كتب: مصطفى أفضل زادة، مراسل زاد إيران في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
رغم الضغوط الدولية والعقوبات المفروضة، نجحت إيران خلال السنوات الأخيرة في تطوير برنامجها النووي والوصول إلى تقنيات متقدمة، مستفيدة منها في مجالات متعددة مثل الطاقة، والطب، والصناعة.
تُعد التكنولوجيا النووية من أكثر المجالات العلمية تطورا، حيث تؤثر بشكل مباشر في العديد من القطاعات، فالدول التي استثمرت في هذا المجال لم تقتصر على توليد الطاقة النووية، بل وظّفتها أيضا في الطب، والزراعة، والإلكترونيات، والتقنيات الحديثة، مما ساهم في دفع عجلة التطور الصناعي والعلمي.
تؤكد إيران أن تطويرها للتكنولوجيا النووية يأتي في إطار تعزيز قدراتها العلمية والصناعية، مما يمكّنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال التكنولوجي، ويجعلها لاعبا رئيسيا في مجال العلوم والتقنيات المتقدمة.
الاستثمار في الماء الثقيل ومشتقاته
إحدى أهم الركائز التي ركزت عليها إيران في برنامجها النووي هي تطوير الماء الثقيل ومشتقاته، نظرا لاستخداماته الواسعة في الصناعات الدوائية، والإلكترونيات، وشاشات العرض المتطورة.
وقد نجحت إيران في إنتاج مواد قائمة على الماء الثقيل، تُباع في الأسواق العالمية بأسعار تصل إلى آلاف الدولارات للغرام الواحد، مما يعزز مكانتها في الصناعات النووية والتقنيات المتقدمة.
إلى جانب ذلك، تواصل إيران تطوير محطاتها النووية، وهو ما قد يؤهلها لأن تصبح إحدى القوى الرائدة في الصناعة النووية العالمية.
التحديات أمام إيران
يُعد التهديد الإسرائيلي أحد أبرز التحديات التي تواجه البرنامج النووي الإيراني، حيث هددت إسرائيل مرارا بشن هجمات عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، لكن المسؤولين الإيرانيين أكدوا أن البنية التحتية النووية لإيران صُممت بطريقة تجعلها قادرة على تحمل أي اعتداءات خارجية، مما يعكس استعداد إيران لحماية منشآتها الاستراتيجية وتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة أي تهديدات محتملة.
ووفقا لمسؤولي منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، فإن المنشآت النووية الإيرانية محمية بأنظمة دفاعية متعددة الطبقات، مما جعلها أقل عرضة للهجمات الخارجية. كما نجحت إيران في تطوير تقنيات متقدمة لحماية منشآتها النووية، مما رفع مستوى أمانها إلى معايير دولية عالية، ما يعزز قدرتها على التصدي لأي تهديد محتمل.
إلى جانب التهديدات الخارجية، تمثل العقوبات الدولية أحد أكبر التحديات التي تواجه البرنامج النووي الإيراني، حيث أدت إلى صعوبات في الحصول على المعدات والمواد الحساسة اللازمة لتطوير البنية التحتية النووية.
ومع ذلك، يؤكد المسؤولون الإيرانيون أن الاستثمار في الإنتاج المحلي مكّن البلاد من تجاوز العديد من العقبات التقنية، بل إنها وصلت في بعض المجالات إلى مرحلة تصدير المعدات والمنتجات النووية، ما يعكس التقدم الذي أحرزته في هذا القطاع رغم الضغوط الدولية.
تُعد نقص الكهرباء وعدم توازن شبكة الطاقة من أبرز التحديات التي واجهتها إيران في العقود الأخيرة، حيث يرى المسؤولون أن توسيع الاعتماد على الطاقة النووية يمثل حلًا مستدامًا لهذه الأزمة.
إنجازات متسارعة
تمتلك إيران حاليا محطة نووية واحدة في بوشهر، والتي أنتجت حتى الآن 70 مليار كيلووات/ساعة من الكهرباء، مما أدى إلى توفير ما يعادل 105 ملايين برميل من النفط.
هذا الإنجاز حقق قيمة اقتصادية هائلة، حيث ساهم في تخفيض تكاليف استهلاك الوقود الأحفوري بما يعادل 8 مليارات دولار، مما يبرز الأهمية الاستراتيجية للطاقة النووية في مستقبل إيران الاقتصادي.
إلى جانب تشغيل محطة بوشهر النووية، تعمل إيران على إنشاء محطة نووية جديدة، بمشاركة أكثر من 5000 مهندس وعامل في المشروع. ووفقا للخطط الاستراتيجية، تهدف إيران إلى رفع قدرتها الإنتاجية من الكهرباء النووية إلى 20,000 ميغاواط بحلول عام 2041.
ومن المتوقع أن يسهم هذا التوسع في التخفيف من أزمة الطاقة في إيران، فضلا عن تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يعزز الاستدامة الاقتصادية والبيئية.
سجلت إيران رقما قياسيا جديدا في تنفيذ مشاريعها النووية، حيث شهد الشهر الماضي صَبّ 22,000 متر مكعب من الخرسانة خلال 24 ساعة، ومن المخطط أن يصل هذا الرقم إلى 65,000 متر مكعب العام المقبل.
تعكس هذه الوتيرة المتسارعة عزم إيران على تعزيز بنيتها التحتية النووية، ما يعزز مكانتها كدولة رائدة في هذا القطاع.
التقدم في الطب النووي
إلى جانب قطاع الطاقة، تُعد إنتاج الترددات الراديوية “العلاج الإشعاعي” من أبرز إنجازات إيران النووية، حيث أصبحت إحدى الدول الرائدة في تصدير هذا النوع من العلاج إلى 15 دولة حول العالم.
تلعب الترددات الراديوية دورا أساسيا في علاج أمراض مثل السرطان، وقد نجحت إيران في تطوير منتجات تنافسية عالميا، مما يؤكد أن برنامجها النووي لا يقتصر على إنتاج الطاقة فحسب، بل يمتد ليشمل مجالات طبية واقتصادية حيوية، تعزز مكانتها في الصناعات التقنية المتقدمة.
ورغم التقدم الملحوظ الذي أحرزته إيران في إنتاج العلاج الإشعاعي لا تزال العقوبات الدولية تشكل عقبة رئيسية أمام توسيع صادراتها، وتواجه شركات الطيران المسؤولة عن نقل هذه المنتجات قيودا دولية تمنعها من الوصول إلى العديد من الدول، مما أدى إلى إعاقة تصدير هذه التقنية الإيرانية.
إذا تم رفع هذه القيود، فإن إيران ستكون قادرة على توسيع صادراتها وتعزيز حصتها في السوق العالمية للعلاج الإشعاعي، ما يمنحها مكانة أقوى في هذا المجال الطبي الحيوي.
ومع استمرار التطور السريع للصناعة النووية الإيرانية، يبدو أن إيران تقترب من ترسيخ موقعها كأحد اللاعبين الرئيسيين في هذا القطاع، ففي مجالات مثل إنتاج الماء الثقيل، وتشغيل المحطات النووية، وتطوير المعدات الصناعية المرتبطة بالطاقة النووية، حققت إيران إنجازات بارزة لا يمكن تجاهلها، ما يعكس إصرارها على تعزيز قدراتها النووية رغم التحديات الدولية.
مستقبل واعد رغم العقبات
لا تزال إيران تواجه تحديات كبيرة في مسيرتها النووية، لكن إذا نجحت في تجاوز هذه العقبات، فقد تصبح في العقود القادمة إحدى القوى المؤثرة في الصناعة النووية العالمية.
بالنظر إلى الوضع الحالي للبرنامج النووي الإيراني، يتضح أن إيران تمكنت من تحقيق إنجازات كبيرة رغم الضغوط الدولية والعقوبات المفروضة عليها. وتعمل طهران على الاستثمار في قطاع استراتيجي قد يكون له أثر بعيد المدى على اقتصادها ومكانتها الدولية.
وتتبنى إيران سياسة واضحة في عدم التراجع عن تطوير صناعتها النووية، مؤكدة عزمها على مواصلة برنامجها النووي رغم التحديات السياسية والاقتصادية.
إن إصرار إيران على هذا المسار يعكس رؤيتها بأن الطاقة النووية ليست مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية وضمان أمنها ومستقبلها الاقتصادي.