كتبت: شيماء جلهوم
مع بدء احتفالات الكريسماس بدأت إيران الاستعداد لتلك الأعياد، ربما لا يعرف كثيرون أن إيران بها طائفة أرمينية كبيرة، تتركز في مدينة أصفهان، وفي عهد الدولة الصفوية، قرر الشاه عباس الثاني، إنشاء كنيسة وانك في القرن السابع عشر، حيث تم بناء الكنيسة في عام 1606 وتم تسجيلها كتراث عالمي من قبل اليونسكو في عام 2015.
بمزيج يجمع بين التراث الفني الأرمني والإرث الفني الضخم لدولة فارس القديمة، صمم المعماري الأرمني الشهير سيمون زين الدين، تحفته الفريدة في قلب أصفهان، عاصمة الدولة الصفوية، واعتبرت في ذلك الوقت أكبر كنيسة تعرفها الحضارة الفارسية، في منطقة جلفا، التي تتركز فيها الطائفة الأرمينية، أطلق عليها اسم “وانك” وهي تعني بالفارسية “الجميلة”.
تحتل كنيسة وانك مكانة هائلة بين الوجهات السياحية الدينية في العالم، وبحسب موقع قاف السياحي، فإن كنيسة وانك تبرز أهميتها في كونها واحدة من أقدم عشر كنائس في التاريخ المسيحي، ويتهافت السائحون على زيارتها والتقاط الصور مع طرازها المعماري الفريد ضمن برنامجهم السياحي في إيران.
مرت كنيسة وانك بعدة مراحل قبل طورها الأخير على يد المعماري الأرمني الأشهر، لكنها قبل كذلك كانت مبنى صغيرا، يقع في الزاوية الجنوبية الغربية من المبنى الحالي، وكان يطلق عليها “كنيسة كووب”، واستمرت هذه الكنيسة الصغيرة ما يقرب من خمسة عقود، ثم بدأ العمل في المبنى الحالي بأمر من الشاه عباس الثاني، في حين يعكس التقارب الذي حدث بين الدولة الصفوية والأرمن الذين استقروا في إيران منذ قديم الأزل، لتصبح “وانك” منذ ذلك الحين “كنيسة الفادي المقدسة”.
معمار الكنيسة ونقوشها
عند الدخول إلى الكنيسة، يصبح برج الجرس أو برج الساعة هو أول ما يقابلك في الجانب الأيمن من مدخل الكنيسة، وتميزه ساعة ضخمة تزن نحو 300 كجم، وقد تم بناء برج الساعة في مدخل الكنيسة بعد 38 عاما من بنائها الأول، على شكل مربع مساحته 8 أمتار مربعة، وطوله 3 أمتار، وقد صممه المهندس المعماري الأرمني، مارديس هونتانيان.
تمتاز كنيسة وانك بأربعة نقوش موزعة بأنحاء الهيكل، ثلاثة منها تحمل نصوصا:
النقش الأول: يكشف عن عمر الكنيسة وأهميتها، ويربطها بمقعد رئيس الأساقفة الأرمني.
النقش الثاني: المعروض فوق باب المدخل الغربي في البلاط ذي اللون الأزرق السماوي، يروي سنوات بناء الكنيسة ومهندسها وتاريخ اكتمالها.
النقش الثالث: المصنوع من الرخام والموجود عند مدخل برج الجرس الأول، يخلد ذكرى باني البرج والغرض منه.
النقش الرابع: فهو صليب الحجر أو خاش كاليم باللغة الأرمنية، يقف على أنه النقش الوحيد الخالي من المحتوى النصي.
وتتميز كنيسة وانك بوجود قبتين، إحداهما واسعة تزين المذبح، وقبة أصغر تتوج قاعة الكنيسة. يعكس أسلوبها المعماري أسلوب المساجد، بينما تفتخر الكنائس التقليدية عادة بقباب مخروطية الشكل. يتناقض الجزء الخارجي من القبة الكبيرة، المبنية من الطوب، مع اللوحات اللازوردية التي تزين داخلها ثماني نوافذ مزينة برسومات تروي قصة آدم وحواء وهابيل، تطوق القبة.
أما الجزء الداخلي من كنيسة وانك، فقد تم تزيينه بلوحات آسرة وسيمفونية من الألوان وقصص من الكتاب المقدس المسيحي، وتروي هذه اللوحات روايات كتابية مهمة، من ضمنها ولادة المسيح وصلبه ودفنه، وقيامته، يعتبر تصميم كنيسة وانك في أصفهان واحدا من أفضل الأمثلة على الفن الأرمني الرسولي في إيران، ويمكن للزوار التمتع بالعديد من العناصر الفنية والزخرفية الرائعة في هذا المكان الرائع.
ترميم كنيسة وانك
وقد سجلت المواقع السياحية المختلفة قصة كنيسة وانك، في جميع مراحلها منذ التأسيس والترميم، فذكر موقع إيليا كشت أنه من أجل الحفاظ على هذا المعلم الحضاري القديم، تم إجراء العديد من أعمال الترميم على مدار السنوات، ففي عام 2005، بدأت الحكومة الإيرانية بتنفيذ مشروع لترميم كنيسة وانك، وذلك بهدف الحفاظ على تراث المدينة والمحافظة على معالمها الأثرية، تم تنفيذ هذا المشروع بالتعاون مع الحكومة الأرمنية والمنظمات الدولية ذات الصلة.
تضمنت عملية الترميم إعادة بناء الجدران والأسقف والأرضيات والنوافذ والأبواب، وكذلك إصلاح الأعمدة والمنحوتات والتماثيل، وتم استخدام مواد ترميم عالية الجودة وتقنيات حديثة لإعادة بناء الكنيسة وترميمها، كما تم تجديد الأثاث والمفروشات الداخلية للكنيسة، وتحسين الإضاءة والتهوية والتدفئة، وتم تجديد اللوحات الفنية والأعمال الزخرفية والنقوش الجدارية، واستعادة الألوان الأصلية للجدران والأسقف.
تمت عملية الترميم بحرص شديد على الحفاظ على الطابع الأصيل للكنيسة، والحفاظ على تاريخها وتراثها الثقافي. وقد تمت استعادة نضارة وروعة كنيسة وانك، وجعلتها من أشهر الأماكن السياحية في إيران.
احتفالات الكريسماس في “وانك”
في أوقات الكريسماس، يحتفل المسيحيون والمسلمون في أصفهان على حد سواء بأعياد رأس السنة الميلادية، وفي طقس سنوي يشبه ذلك الذي يحدث في كنيسة قصر الدوبارة المصرية الكاثوليكية، يجتمع الإيرانيون ليضيئوا شموع العام الجديد ويلتقطوا الصور مع أبهى حلة تتزين بها كنيسة وانك استعدادا للعام الجديد، بحسب وكالة مهر الإيرانية.