيناريو الرابع، فقد يؤدي إلى توترات أمنية دون حرب مباشرة. لكن السيناريو الثاني أو الثالث، وخاصة بروز حكومة إسلامية متطرفة، قد يدفع إلى مواجهة مباشرة، خاصة إذا هددت الجماعات السلفية الأمن الإيراني عبر العراق، الذي يمثل أهمية استراتيجية لإيران”.
خيارات إيران أمام سوريا الجديدة
من ضمن الطرق المتاحة أمام الحكومة الإيرانية هو اتخاذ الحلول الدبلوماسية أولوية عند الحديث عن شكل العلاقات، وفي هذا الإطار فقد أجرى موقع “شهر خبر” مقابلة مع الخبير الاستراتيجي، حسن بهشتي بور، أشار فيها إلى خيارات إيران فيما يخص علاقتها مع سوريا.
فقال: “إن الشرق الأوسط يشهد تشكل نظام جديد، وسقوط الأسد يمثل نقطة تحول في هذا النظام. إذا كنا خلال نصف القرن الماضي نشهد حدثاً كبيراً في كل عقد، ففي السنوات الأخيرة تقلصت الفترة الزمنية بين الأحداث الكبرى إلى عام واحد، والآن يبدو أن علينا انتظار حدث مهم كل شهر”.
وأضاف أن مسار الشرق الأوسط في ظل النظام الجديد لا يزال غامضاً بسبب العواصف المستمرة من التطورات والأحداث، وفيما يخص مسار الأحداث في سوريا، فإن خيارات إيران محدودة، ولكن المسار الذي يجب أن تبتعد عنه إيران هو التدخل عسكرياً في سوريا، لأن سوريا اليوم أصبحت أشبه بمستنقع يعاني من فوضى عارمة.
وتابع: “وبالتالي، فإن أي تدخل عسكري يمكن أن يفرض تكاليف باهظة على إيران من الناحيتين المادية والمعنوية”، وفقاً لتقرير الموقع بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وبحسب التقرير، فقد أكد بهشتي أن الدبلوماسية أفضل خيار في الوقت الحالي، حيث قال: “إن المصالح الوطنية لإيران لا تتحقق من خلال القتال، بل من خلال الدبلوماسية”.
وأضاف: “ومن خلال ذلك فهناك ثلاثة مسارات أمام إيران هي: إما إيجاد بدائل للتواصل مع جماعات المقاومة، أو التعاون في مفاوضات متعددة الأطراف مع تركيا والولايات المتحدة وروسيا لتأسيس نظام سياسي قائم على إرادة الشعب في سوريا، كذلك فتح قنوات للحوار والعلاقات الدبلوماسية مع الحكومة الجديدة في سوريا، لأنه من مصلحة إيران الحفاظ على العلاقات مع دمشق”.
نموذج العراق وأفغانستان
فيما تظل عودة العلاقات بشكلها السابق أمر مستبعد، فقد ذهب البعض إلى أن وجود علاقات توصف بـ الجيدة هو أمر كافٍ خلال تلك الفترة.
وبهذا الشأن، كتبت صحيفة آفرينش: “بسقوط دمشق بيد قوات هيئة تحرير الشام، انتهى حكم عائلة الأسد الذي استمر لمدة 53 عاماً في سوريا، وتشير التقارير إلى أن بشار الأسد قد غادر إلى روسيا، فيما كلف الجولاني، قائد قوات هيئة تحرير الشام، رئيس الوزراء الحالي في سوريا بإدارة شؤون الدولة”.
وتضيف الصحيفة: “كل هذه التطورات حدثت في سوريا خلال عشرة أيام فقط، مما أدى إلى تحولات جذرية ومفاجئة في البلاد. وهذا يوضح أن وراء هذه التطورات السياسية اتفاقيات وصفقات كثيرة أُبرمت، والتي أدت في النهاية إلى إسدال الستار على نظام حكم استمر أكثر من نصف قرن. ومع ذلك، تثار مخاوف حول مستقبل العلاقات بين إيران وسوريا، وما إذا كانت تلك العلاقات العميقة ستنقطع”.
ويرى التقرير أنه “من المؤكد أن هذا لن يحدث، تماماً كما حافظت الحكومات في العراق وأفغانستان على علاقاتها بناء على مصالحها الوطنية ووسعت من تلك العلاقات، حتى وإن لم تكن مثالية”، وفقاً لتقرير الصحيفة بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ويكمل التقرير: “يجب الإقرار بأن إيران لم تتدخل في التطورات الأخيرة في سوريا، لكنها حافظت على خطوطها الحمراء، وقد التزمت قوات الجولاني بتلك الخطوط.
ومن الواضح أن عهد نظام الأسد قد انتهى، وإلا لكانت روسيا، التي تمتلك مصالح أكبر من إيران في سوريا، قد تدخلت بشكل أكبر لحماية نفوذها في المنطقة. وعليه، فإن العلاقات بين إيران وسوريا لن تنقطع في المستقبل، بل ستُعاد صياغتها بناء على المصالح الجديدة. ومع ذلك، يبقى الأهم هو التخطيط السليم لهذه العلاقات للحفاظ على مكانة إيران في هذه المنطقة المهمة”.