كتبت: آية السيد
تشهد إيران ارتفاعاً كبيراً في معدلات التضخم؛ وذلك لعدة أسباب، أهمها تقلبات العملة والتي تؤثر بشكل مباشر على استقرار الاقتصاد ومستوى المعيشة اليومي، كذلك العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي وأذرعها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى التقلبات في سوق النفط والتي تلعب دوراً محورياً في تفاقم الأزمة الاقتصادية.
فوفقا لتقرير نشرته وكالة أنباء آرمان ملي الإيرانية بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول 2024، يعتقد العديد من الخبراء أن السياسات التي اتبعتها الحكومة الثالثة عشرة، حكومة إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني السابق، مثل زيادة سعر الفائدة، والتحكم الإجباري في سعر الدولار وضخ العملة قد ساعدت إلى حد ما في السيطرة على سعر الدولار، ولكنه يظل لا يمثل السعر الحقيقي، وإذا ما استمر هذا الوضع فقد يؤدي إلى مشكلة مشابهة لما حدث في قطاع الكهرباء، حيث تمت إدارة انقطاع الكهرباء بدلاً من اتباع سياسة ترشيد الاستهلاك؛ مما تسبب في انقطاعات كبيرة. ومن المحتمل جداً أن تواجه إيران تضخماً كبيراً على المستوى الكلي للاقتصاد إذا لم يتم التعامل مع هذه السياسات بشكل صحيح.
ويضيف التقرير: “وفقاً لما قاله المحللون، فإن الارتفاع السريع في الأسعار والتدخلات المباشرة والإجبارية من قبل الحكومة في تحديد الأسعار، وانخفاض القوة الشرائية لدى المواطنين، وانخفاض قيمة الريال الإيراني في الساحتين المحلية والدولية للتبادلات وغيرها من العوامل تشير إلي أننا على وشك الدخول في موجة من التضخم قد بدأت بالفعل في التشكل، ولتجنب هذه الأزمة يمكن للحكومة الحالية البحث عن حلول أخرى غير سياسة الاقتصاد المدار من قبل الدولة”.
في انتظار تغيير المؤشرات الاقتصادية:
قال مصطفى رحيمي، الخبير الاقتصادي، في حديثه مع “آرمان ملي”: “لقد واجهت الأسواق الإيرانية مشاكل عديدة خلال السنوات الأخيرة، بسبب التحديات والتحولات الإقليمية والدولية، وعانت جميع الأسواق مثل الذهب والعملات والعقارات من ركود تضخمي حاد (انكماش في النشاط الاقتصادي، مثل انخفاض النمو الاقتصادي وزيادة البطالة، وفي الوقت نفسه ارتفاع في الأسعار) خلال العامين الماضيين. وكانت أكبر مشكلة تواجه الاقتصاد الإيراني الذي يعتبر اقتصاداً حكومياً بالكامل، هي أن الحكومة تعتبر أكبر مستهلك، كما أنها لم تتمكن من ترشيد نفقاتها لتناسب الميزانية، ولكن علينا الانتظار لنرى ما إذا كانت هذه المؤشرات ستتغير في النظام العام للدولة أم لا”.
تعويض عجز الموازنة:
وأضاف رحيمي: “واجهت الحكومات السابقة عجزاً كبيراً في الموازنة ولكنها لم تهتم بتقليل النفقات الحكومية؛ بل لجأت إلى طباعة الأموال والاقتراض من البنك المركزي، مما أدى إلى عواقب سلبية على المديين القصير والطويل، كما أصبح عدم قدرة الحكومة على سداد ديونها مشكلة مزمنة، ودخلنا تدريجياً في دائرة الركود التضخمي وهذا ينذر بنهاية سيئة”.
سياسة التدخل الحاد في الاقتصاد:
أضاف رحيمي: “تنفيذ السياسات الاقتصادية التدخلية (تعني التدابير والإجراءات التي تتخذها الحكومة أو السلطات النقدية لتحسين الوضع الاقتصادي أو التأثير على الأسواق) بشكل مفرط يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية مزدوجة، فمن جهة سيسبب الركود الاقتصادي ومن جهة أخرى التضخم الكبير. في حال عدم التوازن في تطبيق هذه السياسات سيسيطر التضخم على جميع الجوانب، ونحن في الوقت الحالي على وشك الدخول في اقتصاد تضخمي. كذلك فقد أشار هذا الخبير إلى أن الحل للخروج من هذا الوضع يعتمد على تنظيم الحكومة لإيراداتها ونفقاتها حتى يتحقق التوازن. فإذا لم تفعل الحكومة ذلك، فلن تتحسن مؤشرات مثل عجز الميزانية والتضخم ونمو الإنتاج. وفي هذه الحالة لن تكون هناك حلول كالاعتماد على المواطنين أو القطاع الخاص، لأن المواطنين سيتحملون العبء الأكبر من هذه السياسات الخاطئة. لذا فالحكومة مسؤولة عن تنفيذ السياسات الاقتصادية الصحيحة، وليس من العدل أن يدفع القطاع الخاص والمواطنون ثمن أخطاء الحكومة”.
علاج الاقتصاد يعتمد على الدبلوماسية الدولية:
ووفقاً لهذا التقرير، فقد أوضح مجيد رضا حريري، رئيس الغرفة التجارية المشتركة بين إيران والصين، أن المشاكل الاقتصادية في إيران ليست جديدة. وصرح: “مشاكلنا بدأت منذ السبعينيات عندما اعتمدنا على النفط وشهدنا تضخماً مرتفعاً، ثم في التسعينيات زادت العقوبات من حجم التضخم، وهو ما لا يمكن تبريره اقتصادياً”.
وأضاف: “يمكننا أن نجد تفسيرات اقتصادية للتضخم وعجز الميزانية والبطالة ونمو السيولة، ولكن العقوبات تعود لأسباب سياسية وعسكرية. الحل لهذه المشاكل يعتمد على تحسين الدبلوماسية الدولية”.
العقوبات هي السبب الرئيسي للمشاكل الاقتصادية:
أضاف حريري: “لا يمكن أن نلقي لوم الوضع الاقتصادي في بلادنا على هذه الحكومة أو تلك أو على أي وزير، لأن العقوبات الدولية هي السبب الرئيسي للمشاكل الاقتصادية. هذه العقوبات جعلت من المستحيل حل الأزمات الاقتصادية باستخدام أي من الحلول التي قدمتها الحكومات السابقة. لذلك يجب أن نعمل على تحسين الدبلوماسية بشكل أكثر فعالية لتقليل تأثيرات العقوبات، وبالطبع يمكن أن تساعد الحلول الاقتصادية في معالجة مشكلات مثل التضخم والسيولة وسوق العملة بعد ذلك”.
وأشار إلى أن تقلبات أسعار الصرف تشكل تحدياً صعباً له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد والمجتمع، وتحتاج إدارة هذه التقلبات إلى تخطيط دقيق وسياسات اقتصادية مستقرة وتعاون دولي، فيمكن بتطبيق الحلول المقترحة وتعزيز الاقتصاد الداخلي أن نقلل من الآثار السلبية لتقلبات أسعار الصرف ونزيد من الاستقرار الاقتصادي. فعندما ترتفع أسعار الصرف تزيد أسعار السلع المستوردة؛ مما يؤدي إلى رفع مستوى الأسعار وزيادة التضخم، خاصةً السلع الأساسية والأدوية التي تعتمد على الاستيراد، هذا الأمر يضغط بشكل خاص على الفئات المتوسطة والدنيا من المجتمع ويقلل من القوة الشرائية للمواطنين. كما أن تقلبات أسعار الصرف قد تؤدي إلى عدم استقرار في سوق المال؛ مما يسبب اضطراباً للمستثمرين، وقد يؤدي أيضاً إلى سحب رأس المال من السوق وانخفاض قيمة الأصول المالية.
تقلبات العملة لا تزال تحدياً اقتصادياً:
كذلك، يظهر التقرير أن تقلبات أسعار الصرف كانت دائماً من القضايا الاقتصادية والاجتماعية المهمة في البلاد. فالتغيرات المفاجئة في سعر الصرف تؤثر ليس فقط على الاقتصاد الكلي، ولكن أيضاً على معيشة الناس واستقرارهم المالي. العقوبات الدولية- خاصة ضد القطاعين المصرفي والنفطي في إيران- أدت إلى تقليص قدرة البلاد على الوصول إلى الموارد المالية الأجنبية، مما زاد من الضغط على سوق الصرف ورفع أسعار الصرف في فترات متعددة.
ولأن إيران واحدة من أكبر مصدري النفط في العالم، فإنها تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، وبسبب انخفاض أسعار النفط العالمية، وأيضاً بسبب العقوبات التي أدت إلى تراجع صادرات النفط الإيرانية قل تدفق العملات الأجنبية إلى البلاد، مما زاد الضغط على سعر الصرف، أيضاً التغيرات في الأسواق المالية العالمية مثل أسعار الفائدة والسياسات النقدية للدول الكبرى مثل الولايات المتحدة تؤثر بشكل مباشر على قيمة الريال الإيراني، حيث يؤدي تعزيز الدولار في الأسواق العالمية إلى إضعاف الريال الإيراني.