كتبت: لمياء شرف
في خطوة تعيد تسليط الضوء على النزاع الإقليمي الممتد بين إيران والإمارات العربية المتحدة حول السيادة على ثلاث جزر تقع في مضيق هرمز وهي: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، تستند إيران مؤخرا إلى خرائط بريطانية قديمة من عام 1888؛ في محاولة جديدة لتعزيز موقفها في هذا الصراع المستمر منذ عقود.
الخرائط وُضعت قبل أكثر من 130 عاما، بناء على تعليمات المركيز سالزبوري، الذي كان وزير الخارجية البريطاني آنذاك، وذلك في إطار نزاعها المتصاعد مع دول الخليج حول ملكية الجزر الثلاث.
وتُعتبر الجزر الثلاث جزءا من الأراضي الإماراتية بحسب القوانين الدولية، في حين تواصل إيران الاحتفاظ بالسيطرة الفعلية عليها منذ عام 1971.
ونشرت صحيفة الغارديان تقريرا مفصلا حول الجزر، التي اعتُبرت موضوعا حساسا للغاية داخل إيران، خاصة بعد أن أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا مشتركا في ختام أول قمة له مع مجلس التعاون الخليجي، الشهر الماضي (أكتوبر/تشرين الأول)، والذي تضمن إدانة إيران، بسبب ما وصفه بـ”احتلال” للجزر الثلاث، ووصف بأنه انتهاك لميثاق الأمم المتحدة وخرق لسيادة الإمارات العربية المتحدة.
ويهدد هذا النزاع جهود إيران الحالية لتعزيز علاقاتها مع شركائها في الخليج، كما أصبح عقبة إضافية أمام تحسين علاقات إيران مع الاتحاد الأوروبي.
تظهر الخرائط التي تستند إليها إيران، أن بريطانيا كانت تعتبر الجزر جزءا من إيران، في حين كانت المنطقة التي تعرف الآن بالإمارات العربية المتحدة، تُسمى آنذاك “ساحل القراصنة”.
وقدم الاتحاد الأوروبي دعما للإمارات بصياغة بيان مشترك من 57 فقرة، أثار قلقا كبيرا داخل النظام الإيراني، والذي جاء فيه أن إيران تريد أن تحتل جزر الإمارات الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، معتبرةً أن ذلك ينتهك سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وعلى الجانب الآخر، عبر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، عن رفضه بيان الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلا: “الجزر الثلاث كانت دائما وستظل إلى الأبد جزءا من إيران. حقبة التدخلات الأوروبية الخبيثة وسياسة (فرق تسد) في منطقتنا قد ولّت منذ زمن بعيد”.
وخاطب رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، دول الخليج قائلا: “بدلا من توجيه طاقته نحو إيقاف آلة الحرب الصهيونية، يواصل مجلس التعاون الخليجي إطلاق مزاعم لا أساس لها حول وحدة أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
أهمية الجزر الثلاث
رغم صغر مساحة الجزر الثلاث، فإنها ذات أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة جدا للبلدين، فهي تقع عند مدخل مضيق هرمز، وهو المسار الذي تمر عبره ناقلات النفط من الخليج إلى خليج عمان.
ويمر عبر مضيق هرمز يوميا ما يقرب من 40% من الإنتاج العالمي من النفط. ومن يسيطر على هذه الجزر يتحكم في حركة الملاحة البحرية بالخليج، حسب موقع “بي بي سي”.
وتبلغ مساحة جزيرة طنب الصغرى ميلا مربعا واحدا فقط، ويقال إنها مأهولة فقط بالأفاعي السامة، حسب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA).
في عام 1992، طردت إيران السكان الإماراتيين الذين كانوا يعيشون على جزيرة أبو موسى وأحكمت سيطرتها الكاملة على الجزيرة، التي تبلغ مساحتها خمسة أميال مربعة وتعتبر اليوم خط الدفاع الأول لإيران في مضيق هرمز.
وبقيت القوات الإيرانية على الجزيرة الوحيدة من بين الثلاث التي تحتوي على سكان مدنيين، والذين يقل عددهم عن 2000 نسمة.
ويذكر أن بريطانيا احتلت الجزر في عام 1908، وأنهت وضع الحماية عليها في عام 1971 كجزء من انسحابها من شرق السويس. فشلت بريطانيا في التوصل إلى اتفاق حول جزر طنب، لكنها في اللحظة الأخيرة تفاوضت على صيغة معقدة بشأن ملكية أبو موسى، بحيث يتم تقسيم الجزيرة وإدارتها بشكل مشترك بين الشارقة وإيران، التي كانت آنذاك ملكية تحت حكم الشاه.
وسيطرت إيران على جزيرتي طنب بالقوة عند انسحاب بريطانيا، مدعيةً أن الجزر كانت جزءا من الإمبراطورية الفارسية منذ القرن السادس قبل الميلاد.
أما مساعي الإمارات لطرح مطالبتها بملكية الجزر للتحكيم إما عبر محكمة العدل الدولية أو الأمم المتحدة، فقد باءت بالفشل حتى الآن، حيث رفضت طهران أي تدخل من طرف ثالث. إلا أن الإمارات تمكنت من الحصول على دعم دبلوماسي من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وهي لحظة نادرة تجد فيها إيران نفسها في مواجهة مع الصين وروسيا.
وذُكر في كتاب “بلاد فارس والمسألة الفارسية” الصادر عام 1892، أن جورج كورزون، نائب الملك والحاكم العام للهند، قال إن الجزر تعود ملكيتها لإيران بناءً على خرائط أعدتها الجمعية الجغرافية الملكية.
وتقول الإمارات إن الموقف البريطاني كان متغيرا، وإن الجزر كانت تاريخيا تابعة لسلالة القواسم التي حكمت الشارقة.
وذكر موقع “بي بي سي”، أن هناك وثائق سرية تفيد بأن بريطانيا درست شراء الجزر المتنازع عليها في الخليج من العرب وإهداءها إلى نظام الشاه أو تأجيرها له، بهدف تسوية النزاع وضمان الاستقرار في المنطقة.
كما تؤكد الوثائق، أن الحكومة البريطانية كانت على دراية كاملة بقرار إيران “احتلال” الجزر بالقوة العسكرية بمجرد انتهاء الحماية البريطانية، وأنها نبهت حكام إمارات الخليج إلى هذا بوضوح.
وجاء اقتراح شراء الجزر ضمن سيناريوهات لحل الأزمة بين نظام شاه إيران محمد رضا بهلوي و إمارتي الشارقة ورأس الخيمة بشأن السيادة على جزر أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، التي كانت بريطانيا تعترف بالسيادة العربية عليها منذ عشرات السنين.