كتب: محمد بركات
في خطوة دبلوماسية وحكومية أثارت قلقا في منطقة غرب آسيا، فقد أعلنت الحكومة الأرمينية، الخميس 9 يناير/كانون الثاني 2025، عن موافقتها على مشروع قانون يقترح السياسات اللازمة لبدء عملية انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي.
حيث صرح أرارات ميرزويان، وزير الخارجية الأرميني والمتحدث الرئيسي في هذا الشأن، بأن هذا المشروع قد قدم كاقتراح شعبي إلى البرلمان الوطني، والآن يتعين على الحكومة أن تعلن موقفها الرسمي بشأنه.
وأشار ميرزويان خلال حديثه، إلى العلاقات الديناميكية والمتنامية بين أرمينيا والاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، حيث صرح: “لقد دعم الاتحاد الأوروبي الديمقراطية في أرمينيا في مناسبات متعددة، وأبدى استعدادا للمساعدة في تأمين أرمينيا وشارك في ذلك عمليا، كما أعلن الاتحاد الأوروبي استعداده للمساعدة في تعزيز الاقتصاد الأرميني. كذلك، فقد أكدت أرمينيا استعدادها للتقارب مع الاتحاد الأوروبي قدر الإمكان. لقد رأينا دلائل على هذا التوجه، وبناء على هذه الظروف، أقترح الموافقة على مشروع القانون”.
وبهذا الشأن فقد أكد نيكول باشينيان، رئيس الوزراء الأرميني، خلال اجتماع الحكومة الخميس 9 يناير/كانون الثاني 2025، أن الموافقة على هذا القانون لا تعني الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقال إن هذا القرار يتطلب إجراء استفتاء.
وقد أضاف باشينيان: “وفقا لدستورنا، لا يمكن اتخاذ قرار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو أي منظمة فوق وطنية أخرى إلا من خلال استفتاء. بمعنى آخر، لا يمكن لأرمينيا أن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي تحت أي ظرف من الظروف دون إجراء استفتاء وموافقة أغلبية المشاركين فيه”، مشيرا إلى أن “أرمينيا بحاجة إلى مناقشة مسألة الانضمام مع الاتحاد الأوروبي قبل إجراء الاستفتاء”.
كما أوضح أنه “بعد الموافقة على هذا القانون، يجب علينا التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن خارطة الطريق التي نراها نحن وهُم، ويجب أن نعمل معا على صياغة خارطة الطريق. أقول هذا لأنني أعتقد أنه قبل بدء هذه المفاوضات، يجب على جمهورية أرمينيا الامتناع عن أي إجراء آخر؛ وأقول ذلك لضمان ضبط توقعات المجتمع بشكل صحيح”.
جدير بالذكر أنه في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان باشينيان قد صرح أمام البرلمان الأوروبي، بأن بلاده مستعدة للتقارب مع الاتحاد الأوروبي إلى أقصى حد ممكن، وبعد بضعة أشهر، صرح باشينيان مرة أخرى بأنه غير متأكد مما إذا كان الاتحاد الأوروبي مستعدا لقبول أرمينيا كعضو كامل فيه أم لا.
الاعتراض الروسي
عقب صدور هذا الخبر، صرح أليكسي أوفرتشوك، نائب رئيس الوزراء الروسي، الخميس 9 يناير/كانون الثاني 2025، بأن الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي غير متوافقين، وأن مشروع انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي سيجبرها على الاختيار بين أحدهما.
وقد قال أوفرتشوك إن “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والاتحاد الأوروبي يعتمدان على مبدأ عدم وجود حدود جمركية والتنقل الحر للسلع والخدمات ورأس المال والقوى العاملة. لذا فإن مشروع القانون المتعلق ببدء عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والذي يتم بحثه حاليا في جمهورية أرمينيا، يضع هذا البلد بين خيارين متناقضين”.
وأكد أوفرتشوك أنه إذا قطعت أرمينيا علاقاتها مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، فإن أسعار الطاقة والمواد الغذائية في أرمينيا سترتفع، وستتراجع صادرات السلع الأرمنية بنسبة 80%، مضيفا: “سيخسر المواطنون العاديون في أرمينيا دخلهم ووظائفهم، وفي المقابل، قد يحصلون فقط على إعفاء من التأشيرات مع الدول الأوروبية، لكن هذا سيؤدي إلى انخفاض في عدد السكان”.
وخلال حديثه سخر أوفرتشوك من هذا القرار، حيث قال: “من الواضح أن العضوية في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي تُعتبر ميزة كبيرة، ومع الأخذ بعين الاعتبار المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، فيمكن مقارنة الانضمام إليه بشراء تذكرة على متن سفينة تايتانيك”، في إشارة منه إلى أن أرمينيا تلقي بنفسها إلى الهلاك.
بين المخاوف والفرص.. أبعاد قرار الانضمام على إيران
يشكل انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي حدثا ذا أبعاد جيوسياسية واقتصادية قد يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على دول المنطقة، وضمن ذلك إيران، فمن جهة، وبالنظر إلى العلاقات التاريخية والجغرافية والاقتصادية بين إيران وأرمينيا، فإن خطوة كهذه قد تفتح فرصا ومجالات جديدة للتعاون والتفاعل بين إيران وأوروبا من خلال أرمينيا، ومن جهة أخرى قد يمثل هذا الانضمام خطرا على الأمن القومي الإيراني.
فحول مخاطر انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي، صرح محمد برينجك، المحلل السياسي التركي والباحث الزائر بمعهد دول آسيا وأفريقيا بجامعة موسكو، 12 يناير/كانون الثاني 2025، في تصريحات لوكالة أنباء تسنيم، قائلا: “إنهم يريدون فصل أرمينيا عن الدول والاتحادات الإقليمية، لأنهم يرون بوضوحٍ أن مشروعا إقليميا يتطور حاليا في جنوب القوقاز، هناك منصة 3+3، وهي منصة تجمع عدة دول من تلك المنطقة، والدول الإقليمية تعمل بجهودها على حل مشاكل المنطقة”.
ويكمل برينجك: “بعد حرب قره باغ الثانية، تهيأت الظروف لتحقيق سلام دائم في جنوب القوقاز، وهناك أيضا إمكانية لتوقيع معاهدة سلام بين أرمينيا وأذربيجان، والسلام والاستقرار في المنطقة يعيقان تنفيذ خطط الغرب، لذلك، فإنهم يسعون إلى خلق فوضى أو نزاعات مستمرة في المنطقة. ولتحقيق ذلك، يحتاجون إلى قاعدة، وأرمينيا هي الدولة الأنسب لتكون قاعدة للغرب”.
فيما أكد برينجك: “بعد استعادة أذربيجان كامل سيادتها الإقليمية، فقد الغرب أداته للتدخل في شؤون المنطقة. الآن، من خلال عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، يسعى الغرب لفصل أرمينيا عن المنطقة واستخدامها كقاعدة ضد جميع دول المنطقة، وضمن ذلك تركيا وروسيا وإيران”.
وحول ذلك أيضا نشرت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية تقريرا الاثنين 13 يناير/كانون الثاني 2025، تقول فيه: “يمكن أن يكون لعملية انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي تداعيات سلبية على كل من روسيا وإيران”.
ويكمل التقرير: “فانضمام أرمينيا، التي تستفيد حاليا من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، إلى الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، يُعد خطوة محفوفة بالمخاطر بشكل طبيعي، فمنذ عام 2022، توجد شبكة تجسس عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي في أرمينيا تحت غطاء مدني، هذا في بلد توجد فيه قاعدة عسكرية روسية، ويجاور إيران أيضا. ففي البداية، تم نشر 40 مراقبا من الاتحاد الأوروبي في أرمينيا لمدة شهرين، لكن عددهم زاد بأكثر من 5 أضعاف، وتم تمديد مدة مهمتهم إلى عامين، ولا يزالون حتى اليوم في المنطقة. ومن المتوقع أنه في شهر فبراير/شباط المقبل، سيتم تمديد وجود هذه البعثة في أرمينيا دون شك، حيث تشير جميع المؤشرات إلى ذلك، وبهذا الإجراء، كشف الاتحاد الأوروبي عن نواياه وبرامجه المتعلقة بإيران وروسيا والتي تمثل خطرا كبيرا على الدولتين”.
وعلى الجانب الآخر، يرى البعض أن هناك منافع ستعود على إيران من جراء هذا الانضمام، فقد ذكر موقع ترابر نيوز الإيراني في تقريره بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 2025، أن أرمينيا تعتبر أرض الفرص بالنسبة لإيران، حيث يمكن أن يساعد انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي في توسيع نطاق وصولها إلى الأسواق الأوروبية، مما يوفر لإيران فرصة لتوسيع صادراتها إلى أوروبا عبر أرمينيا.
كذلك، فقد تسهم أرمينيا، بصفتها دولة مجاورة، في توفير ممر تجاري آمن ومباشر بين إيران وأوروبا، خاصة في ظل العقوبات المفروضة على إيران وصعوبة التعامل المباشر مع الأسواق الأوروبية، من جهة أخرى، فالتعاون في مشروعات البنية التحتية مثل خطوط السكك الحديدية والطرق، التي تربط إيران بأرمينيا ومنها إلى الاتحاد الأوروبي، قد يعزز التجارة الإقليمية.
أيضا فقد ذكر الموقع أن التقارب بين البلدين سيعزز التعاون في مجال الطاقة، فإيران، التي تعد مصدرا رئيسيا للطاقة في المنطقة، قد تستفيد من انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي في زيادة استثمارات البنية التحتية للطاقة بين البلدين لتلبية المعايير الأوروبية، ما يفتح مجالا لإيران لتوسيع نفوذها في قطاع الطاقة الأوروبي، أيضا فقد يعزز ذلك إمكانية تصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر أرمينيا، خاصة إذا تم تخفيف القيود السياسية على إيران.