ترجمة: يسرا شمندي
نشرت صحيفة “هم ميهن“، 1 يناير/كانون الثاني 2025، تقريرا أفادت فيه بأن هناك سلسلة من المؤشرات والتصريحات تشير إلى فصل شتاء غير عادي قد يشهده المشهد السياسي الإيراني على الصعيدين الداخلي والخارجي، فالنظام السياسي يجد نفسه أمام تحديات مزدوجة، فمن جهة، ضرورة حسم موقفه تجاه إدارة ترامب والمتشددين الأمريكيين، ومن جهة أخرى، مواجهة تصاعد نفوذ المتشددين في الداخل الذين يصطفون خلف شخصيات بارزة مثل مستشار المرشد الإيراني وزعيم دولة الظل سعيد جليلي.
استهلت الصحيفة التقرير متسائلة: هل هناك نسيم قادم؟ أم هل ثمة بارقة أمل؟ هل هناك بوادر ومؤشرات على دخول الحكومة المرحلة الثانية واتخاذ خطوات جدية لدفع سياساتها للأمام؟
وأشارت إلى أن الأحداث التي وقعت في الأسبوع الأخير تعتبر دلائل على هذه المؤشرات. فإذا اعتبرنا إيقاف تنفيذ قانون الحجاب بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر/كانون الأول 2024 كأول علامة على تنفيذ إجراءات الحكومة، فإن الخطوة الأولى لرفع الحظر عن الشبكات الاجتماعية التي حدثت الأسبوع الماضي، بقرار من المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، كانت الخطوة الثانية في هذا المسار.
وأضافت الصحيفة أن المعارضين المتشددين حاولوا سواء من خلال التحركات والهجمات والاتهامات السياسية على مستوى الإعلام أو على شبكة الإنترنت، أو من خلال التجمعات الميدانية باستخدام الدراجات النارية، للتقليل من إنجازات الحكومة أو تصويرها كقضايا هامشية وأحيانا تهديدات للنظام، أو عبر طرح قضايا وصنع أخبار مثل “إصدار قانون الحجاب في الشتاء” أو “عدم اليقين بشأن رفع الحظر وضرورة موافقة المرشد على القرار”، أو سعي هؤلاء لزرع الشكوك في المجتمع حول جدية وفعالية الخطوات التي تم اتخاذها.
مع ذلك، تظهر الأحداث الأخيرة أن محاولات المعارضة المتشددة للحكومة قد أسفرت عن نتائج عكسية. من جهة، رغم أن المجتمع كان يتوقع المزيد من الحكومة في تقليل الضغوط والقيود الاجتماعية والثقافية والإعلامية، خاصة في مجال رفع الحظر، ويرى القرار الأخير مجرد خطوة أولى، كما أكد مسؤولو الحكومة بما في ذلك وزير الاتصالات وأيضا الرئيس بنفسه في الأيام الأخيرة، إلا أن جزءا كبيرا من الشعب يرى في هذه الخطوة دليلا على الأمل في كسر القيود أمام “الحياة الرائجة”.
وأضافت الصحيفة أنه حتى بعض الأحزاب الدينية وبعض الأصوليين لم يظهروا تفاعلا كبيرا مع حملات المتشددين، فعلى سبيل المثال، لاقت التجمعات الميدانية والمرورية، 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، أقل استجابة ممكنة، وأظهرت أنه حتى المصلين الذين لا يُشَكُّ في ولائهم وارتباطهم بالقيم الدينية، لا يؤيدون هذه التحركات، ولم يعتبروا رفع الحظر مخالفا لتلك القيم ولا ضارا بالأمن الوطني ومصلحة النظام.
وتابعت أن استطلاعات الرأي السابقة في موضوع الحجاب أظهرت أن بين 60 و70 بالمئة من النساء المحجبات يعارضن الدوريات والاعتداءات في الشوارع والضغط على النساء والفتيات. وفي الأسابيع الأخيرة، تبين أن قرار البرلمان بشأن الحجاب لاقى أقل تأييد سياسي واجتماعي، حتى إن العديد من واضعي هذا القانون لم يكونوا مستعدين للدفاع عن قرارهم حين الاعتراض عليه. كما أن مواقع إصلاحية مثل “تابناك” ذكرت أن العديد من المؤسسات والخبراء الأمنيين يعارضون هذا القانون، وهو الأمر الذي أدى في النهاية إلى قرار المجلس الأعلى للأمن القومي بتعليق هذا القانون مرة أخرى.
وبينت الصحيفة أنه بعد اتخاذ هاتين الخطوتين أظهرت الأخبار والتصريحات من كبار مسؤولي الحكومة حدوث تغييرات جديدة في مجالات الاقتصاد والسياسة الخارجية. في الواقع، في الأيام التي يستغل فيها الإعلام والفاعلون المتشددون المعارضون للحكومة الوضع الناجم عن ارتفاع سعر العملة، لتأليف سيناريوهات ضد الشخصيات والإداريين الإصلاحيين والمعتدلين في الحكومة، ويحاولون تحميل الحكومة الحالية مسؤولية زيادة سعر العملة أو اختلال التوازن في الطاقة من خلال سرد القصص حول أداء الحكومة السابقة؛ تشير الأخبار الجديدة إلى أن الحكومة، بدعم وتأييد كامل من النظام، تتخذ خطوات للأمام لمعالجة الأسباب الرئيسية للمشاكل الاقتصادية واختلالات التوازن.
وأضافت أن علامات هذا الحدث الجديد يمكن ملاحظتها أولا في تصريحات كبار مسؤولي الحكومة الرابعة عشرة، كما أعلن وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، في تغريدة بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، عن صدور تصريح بإعادة دراسة لوائح مجموعة العمل المالي في مجمع تشخيص مصلحة النظام من قبل المرشد لرئيس الجمهورية، وبعد ساعة، أكد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، هذا الخبر بنفسه، قائلا إن لوائح مجموعة العمل المالي ستتم دراستها في المجمع.
والجدير بالذكر أن الممثل الخاص لرئيس الجمهورية في تطوير السواحل، علي عبد العلي زاده، أكد ضرورة التفاوض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأعلن أن النظام قد توصل إلى نتيجة بشأن “المفاوضات المباشرة” (مع الجانب الأمريكي). إن هذه التصريحات تأخذ دلالة أكبر في اليوم التالي لوصول وزير خارجية عمان إلى طهران، حيث قيل إنه كان يحمل رسالة من الجانب الأمريكي، وكذلك مع اقتراب زيارة الوسيط الجديد من اليابان.
ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها محافظ البنك المركزي الإيراني حول ارتفاع سعر العملة، فقد أكد النائب الأول لرئيس إيران محمد رضا عارف، عزم الحكومة على توحيد سعر العملة . وفي السياق نفسه، جاءت تصريحات اثنين من منافسي الرئيس الانتخابيين لتلفت الانتباه، حيث حملت إشارات على وجود دعم كبير لتعزيز سياسات الحكومة والمضي بها قُدما.
وذكرت أن الاتفاق الأول كان دعم رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، لوزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، حيث ذكر بصراحة للنواب المعارضين للحكومة “تأكيد القيادة الحازم” على “التعاون البناء مع الحكومة”. قد لا يكون موقف قاليباف هذا في دعم الحكومة مفاجئا بشكل كبير، رغم أنه في وقتٍ سابق طرح مواقف مثيرة للجدل حول قانون الحجاب أو ضرورة استقالة نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، من الحكومة.
وأشارت إلى أن ما يلفت النظر أكثر من معارضة قاليباف لاستجواب همتي، الذي يعكس الدعم العام للسياسة الاقتصادية للحكومة، هو النص الذي نشره عمدة طهران علي رضا زاكاني بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، في دعم الحكومة بقيادة بزشكيان في الفضاء الإلكتروني. انتقد زاكاني فيه بشدة بعض منافسي رئيس الجمهورية الذين يسعون إلى تعطيل الحكومة، واعتبر تصرفاتهم “خيانة”. هذا الموقف فُسِّر في الساحتين السياسية والإعلامية كإشارة قوية وتحذير من زاكاني إلى سعيد جليلي ومؤيديه، الذين لم يتوقفوا منذ تشكيل الحكومة الرابعة عن محاولة إسقاطها.
وأضافت أنه في الأسابيع الأخيرة، لجأ هؤلاء إلى تحركات إعلامية ونشر شائعات عن “استقالة بزشكيان” أو تأكيد “استجواب الرئيس”، بل تم نشر شائعات في صحيفة “كيهان” بشأن تحركاتهم ودعمها من “الحركات الثورية”. ويتضح من تزايد الانتقادات الداخلية من الأصوليين تجاه مؤيدي جليلي، الذي دفع بعض الأفراد مثل زاكاني للدفاع عن الحكومة، أن هناك إمكانية لاتخاذ قرارات كبيرة على مستوى القيادة، ويبدو أن المتشددين ليس أمامهم سوى التراجع أو دفع ثمن تحركاتهم وهجماتهم ضد الحكومة.
واختتمت الصحيفة بأنه يبدو أن صبر الجميع على وشك النفاد، فهذه الأخبار والتصريحات والتلميحات تشير إلى شتاء مليء بالتطورات الداخلية والخارجية. شتاء يجب على النظام السياسي فيه أن يحدد موقفه تجاه ترامب والمتشددين الأمريكيين، وأن يواجه المتشددين الإيرانيين الذين يعتبرون أنفسهم أنصار شخصيات مثل جليلي.