كتب: ربيع السعدني
شهدت مدينة جنيف الجولة الجديدة من المحادثات النووية لرفع الحظر بين إيران والترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بالإضافة إلى “إنريكي مورا”، كبير مفاوضي الإتحاد الأوروبي وذلك يوم الاثنين 13 يناير/ كانون الثاني 2025، وتماشيا مع سياسة حكومة بزشكيان حول تخفيف التوتر مع الغرب.
وكانت الجولة الأولى من هذه المحادثات قد عقدت في أكتوبر/تشرين الأول 2024 على هامش الدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وعقدت الجولة الثانية في جنيف، 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بهدف استعراض آخر التطورات الثنائية والإقليمية والدولية، لا سيما القضايا النووية ورفع العقوبات عن طهران.
ووفقا لما صرح به وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال حواره مع التلفزيون الرسمي الصيني “CCTV” يوم 3 يناير/ كانون الثاني 2025: “أنه يمكن التوصل الى حلول دبلوماسية حتى في أصعب الظروف وذلك يعتمد على مدى توفر الإرادة السياسية لدى الدول الاوروبية”.
وتقرر في تلك اللقاءات المشتركة أن يجتمع الطرفان مرة أخرى في موعد يتم الاتفاق عليه لاحقا، حسبما نشر موقع “تابناك“، وفي هذا السياق عقدت الجولة الجديدة من المحادثات بين إيران والثلاثي الأوروبي يوم الإثنين 13 يناير/ كانون الثاني 2025.
وبحسب وكالة أنباء “إيسنا“، شبه الرسمية فإن إيران والثلاثي الأوروبي وممثل الاتحاد الأوروبي في المفاوضات والمشاورات السياسية التي أجروها حتى الآن، فقد تابعت إيران هذه المباحثات بجدية، خاصة بعد تولي الحكومة الرابعة عشرة السلطة، حول ضرورة الحوار والتعاون مع طهران، وتم التأكيد على الاهتمام المشترك بما في ذلك المحادثات حول رفع العقوبات والقضايا النووية والتوترات في المنطقة.
رفع العقوبات والملف النووي
وذكرت وكالة “إيسنا” أنّ “نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي اجتمع مع نظرائه في الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) مساء الإثنين”.
وأضافت أن الدبلوماسيين الأربعة “بحثوا في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وخصوصا المفاوضات بشأن رفع العقوبات، والملف النووي، والوضع المقلق في المنطقة” من دون تقديم مزيد من التفاصيل.
كما حضر هذه المحادثات كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية الذي نشر في وقت لاحق رسالة عبر حسابه على “منصة إكس” مساء الإثنين 13 يناير/ كانون الثاني 2025: “أن الجولة الثالثة من المحادثات بين إيران والترويكا كانت جادة، وصريحة وبناءة وقد ناقشنا كافة الأفكار في مجالي تخفيف العقوبات والملف النووي اللذين يعتبران ضروريين للتوصل إلى اتفاق”.
وفيما يتعلق بالجولة الثالثة من المحادثات بين إيران والثلاثي الأوروبي، أعلن آبادي أنه “كان هناك إجماع على ضرورة استئناف المحادثات؛ وتم الاتفاق على أن تستمر المحادثات”.
محادثات صريحة وبناءة
من جهتها، أكّدت وزارات خارجية الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) منشور متطابق على حساباتها في منصة إكس، أنّ “المدراء السياسيين البريطاني والفرنسي والألماني التقوا مجدّدا مع نظرائهم الإيرانيين في جنيف اليوم الاثنين”.
وأضاف المنشور الأوروبي أن “المناقشات كانت جادّة وصريحة وبنّاءة بمواجهة سياق صعب، ناقشنا مخاوفنا وأكّدنا التزامنا التوصل إلى حل دبلوماسي، واتفقنا على مواصلة حوارنا”.
خطوة على الطريق
وفي سياق متصل، فإن المباحثات التي ذكرها المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في المؤتمر الصحفي الأسبوعي يوم 6 يناير/ كانون الثاني 2025 تتناول العديد من القضايا الإقليمية والعلاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي والقضية النووية، وتعد هذه المحادثات خطوة أخرى في عملية الحوار بين إيران وثلاث دول أوروبية، وتعد القضية النووية ورفع العقوبات أحد أبرز المواضيع المطروحة”.
كما أكد بقائي على أن “الأنشطة النووية السلمية لإيران تندرج في إطار القوانين الدولية وتخضع لرقابة صارمة ومستمرة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مضيفا أنه من الواضح أن تقديم ادعاءات كاذبة من قبل حكومة رفضت الوفاء بالتزاماتها في خطة العمل المشترك الشاملة، ومن ناحية أخرى لعبت دورا رئيسيا في حصول الكيان الصهيوني الذي يرتكب جرائم الإبادة الجماعية على الأسلحة النووية، هو أمر احتيالي”.
وفي هذا الصدد، قال نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي وفقا لصحيفة “همشهري آنلاین” الإصلاحية يوم الأحد 12 يناير/ كانون الثاني 2025: “لقد أعلنا أننا مستعدون للحديث في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة؛ أي التزامات خطة العمل الشاملة المشتركة مقابل إلغاء العقوبات”.
وأشار روانجي إلى أن “أمريكا لا تعتبر طرفا في خطة العمل الشاملة المشتركة بسبب انسحابها من خطة العمل الشاملة المشتركة، ومن ثم فإن إيران ليس لديها حوار مع الولايات المتحدة في هذه المرحلة”.
المفاوضات مستمرة
من ناحية أخرى، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقابلة مع قناة التلفزيون الرسمي الصيني (CCTV): يوم 3 يناير/ كانون الثاني 2025: “ما زلنا مستعدين للدخول في مفاوضات بناءة دون تأخير فيما يتعلق ببرنامجنا النووي، وهي مفاوضات تهدف إلى التوصل إلى اتفاق، والصيغة الموجودة في رأينا هي نفسها الصيغة السابقة لخطة العمل الشاملة المشتركة، وهي بناء الثقة في البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات”.
وأوضح وزير الخارجية الإيراني خلال اللقاء: “أننا مستعدون لمواصلة المفاوضات على هذا الأساس وأنه سيتم إجراء حوار مع ثلاث دول أوروبية قريبا (بريطانيا وفرنسا وألمانيا).
وعن الحوار مع الولايات المتحدة أعلن عراقجي: “في حالة أمريكا فمن الطبيعي أن يجب على الإدارة الجديدة أن تصوغ سياستها الخاصة وسنتخذ قرارا على أساس ذلك، لقد كانت الصين وروسيا عضوين بارزين في المفاوضات في الماضي، ومن وجهة نظر إيران ينبغي عليهما الاستمرار في لعب دور بناء في هذه المفاوضات، وهذه هي رغبتنا وإرادتنا”.
ووفقا لوكالة أنباء “إرنا” الرسمية يوم الخميس 2 يناير/ كانون الثاني 2025: “لقد تعاونت إيران دائما تعاونا كاملا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إطار اتفاق الضمانات، لكن بعض القضايا الفنية التي أثيرت بدوافع سياسية وبتحريض من الكيان الصهيوني ، قد خلقت خلافات تأخر حلها وتسويتها بسبب العراقيل الموضوعة من قبل الأطراف الغربية”.
تحديات كبرى أمام إيران
تأثرت العلاقات بين إيران والترويكا الأوروبية بشكل كبير بسلسلة من القضايا المعقدة، وفقا لوكالة “إرنا“، بما في ذلك مزاعم تدخل إيران في حرب أوكرانيا، والخطوات التعويضية التي اتخذتها إيران في خطة العمل الشاملة المشتركة، وقلق أوروبا بشأن التطورات النووية الإيرانية، وفرض عقوبات جديدة والتهديد بتفعيل آلية الزناد (snapback)، وهي بحسب صحيفة “خبر أونلاين” عملية تسمح لأطراف خطة العمل الشاملة المشتركة بإحياء العقوبات المعلقة بموجب القرار 2231 في حالة نشوب خلاف، وقد حذرت إيران أيضا من أن استخدام هذه الأداة سيؤدي إلى رد فعل إيراني حاسم وقد يغير العقيدة النووية للبلاد.
في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2024 كررت الترويكا الأوروبية، ردا على تقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول زيادة إنتاج إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، مرة أخرى الادعاءات السياسية حول البرنامج النووي السلمي الايراني، وادعت أن إجراءات إيران أفرغت الاتفاق النووي من محتواه دون الإشارة إلى الطرف الذي أدى بتقاعسه وعدم وفائه في تنفيذ الاتفاق النووي لوصوله إلى طريق مسدود.
وجاءت تلك المزاعم في بيان مشترك للمتحدثين باسم وزراء خارجية الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) بشأن البرنامج النووي الإيراني، نُشر عبر الموقع الإلكتروني للحكومة البريطانية في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 2024: “نحن قلقون للغاية من أن إيران زادت عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة وبدأت الاستعدادات لتركيب بنية تحتية إضافية للتخصيب، هذه الإجراءات ستزيد من قدرة إيران على التخصيب”.
وقد زعم الثلاثي الأوروبي عبر البيان “أن الخطوات التي اتخذتها طهران أدت إلى زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب دون مبرر مدني معقول، ودعوا إلى الوقف الفوري لهذه الاجراءات”.
نهاية القرار “رقم 2231”
كما زعم موقع “أكسيوس” في تقرير له يوم الاثنين الماضي بتاريخ 6 يناير/ كانون الثاني 2025، نقلاً عن مسؤول أوروبي أن “المسؤولين الأوروبيين يبحثون عن اتفاق جديد مع إيران يعالج الوضع الحالي لبرنامج طهران النووي”.
ويمكن أن يشير تقرير هذه الوسائل الإعلامية الأمريكية إلى أولوية البرنامج النووي الإيراني في القضايا بين طهران والترويكا الأوروبية بسبب قرب انتهاء مدة القرار 2231، والذي يُعنى بتطبيق اتفاق 2015، بعد عشر سنوات على دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
وفي وقت لاحق، سينتهي العمل بالقرار رقم 2231 تلقائياً، وفقا لوكالة أنباء “إيسنا” في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، استناداً إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وهذا يعني أنه وفقاً لأحكام هذا القرار، سيتم إلغاء القضية النووية الإيرانية من جدول أعمال مجلس الأمن، وكذلك جميع قرارات المجلس الأممي المفروضة ضد طهران بشكل عام، ولذلك فإن من المهم مواصلة المفاوضات.