كتبت: شروق السيد
تواجه إيران أزمة مياه متفاقمة تشكل تهديدا كبيرا على الحياة اليومية والصناعية، حيث إن نقص المياه لم يعد يقتصر على مناطق محددة، بل امتد ليشمل العاصمة طهران ومحافظات عديدة مثل خراسان وجلستان، ويعود هذا النقص إلى عدة عوامل، منها التغيرات المناخية والنمو السكاني وسوء الإدارة المائية، إضافة إلى النزاعات المائية الإقليمية، مثل تلك المتعلقة بنهري هيرمند وأرس مع أفغانستان وتركيا.
بزشكيان: بسبب الزيادة السكانية قد يصبح نقص المياه في طهران خطيرا
قال الرئيس الإيراني خلال لقائه مع هيئة رئاسة جبهة الإصلاحات يوم الخميس 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024: “تواجه طهران، بصفتها العاصمة السياسية، العديد من المشكلات، من ضمنها أزمة المياه، ومع تزايد عدد السكان، قد تصبح أزمة نقص المياه في طهران أكثر حدة في المستقبل، ويجب إيجاد حلول لمشكلة الكثافة السكانية في المدينة”، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “أكوإيران“.
أزمة المياه في إيران
تُعد أزمة المياه في إيران واحدة من أكبر المشكلات التي أثرت في السنوات الأخيرة على جميع جوانب الحياة والصناعة، هناك العديد من الأسباب وراء هذه الأزمة، بعضها مرتبط بالظروف المناخية والجغرافية، والبعض الآخر نتيجة لسوء الإدارة في هذا المجال.
أسباب أزمة المياه في إيران
الجفاف
تُعتبر إيران من الدول ذات المناخ الجاف وشبه الجاف، وتظهر هذه المشكلة بشكل أكبر في المناطق الشرقية والوسطى من البلاد، بشكل عام، تعاني إيران من انخفاض معدلات هطول الأمطار السنوية، مما يجعل أغلب مناطقها ذات طبيعة صحراوية وشبه صحراوية، ما يؤدي إلى نقص في الموارد المائية.
خلال العقدين الماضيين، ازدادت مشكلة الجفاف، حيث أثرت بشكل كبير على معدلات هطول الأمطار، على سبيل المثال، انخفض متوسط معدل الأمطار السنوي من 154 ملم إلى 150 ملم.

الزيادة السكانية
النمو السكاني وزيادة استهلاك المياه من العوامل الأخرى التي فاقمت أزمة المياه في إيران. في العقود الماضية، أدى النمو السكاني إلى زيادة الحاجة إلى الموارد المائية، ومع استمرار الجفاف، تراجعت مستويات المياه الجوفية والاحتياطيات المائية في السدود بشكل كبير، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “گروه صنعتی هفت“.
أزمة المياه في طهران
قال مسعود بزشکیان: “لقد تجاهلنا تحقيق التوازن بين الموارد والاستهلاك، وسنتلقى صفعة من الطبيعة، في المستقبل، كيف سنوفر المياه والموارد في طهران؟ لقد طورنا طهران بطريقة لا يمكن أن يكون لدينا مساحة جيدة للعيش فيها في المستقبل”.
وفي هذا السياق، صرّحت بنفشه زهرایی حول قدرة طهران على استيعاب السكان والصناعات والخدمات بالنظر إلى وضع الموارد المائية في هذه المدينة الكبرى: “تُعد محافظة طهران، التي يزيد عدد سكانها على 14 مليون نسمة، المحافظة الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، يعيش أكثر من 60% من هذا العدد في مدينة طهران، وقد أعلن مؤخرا محافظ طهران أن عدد سكان طهران تجاوز 18 مليون نسمة، مع زيادة سنوية بنسبة 5%”، وذلك حسبما ذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا“.

أزمة المياه في خراسان رضوى
قال میثم مجیدی، الخبير في مجال المياه: “أزمة نقص المياه أصبحت قضية خطيرة في جميع مدن محافظة خراسان الرضوية، لدرجة أننا نشهد في بعض القرى موجة من الهجرة نحو أطراف المدن”، وذلك حسبما ذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا“.
أزمة المياه في جلستان
قال سید علي أکبر حسینی، ممثل محافظة جلستان في المجلس الأعلى للمحافظات: “قليلون يمكنهم تصور أن محافظة جلستان، الواقعة عند سفوح سلسلة جبال البرز الشاهقة، بجوار غابات هيركاني القديمة والمحيط بالبحر، تواجه أزمة نقص المياه، لا سيما في قطاع مياه الشرب”.
وأضاف: “في بعض القرى، لا يزال يتم تزويد السكان بالمياه عبر صهاريج، وهو وضع لا يليق أبدا بجمال جلستان”، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “شوارى عالي استان هاي”.
أزمة المياه بين إيران وأفغانستان
المناقشات حول المياه بين إيران وأفغانستان بشأن حقّ مياه هيرمند لسكان سيستان وبلوشستان مستمرة منذ سنوات، ولكن بعد الشروع في بناء سد باند باشدان على نهر هریرود تفاقمت هذه الأزمة، أفاد موقع “خبر أونلاين” في تقرير، بأن أفغانستان تعمل على إكمال مشروع سد باشدان، وهو أحد أكبر السدود في أفغانستان، ويقع بالقرب من الحدود مع إيران على نهر هریرود، هذا السد، وفقا للخبراء، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات المائية والبيئية في إيران وطاجيكستان.
بحسب تصريحات حركة طالبان، فإن استكمال المرحلة الثانية من السد في المنطقة العليا من نهر هریرود، بالقرب من إيران، قد يستغرق خمسة أشهر فقط. ومع اكتمال سد باشدان، ستتأثر محافظة خراسان الإيرانية أيضا، كما هو الحال مع سيستان وبلوشستان، نتيجة نقص المياه. السد يُبنى في محافظة هراة غرب أفغانستان.
خصائص سد باشدان:
سعة تخزين: 45 مليون متر مكعب من المياه.
إنتاج الكهرباء: قدرته على إنتاج 2 ميغاواط.
الري: توفير المياه لري 13 ألف هكتار من الأراضي الزراعية.
تأثير السد على المنطقة:
أنصار مشروع السد يرون أنه سيساعد في حل أزمة نقص المياه في هراة، وفقا لمسؤولي إدارة المياه في هرات، فإن استخدام المياه السطحية لهذا السد سيعالج أزمة نقص المياه في الإقليم، وسيحمي السكان من الأزمات المستقبلية، ومع ذلك، لم تذكر السلطات الأفغانية، كما هو الحال مع سد كمال خان، أي شيء عن حقّ مياه إيران من هذا السد.
موقف إيران:
وفقا للمتحدث باسم قطاع المياه الإيراني، فإن “تدفق المياه من أفغانستان إلى إيران حاليا معدوم”، ولم تحصل إيران على حقّها من مياه هيرمند، ويطالب المسؤولون الإيرانيون بأن تلتزم أفغانستان بالمعاهدات الدولية وتوفر حصة إيران من المياه.
في العامين الماضيين، أكدت طالبان مرارا وتكرارا أنها تواجه نقصا في المياه، ومن ثم لا تستطيع تلبية حقّ مياه إيران.
وقال وزير الطاقة والمياه في حكومة طالبان، عبد اللطيف منصور، إنه “وفقا للبيانات المتاحة، فإن تدفق المياه نحو إيران سيستمر بمعدل مقبول حتى 20 مايو/أيار”، وأضاف أن أبواب سد كمال خان مفتوحة، وأنه يأمل أن تؤدي الأمطار المستمرة إلى توفير جزء كبير من حصة إيران من المياه خلال العام المائي الجديد.
ولكن أبو الفضل ظهرهوند، السفير الإيراني السابق لدى أفغانستان، يعتقد أن المياه التي وصلت إلى إيران مؤخرا كانت نتيجة فيضانات لم تستطع أفغانستان السيطرة عليها، ما اضطرها إلى إطلاقها باتجاه إيران، ظهرهوند صرّح لوكالة إيلنا بأن بناء سدود مثل باشدان جزء من خطة أفغانية للسيطرة على ما تبقى من المياه التي كانت تصل إلى إيران، واستخدامها كورقة ضغط على إيران، كما أشار إلى أن هذه السدود تؤثر سلبا على النظام البيئي بأكمله، حيث لم تعد المياه تتدفق حتى إلى تركمانستان كما كان الحال سابقا.
أزمة المياه بين إيران وتركيا
تسعى تركيا حاليا إلى بناء عدة سدود وتقييد تدفق مياه نهر أرس، وهو نهر ذو أهمية استراتيجية كبيرة لقطاع الزراعة في شمال غربي إيران، مما قد يؤدي إلى أزمة خطيرة في ظل الظروف الحالية.
وفي هذا الصدد، قال محمد درویش، الخبير البيئي، حول تدخلات تركيا في مياه أرس: “حوض نهر أرس يُعدّ من أهم أحواضنا المائية، في إيران، لدينا 12 مليار متر مكعب من المياه الداخلة و11 مليار متر مكعب من المياه الخارجة، مما يعني أن لدينا توازنا إيجابيا بمقدار مليار متر مكعب على صعيد المياه الحدودية”.
وأضاف: “على مدار سنوات، انطلقت منافسة غير مكتوبة بين دول الجوار، وضمن ذلك إيران، لبناء سدود عديدة على الأنهار الحدودية، مثال واضح على ذلك هو سد كجكي الذي بنته الولايات المتحدة للأفغان، ما أدى إلى تعطيل نهر هریرود الذي تعتمد عليه حضارة شرق إيران بشكل كبير”.
وفي ما يتعلق بعدم إجراء مفاوضات حول المياه، أوضح: “حاليا، يتم استخراج المياه الجوفية المشتركة بيننا وبين تركمانستان بسرعة كبيرة، والميل الجوفي يتجه نحو تركمانستان، ما يعني فقداننا لهذه الموارد”.
وحول المشروع التركي الأخير لتقييد مياه أرس، أشار درویش إلى أنه “في إطار مشروع داب الذي تنفذه تركيا، تتحكم تركيا في نحو 4.473 مليار متر مكعب من مياه أرس، وهو ما يعادل أكثر بمليار متر مكعب من سعة سد كرخة، تقوم تركيا حاليا ببناء 3 سدود، بسعة إجمالية تبلغ 3.743 مليار متر مكعب، مما سيحد من 83% من المياه الداخلة من تركيا إلى إيران. هذا سيضر إيران بشدة، كما ستتضرر أذربيجان أيضا”، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “عصر إيران“.