كتب: ربيع السعدني
يعد تغير المناخ أحد أهم التحديات في هذا القرن، وتشتد هذه التغيرات لأسباب مثل زيادة الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، وتغير استخدام الأراضي، وبسبب الظروف المناخية الخاصة بها، تعتبر إيران واحدة من المناطق الأكثر حساسية لهذه التغيرات المناخية، والتي تتأثر بعوامل عديدة مثل هطول الأمطار ودرجة الحرارة.
وتقع طهران التي يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي فيها حوالي 250 ملم، بشكل رئيسي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، وقد أدت هذه الظروف إلى زيادة تعرض البلاد لتغير المناخ وفقا لتقرير وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا“، في 18 فبراير/شباط 2025، كما تشكل المناطق القاحلة وشبه القاحلة، جزءا كبيرا من مساحة إيران، وهي لا تواجه انخفاضا في معدلات هطول الأمطار فحسب، بل تعاني أيضا من تفاقم الجفاف بسبب ارتفاع درجات الحرارة ولا يؤدي الجفاف إلى خسائر اقتصادية فحسب، بل يشكل أيضا تهديدا خطيرا للأمن المائي والغذائي.
مفاجأة في تحليل نتائج تغير المناخ بين عامي 1961 و2022
في هذه الأثناء، أجرى فريق من الباحثين من جامعة فردوسي في مشهد، بالتعاون مع معهد الأرصاد الجوية وعلوم الغلاف الجوي، أبحاثا لدراسة التغيرات في المناطق المناخية بإيران منذ منتصف القرن العشرين، وذلك باستخدام بيانات من محطات الأرصاد الجوية في جميع أنحاء البلاد، بتحليل تغير المناخ بين عامي (1961 و2022)، ولإجراء هذه الدراسة، قام الباحثون بتقسيم بيانات المناخ في البلاد إلى فترتين زمنيتين: الفترة المرجعية الطبيعية (1961-1990) والفترة الطبيعية الحديثة (1993-2022)، عبر استخدام مؤشرين علميين لتصنيف مناخ المحطات الأرصادية، من خلال تحليل هطول الأمطار ودرجة الحرارة، ومناخ كل منطقة إلى فئات مختلفة مثل الرطب، وشبه الرطب، وشبه الجاف، والجاف.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن عدد المحطات ذات المناخ الرطب انخفض خلال العقود الستة الماضية من (9-5) محطات، في حين زاد عدد المحطات شبه القاحلة والجافة بشكل كبير، كما ارتفع عدد المحطات ذات المناخ الصحراوي من (4-6) محطات، وبناءً على المؤشرات، ارتفع عدد المحطات التي تتراوح من شبه القاحلة إلى القاحلة للغاية، في حين انخفض عدد المحطات ذات المناخ المتوسطي والرطب بشكل كبير.
كما توصل الباحثون إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ في أكثر من 75% من المحطات، وأن التبخر كان أيضا في اتجاه تصاعدي في معظم أنحاء البلاد في حين أن حوالي 31% من المحطات شهدت انخفاضا كبيرا في هطول الأمطار ولا تشير هذه التغيرات إلى استمرار الجفاف في العديد من أجزاء البلاد فحسب، بل تشير أيضا إلى تكثيف الظروف المناخية الجافة في المستقبل، وتكمن أهمية هذه النتائج في أنها تكشف أن مناخ إيران يتغير بسرعة نحو مناخ أكثر جفافا، كما أن تغير المناخ لا يصبح حالة طبيعية جديدة فحسب، بل يعرض أيضا الأمن المائي والغذائي للخطر، خاصة في المدن ذات الكثافة السكانية العالية.
ونُشرت هذه النتائج العلمية في المجلة الفصلية “بحوث الجغرافيا الطبيعية” التابعة لجامعة طهران، ومن الواضح أن نتائج هذا البحث يمكن أن تشكل توجيهاً فعالاً للتخطيط وصنع السياسات طويلة الأجل المتعلقة بتغير المناخ في البلاد.
118 طبقة جوفية مهددة بالجفاف
وفي هذا الصدد حذر خبير بيئي من الإفراط في استخراج المياه الجوفية في البلاد، مشيرا إلى أن إيران لديها حاليا 604 طبقات مياه جوفية، لكن التوقعات تشير إلى أنه بحلول عام 2041، سوف يجف حوالي 118 طبقة مياه جوفية تماما، ما يهدد بوضع إيران على حافة العطش والجفاف.
تلعب المياه الجوفية كمصدر حيوي للمياه دورا مهما في توفير مياه الشرب والزراعة والصناعة، وتم تغذية هذه الموارد الطبيعية من خلال هطول الأمطار وتسرب المياه على مر السنين، ولكن في السنوات الأخيرة، مع انخفاض هطول الأمطار والحصاد المفرط، زاد استنزافها بسرعة ولم تقتصر هذه الظاهرة المقلقة على تعريض الأمن المائي للبلاد للخطر فحسب، بل أدت أيضا إلى عواقب بيئية واسعة النطاق مثل هبوط التربة، وانخفاض جودة المياه، وتجفيف الآبار.
الحصاد المفرط واستنزاف المياه الجوفية
وتشير التقارير إلى أن معدل استخراج المياه الجوفية في إيران يتجاوز بكثير المعايير العالمية ويبلغ متوسط سحب المياه الجوفية المستدامة في العالم حوالي 20% من حجم الموارد المائية المتجددة، ولكن في إيران يصل هذا الرقم إلى أكثر من 70% وهو ما يعادل حوالي 3.5 أضعاف المتوسط العالمي، ويُظهر هذا الاتجاه المثير للقلق أن موارد المياه الجوفية في إيران تتناقص بمعدل أسرع من معدل تجديدها الطبيعي، وبحسب إحصائيات وزارة الطاقة، تم خلال العقود الأربعة الماضية استخراج أكثر من 130 مليار متر مكعب من احتياطيات المياه الجوفية الاستراتيجية في البلاد، وتعادل هذه الكمية حجم المياه اللازمة لتزويد البلاد بمياه الشرب لسنوات.
انخفاض هطول الأمطار
ويوجد سبب آخر مهم، لاستنزاف المياه الجوفية وهو انخفاض معدلات هطول الأمطار وتغير المناخ وبحسب بيانات منظمة الأرصاد الجوية، فإن متوسط هطول الأمطار السنوي في إيران انخفض في العقود الأخيرة وأصبح أقل بنحو 50% من المتوسط العالمي ومن ناحية أخرى، أدى ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى زيادة التبخر وتقليل تسرب المياه إلى طبقات المياه الجوفية، مما أدى إلى تسريع معدل انخفاض مستويات المياه الجوفية.
عواقب استنزاف المياه الجوفية
كما يعد هبوط التربة إحدى عواقب استنزاف المياه الجوفية، ونتيجة لذلك، تشهد العديد من السهول في إيران، بما في ذلك طهران وكرمان وأصفهان وهمدان، حاليا هبوط التربة بسبب الانخفاض الحاد في مستويات المياه الجوفية، ووصل معدل الهبوط في بعض المناطق إلى 25 سنتيمترا سنويا، في حين أن المعيار الحرج العالمي هو 4 ملليمترات سنويا.
كما أدى انخفاض منسوب المياه الجوفية إلى جفاف آلاف الآبار العميقة وشبه العميقة في البلاد، مما يعرض حياة المزارعين وسكان المناطق الريفية للخطر وبالإضافة إلى ذلك، ومع انخفاض مستويات المياه الجوفية، زاد تسرب المياه المالحة إلى طبقات المياه الجوفية، وتدهورت جودة المياه في العديد من المناطق.
بخصوص هذه القضية، وفي إشارة إلى تحديات الموارد المائية في الهضبة الوسطى للبلاد، قال الخبير البيئي في إدارة المصادر المائية محسن موسوي خوانساري؛ لوكالة تسنيم للأنباء: “على الرغم من استضافة 60% من سكان إيران، فإن هذه المنطقة لديها 10% فقط من موارد المياه المتجددة في البلاد”، وتابع: “إن الطاقة المائية للهضبة الوسطى لا تكفي لهذا المستوى من التحميل السكاني والزراعي والصناعي، واستمرار هذا الاتجاه أدى إلى الإفراط في استخراج الموارد المتجددة وغير المتجددة”.
استهلاك نصف الموارد المائية غير المتجددة في الهضبة الوسطى
وقال خوانساري إن إجمالي حجم المياه غير المتجددة في الهضبة الوسطى يقدر بنحو 300 مليار متر مكعب، تم استهلاك 150 مليار متر مكعب منها حتى الآن، وهذا التصور هو في الواقع استهلاك موارد المياه للأجيال القادمة من قبل الجيل الحالي.
توقعات بجفاف 118 بئرا
وقال الخبير البيئي إن إيران تمتلك حاليا 604 طبقات من المياه الجوفية، لكن التوقعات تشير إلى أنه بحلول عام 2041 سوف يجف نحو 118 طبقة من المياه الجوفية تماما، وجميعها تقع في الهضبة الوسطى في إيران، على سبيل المثال، تواجه طبقات المياه الجوفية في سهل برخار ومهيار في أصفهان خطر الدمار والجفاف الكامل بحلول العام 2031.
الحصاد المفرط والفشل في توفير الفوائد البيئية
وفي إشارة إلى أسباب الانخفاض الحاد في منسوب المياه الجوفية، أكد خوانساري أن غياب الحقوق البيئية للمياه هو أحد العوامل المهمة في هذه الأزمة، وبحسب المعايير البيئية، ينبغي تخصيص ثلث مياه الجريان السطحي للأنهار للبيئة للمساعدة في تجديد مخزون المياه الجوفية، ولكن تم تجاهل هذه القضية، كما أن الحفر الواسع النطاق للآبار المرخصة وغير المرخصة، وانخفاض معدلات هطول الأمطار، والافتقار إلى التغذية السليمة للمياه الجوفية، قد تسبب في انخفاض حاد في موارد المياه الجوفية وزيادة خطر هبوط الأرض وهو ما يحدث سنويا لـ25 سنتيمترا من الأرض جنوب طهران، بحسب خوانساري الذي يعتبر هذه الظاهرة تهديدا خطيرا للبنية التحتية والطرق وخطوط السكك الحديدية في البلاد، كما أن ضغط الطبقات الجوفية نتيجة تراجع الموارد المائية جعل الهبوط غير قابل للإصلاح.
الحلول المقترحة لإدارة أزمة المياه
وأشار الخبير في إدارة المصادر المائية محسن موسوي خوانساري إلى الحلول المقترحة لإدارة أزمة المياه وهي كالتالي:
- نقل الصناعات كثيفة الاستهلاك للمياه إلى الساحل الجنوبي ومكران.
- تخفيف الأعباء السكانية والزراعية على الهضبة الوسطى كحلول أساسية لمنع تفاقم الأزمة.
- ووفقا لخطة التنمية السابعة، يجب إعادة 15 مليار متر مكعب من المياه الجارية إلى الأنهار سنويا لمنع المزيد من تدمير طبقات المياه الجوفية.
- كما ينبغي نقل 8.5% من سكان البلاد إلى ساحل مكران لتخفيف الضغط على الموارد المائية في الهضبة الوسطى.