كتبت سارة محمد علي
تزامناً مع إقامة مراسم تأبين أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله في إيران، سوف يقوم علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وأعلى سلطة دينية وسياسية في البلاد باعتلاء المنبر لأداء خطبة الجمعة، وهو الحدث الذي لا يعتبر عادياً في طهران، فخلال 35 عاماً منذ توليه منصبه خطب الجمعة فقط 37 مرة، جميعها كانت في مناسبات دينية أو سياسية.
وتأتي خطبته الثامنة والثلاثون المنتظرة صباح الجمعة 3 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بينما تشهد الأوضاع الإقليمية توترات شديدة وتزداد حدة الصراع بين إيران وإسرائيل، وبينما تتوعد تل أبيب طهران برد مدمر على الصواريخ الإيرانية التي أُطلقت تجاه أهداف عسكرية بالأراضي المحتلة مساء الأول من أكتوبر/تشرين الأول. إضافة إلى أن الخطبة سوف يسبقها صلاة الغائب على نصر الله وقائد الحرس الثوري الإيراني الذي لقي مصرعه معه، عباس نيلفروشان، فضلاً عن تزامنها مع الذكرى الأولى لأحداث السابع من أكتوبر، مما يطرح تساؤلاً، هل سوف يكون موضوع خطبة خامنئي هو الهجوم على إسرائيل؟
كما تأتي الخطبة بعد أيام من ادعاء وكالة رويترز في تقرير لها نقلاً عن مسؤولين إيرانيين لم تسمهم أن خامنئي تم نقله إلى مكان آمن منذ الهجوم الإيراني على إسرائيل خوفاً من تهديدات باغتياله، إلا أن اعتلاء خامنئي المنبر المرتقب بعد ساعات وسط حشد شعبي من كل ربوع إيران حتى إن شركات النقل أعلنت تقديم خدماتها مجاناً لتشجيع الإيرانيين على حضور مراسم التأبين وخطبة خامنئي، كل ذلك يتنافى مع تلك الادعاءات، لكنه أيضاً يطرح تساؤلاً، هل يمكن أن تستغل إسرائيل الحدث وتقرر توجيه الضربة التي وعدت بها ضد إيران؟
وهل من الممكن أن تكون تلك الضربة هي استهداف خامنئي نفسه، الذي سبق وتعرض لمحاولة اغتيال سابقة عام 1985 بينما كان يخطب الجمعة حين كان يتولى منصب رئيس الجمهورية الإيرانية؟
الاستعدادات لخطبة المرشد
كان أول من أعلن نبأ قيام خامنئي بإلقاء خطبة الجمعة القادمة هو علي أكبر غلامي مدير تحرير وكالة أنباء فارس المقربة من المرشد الإيراني، في منشور له عبر منصة إكس 2 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ثم في اليوم التالي أعلنت وكالتي أنباء تسنيم وإيرنا الإيرانيتان أن خامنئي سوف يؤم المصلين في صلاة الجمعة بعد مراسم تأبين نصر الله في مصلى الإمام الخميني عند الساعة 10:30 صباحاً بتوقيت إيران.
وتزامناً مع ذلك أعلنت شركات مترو طهران تقديمها خدمات مجانية للمصلين، كما أعلنت الحافلات وسيارات الأجرة عن استعداد شركاتها لتقديم المزيد من الخدمات للمشاركين في مراسم تأبين حسن نصر الله وحضور الصلاة خلف المرشد، وأكدت إحدى شركات النقل الخاصة بالحافلات أنه سيتم تعزيز خطوط النقل المؤدية إلى مكان صلاة الجمعة، كما سيتم توفير خدمة سيارات الأجرة مجاناً خلال صلاة الجمعة في طهران في عدد من الخطوط، وتم أيضاً اتخاذ إجراءات استباقية يوم الجمعة لضبط حركة المرور، حيث يُرتقب أن تشارك أيضاً القطارات في تأمين النقل. حسب ما أفادت به وكالة تسنيم الإيرانية في تقرير لها مساء الخميس 3 أكتوبر/تشرين الأول.
وقبل ساعات من وصول خامنئي لمراسم تأبين نصر الله واعتلائه المنبر لخطبة الجمعة، امتلأت ساحة فلسطين في العاصمة الإيرانية طهران بباقات الزهور تكريماً للأمين العام لـ”حزب الله”، حسبما أفاد موقع روسيا اليوم في 4 أكتوبر/تشرين الأول.
لماذا تعتبر خطبة الجمعة للمرشد الإيراني حدثاً غير اعتيادي؟
خلال 35 عاماً منذ تولي علي خامنئي منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية عام 1989، قام بخطبة الجمعة 37 مرة معظمها كانت في الجمعة الأولى من شهر رمضان، وقلة منها مرتبطة بأحداث سياسية، آخرها خطبة الجمعة عقب اغتيال القيادي بالحرس الثوري قاسم سليماني في العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
يعود سبب ندرة اعتلاء المرشد الإيراني لمنبر الجمعة إلى كونه الولي الفقيه الذي يقوم في الثقافة الشيعية مقام الإمام الغائب وهو وصف يستخدمه الشيعة للتعبير عن “المهدي المنتظر” وهو غائب حسب معتقدهم وسوف يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلًا بعدما مُلئت جورًا. وبَعْضُ الأصوات الشيعية المتطرفة تدعي أن الخميني يتواصل مع المهدي المنتظر بانتظام.
تلك المكانة جعلت كل ظهور للمرشد الإيراني يجب أن يكون بحساب ويتوجب وجود حدث جلل يستدعي خروجه للناس والحديث فيهم وإمامتهم بالصلاة.
أبرز خطب خامنئي منذ توليه منصب المرشد
الخطبة الأولى
ألقى خامنئي خطبته الأولى عقب توليه منصب المرشد الأعلى، في 23 يوليو/تموز 1989، متزامنًا مع ذكرى مرور أربعين يومًا على وفاة مؤسس الجمهورية الإيرانية وقائد الثورة الإسلامية وسلفه في منصب المرشد الأعلى “روح الله الخميني”.
وكرس خامنئي خطبته الأولى للحديث عن ما وصفه بمحاسن الإمام الخميني ودوره في استعادة مجد الإسلام وإحياء روح الشرف في المسلمين، حسب قول خامنئي في نص خطبته المنشور عبر موقعه الرسمي.
خطبة “الحركة الخضراء الإيرانية”
عقب إعلان فوز أحمدي نجاد بمنصب رئيس الجمهورية في يونيو/حزيران 2009، اعترض منافساه على المنصب مير حسين الموسوي ومهدي كروبي على نتيجة الانتخابات، وقالوا إن العملية الانتخابية شابها الكثير من جرائم التزوير والتلاعب، وعلى أثر ذلك انطلقت الاحتجاجات في ربوع إيران من قبل مؤيدي المرشحين الخاسرين، وأكّدت الحكومة الإيرانية مقتل 36 شخصًا خلال الاحتجاجات، في حين زعمت تقارير غير مؤكدة من قبل مؤيدي موسوي حدوث 72 حالة وفاة على الأقل، وزعموا أن أقارب الضحايا أُجبروا على التوقيع على وثائق تشير إلى الوفاة بأزمة قلبية أو التهاب السحايا. أغلقت السلطات الإيرانية الجامعات في طهران، وحظرت المواقع الإلكترونية، وقطعت إشارات الجوال، وحظرت التجمعات، لكن رغم ذلك استمرت الاحتجاجات التي أطلق عليها في ما بعد “الحركة الخضراء” حسب تقرير لموقع أمريكا اليوم.
وبينما كان المحتجون في الشوارع، اعتلى خامنئي منبر الجمعة في 29 يونيو/حزيران من نفس العام، وتجمعت حشود كبيرة بما فيها المحتجين على نتائج الانتخابات للاستماع لخطبته، وفيها أثنى خامنئي على مشاركة الشعب الإيراني بكثافة في الانتخابات الرئاسية، وعن الاحتجاجات في شوارع إيران قال: “من الخطأ أن يظن البعض أنهم مع تحركات الشارع يشكلون ضغطًا على النظام ويجبرونه على القبول بفرضياتهم حول تزوير الانتخابات، فالمسؤولين عن النظام، لن يكونوا تحت وطأة فرضياتهم لأن هذا خطأ فادح، وإن الاستسلام للمطالب غير القانونية تحت الضغط هو بداية الديكتاتورية” حسب نص الخطبة المنشور على الموقع الرسمي لخامنئي.
خطبة “الربيع العربي”
عقب انطلاق الاحتجاجات الشعبية في تونس ومصر مطلع عام 2011 في ما عرف بعد ذلك بـ”الربيع العربي”، خطب خامنئي الجمعة 4 فبراير/شباط 2011، معلنًا دعمه لثورات تونس ومصر ومثنيًا على من وصفهم بالثوار الشجعان، ومتمنياً لهم أن تُكلل ثوراتهم بالانتصار، حسب نص الخطبة المنشور بالموقع الرسمي للمرشد الإيراني.
خطبة تأبين قاسم سليماني
في الثالث من يناير/كانون الثاني 2020، قامت الولايات المتحدة الأمريكية باغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، حيث استهدفته بطائرة بدون طيار أثناء وجوده في مطار بغداد، وفي الثامن من نفس الشهر قامت إيران باستهداف قاعدتين للقوات الأمريكية غرب العراق وشماله.
عقب الرد الإيراني على مقتل سليماني، خرج خامنئي ليخطب آخر جمعة له حتى تاريخ كتابة هذا التقرير، ووصف فيها الضربة الإيرانية بأنها كانت ساحقة للقواعد الأمريكية وقال: إنها تسببت في شعور الأمريكيين بالعار، وأضاف: هذه الضربة القوية لهيبة أمريكا لا يمكن تعويضها بشيء، وزيادة العقوبات على إيران التي يتحدث عنها الأمريكيون لن تعيد سمعتهم المفقودة”. وفقاً لنص الخطبة المنشور بالموقع الرسمي لخامنئي.
والآن تتوجه الأنظار نحو طهران حيث انتظار خطبة الجمعة التالية لخامنئي خلال ساعات، وما الرسائل التي يمكن أن يوجهها خلالها للداخل الإيراني والمجتمع الدولي و**لإسرائيل، وقد سبق وأشار الأربعاء الماضي 2 أكتوبر/تشرين الأول خلال لقاء له بمجموعة من النخب العلمية، أنه سوف يتحدث قريبًا عن الأحداث الجارية في فلسطين ولبنان.