لمياء شرف
في أعقاب القصف الإسرائيلي لثلاثة مواقع في إيران، تتجه الأنظار نحو طهران لمراقبة طبيعة ردها وكيفية تعاملها مع هذا التصعيد غير المسبوق. ورغم تاريخها الحافل بتوجيه رسائل قوية وتحذيرات حادة لإسرائيل، تبدو النبرة الإيرانية في هذه المرحلة أكثر هدوءا، ما يثير تساؤلات حول استراتيجية طهران الحالية في الرد.
فهل يشير هذا الهدوء إلى مراجعة داخلية تقر بتراجع قدراتها العسكرية المباشرة، أو ضعف أذرعها العسكرية في المنطقة كحزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين في اليمن؟ أم أن إيران تسعى للرد عبر تكتيكات غير عسكرية، مثل التصعيد الدبلوماسي أو الهجمات السيبرانية، للحفاظ على توازن الردع وتجنب تصعيد عسكري مفتوح؟
صرح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، خلال اجتماعه مع سفراء الدول والمنظمات الدولية المعتمدة لدى إيران، بأن إسرائيل ستتحمل عواقب الهجوم على إيران، مضيفا أن إسرائيل وداعميها لا يمكنهم تجنب المسؤولية السياسية والقانونية عن العدوان على الأراضي الإيرانية ويجب محاسبتهم عليه.
وأشار إلى أن إيران تحتفظ كليا بحقها القانوني في الرد بشكل مناسب على مثل هذا العدوان الواضح، مشدداً على أن إيران لن تتردد في القيام بذلك ولكن لن تتصرف على عجل.
شنت إسرائيل هجوما عسكريا على إيران واستهدفت ثلاث مدن، طهران وخوزستان وعيلام، في 25 أكتوبر/تشرين الأول. جاء هذا الهجوم رداً على موجة الصواريخ التي قصفت بها إيران إسرائيل في مطلع أكتوبر/تشرين الأول، وتحدث الإعلام الإيراني عن إحباط العملية والتصدي لها.
وبسياسة إمساك العصا من المنتصف، قال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، وفق ما نقلت عنه الوكالة الرسمية: “يجب عدم التقليل من أهميته أو تضخيمه”، في إشارة إلى القصف الإسرائيلي لثلاث مدن إيرانية بها مواقع لمنشآت نفطية وعسكرية، مضيفاً أن دولته يتعين عليها تحديد أفضل السبل للرد.
وبدوره، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إن “إيران لا تسعى إلى الحرب لكنها سترد على نحو مناسب على أحدث هجوم إسرائيلي”.
وفي سياق متصل، قال فدا حسين المالكي، عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان: “إن الأضرار التي لحقت بإيران بعد الهجوم الإسرائيلي كانت ضئيلة، وقد عهد خامنئي إلى القوات المسلحة بمهمة تحديد كيفية الرد على إسرائيل”.
وفي ظل التوقع بالتهدئة الإيرانية واختزال ردها العسكري على إسرائيل وربما يكون ردا دبلوماسيا، أكد مصدر رفيع المستوى لشبكة “سي إن إن”، إن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران ستقابل بردٍّ “حاسم ومؤلم”، من المرجح أن يأتي قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وتشير هذه التصريحات إلى أنه ربما قد يتغير موقف إيران الأوليّ الذي اعتمد على التقليل من شدة الضربات التي نفّذتها إسرائيل.
“الوعد الصادق 3”
انتشرت دعوات إيرانية على وسائل التواصل الاجتماعي، تطالب بإطلاق عملية “الوعد الصادق 3″، بعد قصف إسرائيل لإيران، في إشارة إلى الاسم الرمزي الذي أُطلق على الهجومين الإيرانيين السابقين على إسرائيل.
ونشر أمير حسين ثابتي، النائب المحافظ المتشدد، تغريدة على منصة “إكس”، مطالباً بالرد بمستوى يفاجئ إسرائيل لتجاوزه الحدود الحمراء، مشيراً إلى أن أفضل وقت للرد في أثناء انشغالهم بالحرب في غزة ولبنان.
بينما يرى باتريك وينتور، رئيس قسم الشؤون الدبلوماسية، بصحيفة الغارديان البريطانية، أن النخبة السياسية بإيران تقع تحت ضغط المتشددين المطالبين بالرد على إسرائيل، بالتزامن مع دعوة الولايات المتحدة لإيران بالابتعاد عن حافة الهاوية والانخراط في حرب الرد على إسرائيل.
ذكر وينتور في تحليله أن الحكومة الإيرانية قللت من شأن حجم وفعالية الهجوم الإسرائيلي على مواقعها العسكرية، لكن المتشددين في البرلمان أكدوا أن الضربات تجاوزت الخطوط الحمراء الإيرانية وتستلزم ردًا سريعا، ويفضل أن يتم في وقت تكون فيه إسرائيل منشغلة بالحرب في لبنان وغزة.
وأشار إلى أن النخبة السياسية الإيرانية ستضطر إلى الموازنة بين الضغوط السياسية والدبلوماسية والعسكرية المتضاربة، حيث إن نبرتها الأولية تعبر عن الفخر بأداء الدفاعات الجوية، بدلا من الدعوات للانتقام الفوري.
وأكد وينتور أن النقاش السياسي الداخلي بدأ بالفعل حول كيفية الرد، وهو ما قد يعيد تكرار الخلافات داخل النخبة السياسية الإيرانية، التي ظهرت منذ أن انتُخب الإصلاحي مسعود بزشكيان بشكل مفاجئ رئيسا للبلاد، جزئيا ببرنامج يهدف إلى تحسين العلاقات مع الغرب.
و إيران تدرك أن أي هجوم آخر على إسرائيل سيؤدي إلى تفعيل الدفاعات الأمريكية التي نُصبت حديثا، ولا يوجد ضمان بأن الولايات المتحدة ستتجاهل ردا إسرائيليّا جديدا على هجوم إيراني، مما يقرب العالم من مواجهة مباشرة بين إيران وأمريكا، وهي خطوة ربما تكون الأخيرة قبل اندلاع حرب إقليمية شاملة.
وأضاف وينتور أن إيران تعتقد أن سلسلة المسؤولية بدأت منذ قصف إسرائيلي في 1 أبريل/نيسان على القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي أسفر عن مقتل سبعة من ضباط الحرس الثوري الإيراني. ردّت إيران بعملية “الوعد الصادق 1” في 13 أبريل/نيسان، بهجوم مستخدما الطائرات بدون طيار والصواريخ.
وردت إسرائيل في 19 أبريل/نيسان بضربات جوية محدودة استهدفت رادار دفاع جوي بالقرب من موقع نووي في إيران.
بعد ذلك، اغتيل إسماعيل هنية، القيادي السياسي في حركة حماس، بطهران في 31 يوليو/تموز، وقتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله المدعوم من إيران، ببيروت في 27 سبتمبر/أيلول، إلى جانب نائب قائد العمليات في الحرس الثوري، عباس نيلفروشان.
وقد ردت إيران في 1 أكتوبر/تشرين الأول بعملية “الوعد الصادق 2″، حيث أطلقت نحو 200 صاروخ باليستي نحو إسرائيل. ووفقا لهذا التسلسل، تشعر إيران بحقها في الرد لاستعادة قوة الردع.
وأكد وينتور في تحليله، أن بزشكيان يشعر الآن بالإحباط، حيث اختارت الحكومة في أغسطس/آب عدم الرد عسكريا بعد اغتيال هنية بسبب تطمينات من الولايات المتحدة، التي أشارت إلى أن محادثات السلام في غزة كانت على بعد أسبوعين من تحقيق اختراق، لكن الولايات المتحدة لم تتمكن من تأمين دعم إسرائيل لوقف إطلاق النار.
لذلك، فإن أي وعود غربية جديدة بأن الدبلوماسيين على وشك تحقيق تقدم، سواء في لبنان أو غزة، ستُقابَل بقدر من الشك في طهران.