كتب: محمد بركات
تشهد العلاقات الإيرانية السعودية تحولات لافتة في ظل تزايد الفجوة بين الرياض وتل أبيب، خاصة بعد الموقف السعودي الحاد تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، ورد فعل إسرائيل من الرفض السعودي لمقترح التهجير الأمريكي، وفي هذا السياق، يبرز التقارب الإيراني السعودي كعنصر محوري في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية.
فخلال الاحتفال بالعيد الوطني الإيراني والذكرى الـ 46 لانتصار الثورة الإيرانية، الذي أقيم الإثنين 10 فبراير/ شباط 2025 بقصر الثقافة بمنطقة حي السفارات في الرياض، بحضور مسؤولين سعوديين بارزين، ودبلوماسيين مقيمين، وعدد من الشخصيات الثقافية والإعلامية، ألقى السفير الإيراني في الرياض، علي رضا عنايتي، كلمة أشار فيها إلى التزام إيران بتعزيز التعاون مع دول الخليج، وخاصة السعودية، حيث صرح ” فقد شهدت العلاقات بين إيران والسعودية تطورا ملحوظا خلال العامين الماضيين، وحاليا فقادة البلدين يسيران بدقة نحو تعزيز وتوطيد التعاون الثنائي”.
كذلك، فخلال كلمته، استنكر عنايتي الاعتداءات الإسرائيلية في فلسطين، داعيا المجتمع الدولي إلى دعم وقف إطلاق النار.
وفي سياق متصل، أكد السفير الإيراني أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إيران والسعودية رغم أهميتها لا تزال تتطلب جهودا إضافية، مشيرا إلى أن المسؤولين من الجانبين أجروا تحركات متكررة لاستكشاف الفرص وتذليل العقبات.
ووفقا لعنايتي، فقد شملت هذه التحركات زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الاقتصادية، مهدي صفري إلى الرياض 28 إبريل/نيسان 2024، واجتماعات وزير الاقتصاد الإيراني، عبدالناصر همتي مع نظيره السعودي ووزير الاستثمار، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بالإضافة إلى مشاركة وزير الزراعة الإيراني، غلام رضا نوری في مؤتمر COP 16 بالسعودية في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، هذا بالإضافة إلى تنظيم المعارض التجارية المتبادلة في طهران والرياض، لتعزيز التواصل بين رجال الأعمال من البلدين.
وحول مستقبل اللجنة الثلاثية المشتركة بين السعودية والصين وإيران، أوضح السفير الإيراني أن أعمال اللجنة مستمرة، وتهدف إلى تعزيز التعاون المشترك، وإعادة تقييم العلاقات الثنائية وتطويرها، مؤكدا أن طهران مستعدة لاستضافة الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة، مشددا أيضا على أن العلاقات بين السعودية وإيران لا تقتصر على المصالح الثنائية، بل تمتد آثارها إلى استقرار وأمن وازدهار المنطقة بأسرها.
كما أكد السفير أن هناك اتفاقيات اقتصادية وتجارية قائمة يمكن البناء عليها، بما في ذلك اتفاقية التعاون الاقتصادي التي تشكّل إطارا عاما للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وأن الجانبين ملتزمان بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة، وهناك مشاورات واتصالات مستمرة لضمان تفعيلها على أرض الواقع.
هل تتجه السعودية نحو تغيير استراتيجي؟
شهدت الأشهر الأخيرة نقاشات مكثفة حول مواقف محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، والتي بدأت منذ قمة الدول الإسلامية التي عقدت في الرياض في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، حيث شدد بن سلمان على احترام سيادة إيران، وطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لمنع أي اعتداء على أراضيها، كما وصف العمليات الإسرائيلية في غزة بأنها إبادة جماعية، هذه التصريحات تتناقض مع الصورة النمطية لعلاقة المملكة بإيران، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان هناك تحول في السياسة السعودية.
وقد طرح موقع فرارو التحليلي الإيرانية خلال تقريره في يناير/ كانون الثاني 2025 ثلاث فرضيات تفسر هذا التغير، فحسب التقرير فقد أكدت الرياض في العديد من المناسبات أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل مسألة متى، وليس إذا، ومع ذلك، فبعد اندلاع الحرب في غزة، بدأ الثمن الذي تطلبه السعودية لقاء التطبيع بالارتفاع، رغم أنها ظلت ملتزمة بالمفاوضات. لكن استخدام ولي العهد مصطلح الإبادة الجماعية لأول مرة أثار تساؤلات حول ما إذا كانت السعودية بصدد إعادة النظر في مسارها.
الفرضية الأولى تفترض أن محمد بن سلمان يحاول التكيف مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في ظل تعهد فريقه بإعادة سياسة الضغط الأقصى على إيران، فقد يكون تحسين العلاقات مع طهران، حتى على مستوى التصريحات، وسيلة لجذب اهتمام الإدارة الجديدة وكسب تنازلات سياسية منها. لكن هذه الاستراتيجية، التي تبناها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سابقا، لم تكن نهجا معروفا عن الرياض، مما يجعل هذا التفسير أقل احتمالا.
الفرضية الثانية ترجح أن السعودية تعيد النظر في علاقتها بإسرائيل، حيث أدى العنف الإسرائيلي في غزة إلى موجة غضب واسعة داخل المملكة. ورغم سلطته المطلقة، فلا يمكن لولي العهد تجاهل الرأي العام تماما. تصريحه القوي ضد إسرائيل يعد رسالة تحذيرية لإدارة ترامب، التي تدعم استمرار تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية، كذلك فتعيين مايك هكابي، المؤيد لسيادة إسرائيل على الضفة الغربية، سفيرًا لواشنطن لدى تل أبيب يعزز هذه المخاوف. لذلك، قد تكون السعودية غير مستعدة حاليا للمضي في مسار التطبيع.
أما الفرضية الثالثة، فتشير إلى أن بن سلمان يعيد تقييم أولوياته بعد سنوات من التدخلات الإقليمية غير المثمرة، من الحرب في اليمن إلى حصار قطر، يبدو أنه يتجه نحو تعزيز الاستقرار الداخلي لضمان نجاح مشاريعه الاقتصادية الكبرى، مثل مدينة نيوم ومشاريع السياحة الضخمة، فالتقارب مع إيران قد يكون خطوة لضبط التوترات الإقليمية دون الإنفاق المفرط كما في الماضي. بهذه الرؤية، لا يمثل هذا التحول تقاربا مع إيران بقدر ما هو إعادة تركيز على المصالح السعودية.
العلاقات الإيرانية السعودية … تاريخ من التوتر والتقارب
تُعد العلاقات الإيرانية السعودية واحدة من أكثر العلاقات تعقيدا في الشرق الأوسط، إذ شهدت محطات من التنافس الحاد وأخرى من التقارب الحذر، متأثرة بالعوامل الجيوسياسية، الدينية، والاقتصادية، فتعود جذور العلاقات بين البلدين إلى ما قبل تأسيس المملكة العربية السعودية في 1932، لكن العلاقات الرسمية بدأت فعليا بعد الإطاحة بسلالة القاجار في إيران في وتأسيس الدولة البهلوية في العام 1925.
ففي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، اتسمت العلاقات بالحذر، حيث كانت إيران تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي متحالفة مع الغرب، بينما تبنت السعودية نهجا تقليديا محافظا، ورغم ذلك، شهدت تلك الفترة بعض التحالفات، مثل التعاون في إطار منظمة أوبك لضبط أسعار النفط.
هذا وقد شكلت الثورة الإيرانية عام 1979 نقطة تحول جوهرية، إذ تبنت طهران خطابا ثوريا داعما للحركات الإسلامية، ما أثار قلق السعودية التي رأت في تصدير الثورة تهديدا لاستقرارها، وتصاعدت التوترات بين البلدين مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، بين أعوام 1980-1988، حيث دعمت السعودية العراق ماليا وعسكريا ضد إيران.
وبعد انتهاء الحرب تحسنت العلاقات في التسعينيات في عهد الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني والملك فهد، حيث تبادل الطرفان الزيارات ووقعا اتفاقيات أمنية، لكن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 أدى إلى عودة التوترات، إذ عززت إيران نفوذها في العراق، ما أثار مخاوف السعودية.
كذلك، فقد شهدت فترة الربيع العربي، وهي فترة الثورات التي نشبت في عدة دول عربية في العام 2011، تصعيدا جديدا، خاصة مع اندلاع الحرب في سوريا واليمن، حيث دعمت إيران نظام الأسد والحوثيين، بينما ساندت السعودية المعارضة السورية والحكومة اليمنية. تفاقم هذا التوتر مع إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر في السعودية عام 2016، ما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بعد اقتحام السفارة السعودية في طهران.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت محاولات لتهدئة التوتر، خاصة مع الوساطة العراقية والصينية، مما أدى إلى استئناف العلاقات رسميا في 2023.