كتبت: شروق السيد
تشهد العلاقات بين إيران والترويكا الأوروبية (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا) تصعيدًا جديدًا على خلفية الملف النووي الإيراني؛ حيث تبادلت الأطراف الاتهامات عبر رسائل رسمية وُجهت إلى مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، جاء هذا التصعيد بعد قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران، الذي تبنته الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ودعا طهران لاتخاذ إجراءات “ضرورية وعاجلة” بشأن القضايا المتعلقة بالضمانات النووية، وفي المقابل ردت إيران بتشغيل الآلاف من أجهزة الطرد المركزي.
إيران: الترويكا الأوروبية تنتهك الاتفاق النووي
في أعقاب الرسالة المشتركة التي بعث بها المندوبون الدائمون لفرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، وجَّه سفير ومندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، سعيد إيرواني، رسالةً إلى مجلس الأمن وأيضاً إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
وفي رسالته التي بعث بها 2 ديسمبر/كانون الأول 2024، وصف إيرواني اتهامات الترويكا الأوروبية بأنها لا أساس لها من الصحة وذات دوافع سياسية، وطالب دول الترويكا بالوقف الفوري لما وصفه بالإجراءات المنتهكة لخطة العمل الشاملة المشتركة والتزاماتها.
وجاء في الرسالة أن الترويكا انتهكت التزاماتها المتعلقة برفع العقوبات، واستمرت في سياساتها العدائية ضد إيران بفرض عقوبات جديدة، بما في ذلك على قطاع الشحن الإيراني وقطاع الطيران.
ووصفت الرسالة الإجراءات الأخيرة للترويكا والولايات المتحدة، بما في ذلك قرار مجلس الحكام ضد إيران في جلسته الأخيرة يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بأنها تتعارض مع الواقع.
ويقول سعيد إيرواني في رسالته: إأن زعم دول الترويكا بأن الخطاب الموجه من إيران إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024 يُظهر نية إيرانية للحصول على أسلحة نووية، هو محض ادعاءات مضللة ولا أساس لها من الصحة، بحسب قوله.
وأضاف أن إيران أوضحت أن هذا الخطاب أُرسل فقط للتحذير من تهديدات إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية، وأكد إيرواني أن برامج إيران النووية تخضع بالكامل لمعاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وأن الأسلحة النووية ليس لها أي مكان في العقيدة الدفاعية الإيرانية.
كما أكد أن إيران تتمسك بما وصفه بحقها غير القابل للتنازل في تطوير الأبحاث وإنتاج واستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، وفقاً للمادتين 1 و2 من المعاهدة، بحسب نص الرسالة.
واختتم إيرواني رسالته بدعوة الترويكا الأوروبية إلى التوقف الفوري عما وصفه بانتهاك الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن رقم 2231، وطالب دول الترويكا بالوفاء بتعهداتها بما يتماشى مع احترام القوانين الدولية.
رسالة الترويكا الأوروبية
وسبق أن اتهم ممثلو الترويكا الأوروبية في رسالتهم إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة في 2 ديسمبر/كانون الأول 2024 إيران بعدم الالتزام بتعهدات الاتفاق النووي وانتهاك قرار مجلس الأمن رقم 2231.
كما وصفت دول الترويكا الرسالة الموجهة من إيران إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024 بأنها تُظهر نية إيرانية للحصول على أسلحة نووية.
الرسالة محل الخلاف
كانت إيران قد وجَّهت رسالة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024، حيث أصدرت البعثة الدائمة لإيران في الأمم المتحدة مذكرة تتضمن آخر ملاحظاتها بشأن تقارير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، والموجهة إلى مجلس محافظي الوكالة.
وأكدت إيران في رسالتها للوكالة التزامها باتفاق الضمانات الشاملة (INFCIRC/214) وجهودها لتمكين الوكالة من التحقق الفعّال من الأنشطة النووية الإيرانية.
كما انتقدت طهران، في رسالتها، تجاهل تقرير غروسي للانسحاب الأمريكي غير القانوني من الاتفاق النووي في 2018 وتأثيراته السلبية، وبررت إيران تعليق التزاماتها استنادًا إلى بنود 26 و36 من الاتفاق النووي التي تسمح لها بتعليق التزاماتها إذا انسحب أحد الموقّعين على الاتفاق، بحسب ما ذكرته رسالة إيران إلى الوكالة، واعتبرت ما وصفته بتقاعس الدول الأوروبية الثلاث عن رفع العقوبات أنه يمثل انتهاكًا واضحًا للاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن 2231.
وذكرت طهران في رسالتها لمجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران، استنادًا إلى القانون المصادق عليه من قِبل البرلمان تحت عنوان “خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات وصيانة مصالح الشعب الإيراني”، قررت في إطار استيفاء حقوقها وفقًا للفقرتين 26 و36 من الاتفاق النووي (برجام)، الالتزام فقط بتعهداتها بموجب اتفاقية الضمانات الشاملة، ولا ينبغي توقع أن تلتزم إيران بشكل كامل بتعهداتها بموجب الاتفاق النووي في ظل استمرار العقوبات الأحادية الجائرة وغير القانونية، بحسب نص الرسالة.
وهو ما اعتبرته دول الترويكا الأوروبية في رسالتها لمجلس الأمن، دليل إدانة لطهران، زاعمة أن هذه الفقرة في الرسالة تُظهر نية إيرانية للحصول على أسلحة نووية، وذلك حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية “ايرنا“.
وهي نفس الرسالة التي استندت عليها دول الترويكا الأوروبية ومعهم الولايات المتحدة الأمريكية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لطرح قرار ضد إيران للتصويت عليه خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتم اعتماد القرار بأغلبية 19 صوتاً، مع امتناع 12 عضواً عن التصويت ومعارضة 3 أعضاء، ودعا القرار المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إعداد تقييم شامل ومحدث بشأن الادعاءات حول وجود أو استخدام محتمل للمواد النووية الإيرانية غير المعلنة، بالإضافة إلى تقديم تقرير كامل حول تعاون إيران مع الوكالة، لتتم مراجعته خلال اجتماع مارس/آذار 2025 لمجلس المحافظين أو كحد أقصى بحلول ربيع 2025، حسبما ذكر الموقع الإيراني “جوان“.
ويأتي تبادل الاتهامات بين إيران والترويكا الأوروبية، عبر رسائلهم لمجلس الأمن الدولي، بعد أيام قليلة من اجتماعهم في جنيف، للتفاوض عقب تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران.
فبعد أكثر من عامين وثلاثة أشهر من توقف المفاوضات النووية، عقد اجتماع بين نواب وزراء خارجية إيران وفرنسا وألمانيا وبريطانيا يوم الجمعة 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في جنيف، سويسرا.
ووصف عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، هذا الاجتماع بأنه “عصف ذهني” وفرصة لاستكشاف سبل للخروج من الوضع الحالي.
كما صرَّح كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية، بعد ساعات من عقد الاجتماع، بأن المفاوضات تناولت آخر المستجدات الثنائية والإقليمية والدولية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا النووية ورفع العقوبات، حيث تم مناقشتها وتقييمها بشكل مفصل.
وأضاف عبر حسابه على منصة إكس: “نحن ملتزمون بحزم بالدفاع عن مصالح شعبنا، ونفضل دائمًا طريق الحوار والتفاعل، وقد تم الاتفاق على مواصلة الحوارات الدبلوماسية في المستقبل القريب”.
إيران والترويكا الأوروبية
طالما شهدت العلاقات بين إيران ودول الترويكا الأوروبية العديد من محطات التصعيد من أبرزها:
– تصويت ممثلي الدول الأوروبية في عام 2003 ضد البرنامج النووي الإيراني بعد عدة جولات من المفاوضات.
– بعد الانسحاب الرسمي للولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، وعد الثلاثي الأوروبي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بتنفيذ التزاماته لضمان بيع النفط وإقامة التبادلات المصرفية مع إيران في غضون شهرين كحد أقصى.
إلا أن التنفيذ تأخر حتى فبراير/شباط 2019، وفي النهاية، تم الإعلان في أكتوبر/تشرين الأول 2019، عن نظام جديد خلال انعقاد اللجنة المشتركة للاتفاق النووي في بداية عام 2020، لكن إيران قالت عنه إنه لا يرقى إلى مستوى توقعاتها ولم تقبل به.
– وفي يناير/كانون الثاني 2019، أعلنت حكومات بريطانيا وفرنسا وألمانيا عبر بيان مشترك عن إطلاق آلية “إينستكس” (INSTEX) بهدف فتح قنوات اقتصادية للدول الراغبة في التجارة مع إيران، ولكن التشغيل الرسمي لهذه الآلية تأجل مراراً.
وفي حين كان من المفترض أن تسهل “إينستكس” مسار بيع النفط الإيراني، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية تحذيراً بشأن إدخال عائدات بيع النفط الإيراني إلى هذه الآلية، وجاء هذا التحذير بعد يوم واحد فقط من اجتماع اللجنة المشتركة للاتفاق النووي في فيينا، الذي أكدت فيه دعمها لتطوير القناة المالية بين إيران وأوروبا، حسبما ذكرت الصحيفة الإيرانية “كيهان“.