كتب: مصطفى أفضل زادة، مراسل زاد إيران في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
في عالم الرياضة، تتجاوز المنافسات حدود المسابقات البدنية، لتُجسد القيم والسياسات والعلاقات الدولية بين الدول، وفي هذا الإطار، أصبحت سياسة إيران في الامتناع عن مواجهة الرياضيين الإسرائيليين إحدى القضايا البارزة والمثيرة للجدل في السنوات الأخيرة.أعلى النموذج
ترتبط هذه السياسة بالتحولات السياسية والدينية التي أعقبت الثورة الإيرانية عام 1979، وقد شكلت على مدار السنوات تحديات وأزمات للرياضيين الإيرانيين والاتحادات الرياضية. ورغم الضغوط الكبيرة، لا تزال هذه السياسة قائمة بثبات.
منذ انتصار الثورة الإيرانية، لم تعترف إيران بإسرائيل كدولة مستقلة، إذ تستند في موقفها إلى مبادئها الدينية والعقائدية، وانعكس هذا النهج على مختلف المجالات السياسية والاجتماعية في البلاد، ليصبح في المجال الرياضي مبدأ ثابتا غير قابل للتغيير.
وعلى عكس ما كان عليه الحال قبل الثورة، حين كانت إيران تشارك في المنافسات الرياضية ضد إسرائيل، فقد قُطعت هذه العلاقات بالكامل بعد الثورة، ولم يواجه الرياضيون الإيرانيون نظراءهم الإسرائيليين في أي منافسة. ورغم الضغوط والوعود المغرية من الخارج، ظل العديد من الرياضيين الإيرانيين متمسكين بموقفهم، رافضين الانضمام إلى المعارضين أو الهجرة إلى الخارج.
هناك العديد من الحالات التي امتنع فيها الرياضيون الإيرانيون عن مواجهة منافسيهم الإسرائيليين في البطولات العالمية والألعاب الأولمبية، وفيما يلي بعض أبرز الأمثلة على ذلك.
يُعد آرش مير إسماعيلي، بطل الجودو الإيراني والعالمي، أحد أبرز الرياضيين الذين ضحّوا بمشاركتهم رفضا لمواجهة منافس إسرائيلي، فرغم كونه أحد أبرز المرشحين لنيل الميدالية الذهبية، قرر الانسحاب بطريقة غير مباشرة خلال الجولة الأولى من منافسات الجودو في أولمبياد أثينا 2004، حيث تعمد زيادة وزنه لتجاوز الفئة المسموح بها، مما أدى إلى استبعاده من البطولة.
رفض وحيد سرلك، أحد لاعبي المنتخب الإيراني للجودو، خوض مواجهة أمام منافسه الإسرائيلي في إحدى البطولات العالمية، ليصبح واحدا من العديد من الرياضيين الإيرانيين الذين امتنعوا عن مثل هذه اللقاءات.
وفي عام 2019، انسحب لاعب الشطرنج الإيراني آرین غلامي من بطولة العالم للشطرنج في السويد بعدما رفض مواجهة خصمه الإسرائيلي، مما أدى إلى استبعاده من المنافسات.
أما في عام 2018، فقد شهدت بطولة العالم للمصارعة حادثة بارزة، حيث تعمّد المصارع الإيراني علي رضا كريمي الخسارة في نزاله الأول، لتجنب مواجهة منافس إسرائيلي في الأدوار اللاحقة. هذا القرار لم يؤد فقط إلى استبعاده من البطولة، بل تسبب أيضًا في تراجع ترتيب إيران من المركز الثالث إلى المركز الثامن عالميا.
في بطولة العالم للشباب عام 2013، رفض المصارع الإيراني مصطفى صالحي زاده مواجهة منافسه الإسرائيلي، مما أدى إلى خروجه من المنافسات.
وبالمثل، في بطولة العالم للمصارعة الرومانية بإسطنبول عام 2011، تعمّد محسن حاجي بور الخسارة أمام خصمه المولدوفي لتجنب مواجهة لاعب إسرائيلي في الأدوار التالية.
وفي العام نفسه، انسحب لاعب الجودو الإيراني أمير قاسمي نجاد من البطولة تفاديا لخوض نزال ضد منافس إسرائيلي، مفضلًا الانسحاب على المواجهة.
ولم يقتصر هذا النهج على الرياضيين فحسب، بل امتد إلى مجال التحكيم، حيث رفضت الحكمة الإيرانية فرخنده سليماني، التي كانت ضمن طاقم التحكيم في بطولة العالم لتنس الطاولة عام 2007، إدارة مباراة كان أحد طرفيها رياضيًا إسرائيليا.
في أولمبياد بكين عام 2008، أعلن السباح الإيراني محمد علي رضائي انسحابه من المنافسات، بعدما أوقعته القرعة في مجموعة تضم رياضيا إسرائيليا.
أما في بطولة كرواتيا عام 2005، فقد رفض لاعب التايكوندو الإيراني غلام حسين ذو القدر، أحد نجوم المنتخب الوطني السابقين، الصعود إلى منصة التتويج لاستلام ميداليته، بعدما حلّ منافس إسرائيلي ضمن الثلاثة الأوائل.
لطالما واجهت إيران ضغوطا وتحديات دولية بسبب موقفها الرافض لخوض المنافسات الرياضية ضد الإسرائيليين، حيث تعكس هذه الحالات المتعددة الصعوبات التي يواجهها الرياضيون الإيرانيون في هذا السياق.
عقب امتناع الرياضيين الإيرانيين عن مواجهة نظرائهم الإسرائيليين في بطولة العالم للجودو 2019، ورغم التحذيرات السابقة، أعلن الاتحاد الدولي للجودو فرض عقوبة نهائية على الاتحاد الإيراني، تقضي بحرمانه من المشاركة في جميع البطولات والفعاليات والأنشطة الخاضعة لإشرافه. وجاء في القرار أن إيران ستظل ممنوعة من المنافسات الدولية حتى يوافق رياضيوها رسميا على مواجهة اللاعبين الإسرائيليين.
ومع تصاعد الانتقادات العالمية لهذه السياسة، جددت إيران تمسكها بموقفها الراسخ، مؤكدة أنها لن تخضع للضغوط الخارجية ولن تحيد عن مبادئها.
وفي الوقت الذي تستغل فيه بعض الدول العلاقات الرياضية كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية، أثبتت إيران من خلال إصرارها على موقفها تجاه إسرائيل أن القيم الأخلاقية والدينية تأتي في المقدمة على حساب الإنجازات الرياضية.
ورغم التحديات والضغوط الدولية، لا تزال سياسة إيران في مقاطعة الرياضيين الإسرائيليين تُعتبر بالنسبة لكثير من الإيرانيين رمزًا للمقاومة والالتزام بالمبادئ السياسية والأخلاقية. كما أن هذا الموقف لا يقتصر على الساحة الداخلية، بل يُنظر إليه عالميًا على أنه تعبير عن رفض سياسات الاحتلال الإسرائيلي.