كتب: محمد مسعود باحث إيراني بجامعة “بوعلي سینا”
ترجمة: زينب بيه
يُعد اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، من أهم العمليات التي نفذها النظام الصهيوني بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث جرى ذلك في وقت ومكان محددين على الأراضي الإيرانية، ورغم الغموض الذي يحيط بهذا الحدث، فإنه أثار ردود فعل متباينة، حيث تم تأكيد الثأر لهذا الشهيد في خطاب المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، الذي وصفه بأنه “ثأر هنية العزيز”.
وفي الرأي العام، تبلورت التوقعات بعملية وشيكة مشابهة لعملية “الوعد الصادق” عام 2006، والتي نفذتها عناصر مقاتلة من حزب الله اللبناني على الحدود اللبنانية-الفلسطينية. وبمرور الوقت وغياب رد مباشر من الجمهورية الإيرانية على النظام الصهيوني، يتزايد التساؤل في أذهان العامة بإيران والعالم الإسلامي: هل سيتحقق الثأر أو الانتقام للشهيد هنية، وكيف سيتم ذلك؟
الإطار القانوني للعمل العسكري ضد النظام الصهيوني
وفقا للمادة الـ51 من ميثاق الأمم المتحدة، يُسمح للدولة التي تتعرض للاعتداء أو الهجوم من قِبل دولة أخرى بأن ترد بما يتناسب مع الأضرار التي لحقت بها، وفقا لبند شروط الدفاع المشروع.
ومن الجدير بالذكر أن عملية اغتيال الشهيد هنية، شبيهة بعمليات اغتيال أربعة علماء نوويين إيرانيين خلال عامي 2010-2012، حيث لم يتم الاعتراف بها رسميا من قِبل إسرائيل، والآن تواجه الجمهورية الإيرانية وضعا مشابها لحادثة اغتيال الشهيد محسن فخري زاده عام 2019، والذي كان عالما نوويا وعسكريا في الحرس الثوري، حيث تفتقر هذه الحادثة إلى الشهود أو الأدلة المباشرة المتعلقة بالاغتيال.
تداعيات الهجمات المباشرة: المخاطر القانونية والعسكرية
ومن هذا الاتجاه، فإن تنفيذ أي عملية مباشرة من أراضي إيران إلى أراضي إسرائيل، دون وجود أدلة موثوقة تثبت تورط إسرائيل في هذا الاغتيال، يمكن اعتبارها شكوى في المحاكم الجنائية الدولية ومحكمة العدل ضد إيران. ويمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى إدانة إيران بدفع تعويضات لإسرائيل أو السماح لإسرائيل باتخاذ إجراءات دفاعية مشروعة ضد إيران.
وقد يؤدي هذا الحال إلى تقديم إيران كطرف مُبادر في حرب إقليمية شاملة، وهو ما يُعتبر نتيجة غير مرضية تماما ومتناقضة مع العقيدة العسكرية الإيرانية؛ نظرا إلى عدة قضايا داخلية.
وفي سياق عملية “الوعد الصادق”، نفذ الكيان الصهيوني عدة عمليات هجومية، تشمل:
- الهجوم على المراكز الدبلوماسية (جريمة جنائية).
- التعدي على الأراضي الإيرانية في سوريا.
- اغتيال عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين.
فقدان عامل الردع: التحديات أمام الجمهورية الإيرانية
وبالنظر إلى سجل إيران في مواجهة الاغتيالات (مثل اغتيال الشهيد عماد مغنية) عام 2008، نجد أن احتمال شن هجوم مباشر من قِبل إيران ضد النظام الصهيوني ضئيلاً جدًا؛ ما لم تتوفر أدلة قاطعة تثبت تورطهم في هذا الاغتيال.
ولكن النقطة المُثيرة للقلق؛ تكمُن في فقدان الجمهورية الإيرانية عامل الردع أمام الكيان الصهيوني في حال عدم الرد. ومن الممكن أن يتلاشى هذا الردع تدريجيا، والذي تحقق من خلال عملية “الوعد الصادق”، في حالة الصمت وعدم الرد، مما يسمح للكيان المحتل بالتقدم خطوة بخطوة. ويبدو أن القوات المسلحة وأركان القرار في الجمهورية الإيرانية لن يختاروا الصمت، كما أنهم يرفضون الرد المباشر.
الثأر لهنية: محاور محتملة للتحرك الإيراني
بالنظر إلى النهج الجديد الذي تتبعه المنظمات الأمنية الإيرانية في مواجهة عمليات الموساد (منظمة الاستخبارات الإسرائيلية)، يبدو أن الرد على اغتيال هنية سيتم بشكل سري ودون الإعلان عنه. وعلى سبيل المثال، فإن اغتيال رئيس الموساد السابق في تل أبيب، والاختراقات المتكررة للأنظمة الداخلية الإسرائيلية، فضلاً عن تصاعد الاحتجاجات ضد نتنياهو، كلها مشاريع قد تلعب فيها القوى الأمنية الإيرانية دورا خفيا واستخباراتيا. ومع ذلك، من غير المرجح أن يقتصر الرد على اغتيال هنية على هذه الحدود فقط.
وفي النهاية، ومن خلال تجميع الموضوعات المطروحة وتحليل السوابق التاريخية في مسائل مشابهة، يمكن أن يتم الثأر للشهيد هنية عبر عدة محاور:
- من قِبل جهاد الثائرين في حماس بدعم من إيران.
- أو من خلال البرامج والمشاريع الاستخباراتية الإيرانية على الأراضي الإسرائيلية.
- أو بواسطة قوى إيرانية نيابية أخرى، مثل أنصار الله في اليمن.
ومن جهة أخرى، يبدو أن الهجوم الإيراني المباشر على إسرائيل أمر مستبعد، على الأقل في ظل الظروف الراهنة، أو حتى يقوم الكيان الصهيوني بتنفيذ إجراء مباشر ضد إيران (مثل اغتيال الإيرانيين المقيمين بسوريا أو لبنان).