كتب: محمد بركات
يشهد قطاع التمريض في إيران أزمات متزايدة تتجلى في تكرار الاحتجاجات بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وتأخير عمليات تعديل الأجور والتعريفات المهنية عن الساعات الإضافية، احتجاجات تعكس استياء واسعا في صفوف الممرضين والممرضات الذين يعانون من انخفاض الرواتب، وزيادة أعباء العمل، وعدم وجود سياسات واضحة لتحسين ظروفهم المهنية والمعيشية، تلك التحديات لها تأثير مباشر على القطاع الطبي الإيراني، في ظل حكومة يترأسها طبيب لطالما وعد بتحسين الأوضاع.
فقد شهدت الشهور الماضية أكبر عدد من الاحتجاجات التمريضية في تاريخ إيران، حيث سُجلت أكثر من 50 مظاهرة في مختلف المحافظات الإيرانية حتى نهاية فبراير/شباط 2025، بلغت حد إضراب الممرضين عن عملهم وترك المناوبات، وشملت هذه الاحتجاجات تجمعات أمام مبنى محافظة خراسان في مشهد، وكذلك في محيط مستشفى ميلاد في طهران، كذلك فقد شملت الاحتجاجات مدنا ومحافظات مختلفة، من بينها فارس، وهمدان، وكهكيلويه وبوير أحمد، وخوزستان، وأصفهان، ومازندران، والبرز، ويزد، وبوشهر، وكرمانشاه وغيرها.
تعريفة الخدمات الطبية.. السبب الرئيس لاحتجاجات الممرضين
رغم أن أزمات الأطقم الطبية في إيران لا تنتهي، فإن أهمها يكمن في تعديل التعريفة الإضافية للممرضين، ففي العام 2024، وعد كل من مسؤولي العلاج في منظمة التأمين الاجتماعي ووزير الصحة الإيراني، محمد رضا ظفر قندي، عدة مرات بتعديل تعريفة الخدمات العلاجية للممرضين، لكن هذه الوعود لم تتحقق، خاصة في المستشفيات التابعة للهيئات الإدارية المستقلة.
أحد الأسباب التي عرضت سابقا لعدم تعديل التعريفة هو تعقيد البيروقراطية في المستشفيات التابعة للهيئات المستقلة، ورغم أن التأمين الاجتماعي قد أقر سابقا تعديلات في التعريفة وأرسلها للمصادقة من قبل الوزراء المعنيين، فإن هناك عقبات قانونية ومالية تمنع التنفيذ، خاصة في ما يتعلق بالمستشفيات الخاصة والعامة ذات الإدارة المستقلة، حيث تواجه مشكلة في زيادة رواتب الممرضين، بسبب الفارق الكبير بين رواتبهم ورواتب الأطباء، حيث وصل الفارق بين رواتب الأطباء والممرضين خلال السنوات الأخيرة إلى ثلاثة أضعاف، في حين أن الفارق لم يكن يتجاوز الضعف خلال عام 2015.
هذا ويتمثل العائق الأكبر في تطبيق تعريفة جديدة للممرضين في شركات التأمين، والهيئات الإدارية للمستشفيات، ومديري منظمة التخطيط والميزانية، فوفقا للتقارير فهم يتوقعون أنه إذا تم رفع تعربفة خدمات الممرضين، فسيتعين الحد من الزيادات غير المتناسبة في تعريفة الخدمات الطبية للأطباء، إضافة إلى تقليل الحوافز المالية والمكافآت الممنوحة لهم. وبعبارة أخرى، فإنَّ تعارض المصالح بين الأطباء، الذين حصلوا على زيادة بنسبة 45% في تعريفة خدماتهم خلال عام واحد، والممرضين، هو ما أدى إلى تجميد تعديل تعريفة خدمات التمريض.
وفي الشأن نفسه، صرح أحمد نجاتیان، رئيس هيئة التمريض، في أغسطس/آب 2024، بأن تعريفة الخدمات الطبية للممرضين يجب أن تزيد إلى نسبة تصل لضعف ما هي عليه الآن، مشيرا إلى أن القانون لا يملك ميزانية محددة مسبقا، بل يتم تمويله من الميزانية العامة للتأمين الصحي، مما يعني أن التعريفات يتم تحديدها بناء على عدد المرضى والخدمات المقدمة دون سقف مالي محدد، وهو ما لا يحدث.
كذلك، فقد أوضح الدكتور قاسم أبو طالبي، نائب رئيس المجلس الأعلى لهيئة التمريض، خلال تصريحات، السبت 22 فبراير/شباط 2025، أن قانون تسعير خدمات التمريض أُعيد تنفيذه بعد توقف دامَ 14 عاما، إلا أن هذه التعريفات لم تُقيم بشكل صحيح، ولا يُعرف على أي أساس تم تحديدها، فعلى سبيل المثال، تم تسعير الرعاية التمريضية على مدار 24 ساعة لمريض في الأقسام الداخلية والجراحية بـ2770 ألف ريال فقط، ما يعادل 3 دولارات، مما يعني أن أجر كل ساعة رعاية يقل عن 110 آلاف ريال، ما يعادل 0.11 دولار، وهذا المبلغ يتم توزيعه على فريق التمريض، وهو قليل جدا مقارنة بجهودهم ومسؤولياتهم.
كما أشار إلى سوء أوضاع دفع تعريفات خدمات التمريض في المستشفيات الخاصة، موضحا أنه رغم تلقي هذه المستشفيات مبالغ التعريفات من شركات التأمين، فإنها لا تُدفع للممرضين، أو يُخصص لهم جزء ضئيل جدا منها، موضحا أن المستشفيات الخاصة تفتقر إلى جهة رقابية تشرف على المدفوعات، مما يستدعي متابعة الأمر ووضع آليات رقابية جديدة.
وأضاف أبو طالبي أن من بين المشكلات الأخرى التسعير غير الواقعي لتعريفات التمريض في الأقسام التخصصية، مثل غرف العمليات، وغسيل الكلى، والطوارئ، وهو ما أثار استياء الممرضين في هذه الأقسام، داعيا المجلس الأعلى للتأمين إلى تعزيز تعاونه مع منظمة نظام التمريض لضمان تحديد تعريفات عادلة.
الاحتجاج أقل ما يمكنهم فعله
وحول احتجاج الممرضين، قال محمد شريفي مقدم، الأمين العام لبيت التمريض والناشط النقابي في حقوق الممرضين، في تصريحات له الأحد 23 فبراير/شباط 2025، قائلا: “إن الطريق الذي وضعه النظام الصحي أمام الممرضين هو طريق لا يكون الاحتجاج عبر التجمعات سوى أقل أشكال الرد ضررا عليه، أما ما هو أكثر سوءا، فيتمثل في خروج أعداد كبيرة من الممرضين من هذه المهنة أو استمرارهم فيها خارج البلاد عبر الهجرة، وهذان الأمران تضاعفا عدة مرات خلال العام الماضي”.
وأضاف: “إن السبب في ارتفاع أعداد من يتركون هذه المهنة أو يهاجرون إلى الخارج للعمل كممرضين هو فقدان الأمل لدى مجتمع التمريض في أي إصلاحات تتعلق بإدارة الموارد البشرية لهذا القطاع أو تعديل جذري لنظام التعرفة وتحسين أوضاعهم المعيشية”.
وتابع شريفي مقدم: “لا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد من غادروا قطاع التمريض، كما لا يتم الإعلان عن أي أرقام رسمية، وعندما نتحدث، بناء على مشاهداتنا الميدانية والتجريبية، عن تزايد هذه الظاهرة داخل المجتمع التمريضي، يواجهنا المسؤولون فورا بالسؤال: ما هي الإحصائيات التي تستندون إليها؟”.
كما أكد هذا الناشط النقابي أن “المستشفيات الإيرانية، سواء الحكومية أو الجامعية أو تلك التابعة لمنظمة التأمين الاجتماعي، تعاني اليوم من نقص حاد في الممرضين. هذا النقص لا يشبه غيره من أوجه الاختلال أو النقصان التي تعاني منها البلاد، بل يؤدي إلى فقدان الأرواح. منظمة الصحة العالمية تؤكد أنه إذا كان عدد الممرضين أقل من 3 لكل 1000 نسمة، فإن معدل الوفيات سيرتفع. في السنوات الأخيرة، سجلنا أرقاما أدنى من هذا الحد الأدنى، حيث لدينا أقل من 1.5 ممرض لكل 1000 نسمة”.
وأضاف: “عندما يضطر ممرض في قسم الطوارئ إلى رعاية 15 مريضا بدلا من 4، فإن هذا الضغط، مع الظروف المعيشية الصعبة والرواتب التي تقل عن 150 مليون ريال، ما يعادل 161 دولارا، يزيد من حدة الأزمة بالنسبة لهذه الفئة، مما يدفعهم إلى التفكير في الهجرة أو تغيير المهنة، وبينما في دول أخرى من الشرق الأوسط، يحصل الممرضون على رواتب تصل إلى 2000 دولار، فإن راتب الممرض الإيراني، حتى مع ساعات العمل الإضافية، لا يصل إلى 200 دولار”.
وتابع: “إن الممرضين لدينا ينقسمون إلى فئتين، ممرضون مشمولون بقانون العمل ويحصلون على تأمين اجتماعي، وممرضون رسميون، فالممرضون الخاضعون لقانون العمل، وغالبيتهم بعقود مؤقتة أو يعملون عبر شركات توظيف، لا يتم احتسابهم في الإحصائيات عند مغادرتهم هذه المهنة، أما عدد من تركوا العمل من الممرضين الرسميين العام الماضي، (الذي كان وضعه أفضل من الآن)، فقد قدر بـ1800 ممرض سنويا، وهو رقم مرتفع جدا مقارنة بالإجمالي العام للممرضين في البلاد”.
وشدد شريفي مقدم على أنه “رغم النقص الحاد في الممرضين في طهران وبعض المحافظات المحرومة، هناك أكثر من 50 ألف ممرض، معظمهم نساء، جالسون في منازلهم، رغم أن البلاد أنفقت موارد ضخمة على تدريبهم، إن المسؤولين قلقون بشأن بطالة النساء، لكن هؤلاء الممرضات يفضلن البقاء في المنزل بدلا من العمل براتب 140 مليون ريال، ما يعادل 150 دولارا، لأن مقارنة بسيطة بين تكاليف المعيشة والضغوط والتوتر الشديد في هذه المهنة توضح أن العمل في التمريض داخل إيران لم يعد منطقيا”.