ترجمة: شروق السيد
بعد مرور 100 يوم على تولي حكومة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان مهامها، لا يزال الوضع الاقتصادي يشهد تحديات مستمرة، فالآمال كانت معقودة على الإجراءات الاقتصادية التي ستتخذها الحكومة لتحقيق إصلاحات جذرية، ومع ذلك، ورغم ما يبدو من محاولات لتحسين الوضع، يشير الخبراء إلى غياب خطوات ملموسة وفعالة حتى الآن، وفي هذا السياق استعرضت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن” في تقرير لها، تقييمات الخبراء حول إجراءات الحكومة الاقتصادية، كما تناولت تأثير العقوبات، والصراعات الإقليمية، وكذلك التحديات المحلية التي تواجه الاقتصاد الإيراني.
كتبت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن“: مرّ مئة يوم على إقامة مراسم أداء اليمين للرئيس، وعلى الرغم من أن آمال الناس كانت معلقة على الإجراءات الاقتصادية للحكومة الرابعة عشرة(الحكومة الحالية لمسعود بزشكيان)، فإنه يبدو أن المشاكل الاقتصادية ما تزال مستمرة، صحيحٌ أن الحكومة الرابعة عشرة تواجه العديد من المشاكل والتحديات في سبيل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، ولكن حتى الآن، وفقا للخبراء، لم يتم اتخاذ أي خطوة ملحوظة، بل لم يتم الإعلان عن أي خطة محددة في المجال الاقتصادي، الناس يسمعون من هنا وهناك، أن الحكومة تنوي توحيد سعر العملة، لكن القنوات الرسمية لا تعلن أي خطة بهذا الشأن.
وأضافت: الأخبار المتعلقة بالتضخم، وتحسين الوضع المعيشي، وتوحيد سعر العملة، وإدارة السوق الحرة، وكذلك زيادة أسعار الوقود، تبدو أكثر كتكهنات من كونها برامج مهنية يتم إعلانها من قبل الحكومة الرسمية، أدت هذه الإشاعات إلى زيادة القلق لدى الناس أكثر من أي وقت مضى، كما أن الخبراء أنفسهم لا يعلمون بشكل دقيق ما الذي تنوي الحكومة فعله ليتمكنوا من تشجيعها أو انتقادها.
من جهة أخرى، جرت انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية يوم الثلاثاء، وظلّ تأثير ترامب على الاقتصاد الإيراني ملحوظا، العقوبات في السياسة الخارجية، وتابعت: وعدم التوافق، وانخفاض قدرة الخبراء في الحكومة، كل واحدة من هذه العوامل أعاقت بطريقة أو بأخرى قدرة الحكومة على تنفيذ برامج الإصلاح.
وأضافت: في هذا السياق، وفي حوار مع كامران ندري أستاذ الاقتصاد في جامعة الإمام الصادق، وسهراب دل انكيزان عضو الهيئة التدريسية في جامعة رازي، وعلي مزيكي أستاذ مساعد في جامعة علامه طباطبایی، تم استعراض تقييم الأداء الاقتصادي للحكومة في الربع الأول.
وأضافت الصحيفة: «في المجال الاقتصادي، لم تقم الحكومة، باستثناء الميزانية ورفع سعر الدولار (في نظام الصرف الأجنبي نيما) بهدف تقريبه من سعر السوق، لم يتم اتخاذ أي إجراء آخر، بالطبع، ارتفع سعر الدولار في السوق مرة أخرى ولم يتقلص الفارق، كما أن الميزانية التي تم تقديمها للتو إلى البرلمان لم تُنهَ بعد.» يجب أن يتم التركيز بشكل أكبر على العوامل المسببة للتضخم في الاقتصاد.
يعتقد أحد الاقتصاديين في حديثه مع صحيفة “هم ميهن” أنه في السنوات القادمة لن يتبقى شيء من شريحة كبيرة من سكان البلاد الذين يتقاضون رواتب، كامران ندري، الخبير الاقتصادي وأستاذ الجامعة، يوضح أن الحكومة تزيد رواتب الموظفين كل عام بمعدل أقل من نسبة التضخم، مما يؤدي إلى تراجع مستمر في القدرة الشرائية للناس، ومع استمرار هذا النهج، ستقع شريحة كبيرة من السكان تحت خط الفقر.
كيف تقيمون الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة في هذه المئة يوم؟
في المجال الاقتصادي، لم تقم الحكومة، باستثناء الميزانية ورفع سعر الدولار (في نظام الصرف نيما) بهدف تقريبه من سعر السوق، لم يتم اتخاذ أي إجراء آخر، بالطبع، ارتفع سعر الدولار في السوق مرة أخرى ولم يتقلص الفارق، كما أن الميزانية التي تم تقديمها للتو إلى البرلمان لم تُنهَ بعد، يجب على الحكومة أن تخطط بطريقة تعوض الزيادة غير الكافية في الرواتب والأجور في السنوات الأخيرة، بحيث تكون الزيادة في الرواتب أعلى من معدل التضخم لفترة من الزمن لتعويض جزء من انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، يجب أن تكون الحكومة واعية بأن هذا الاتجاه ليس صحيحا، وأنه سيقلل باستمرار من رفاهية الناس الاقتصادية ويخفض قدرتهم الشرائية.
سيتم تطبيق هذا الضغط على الطبقة العاملة، وفي النهاية سنصل إلى نقطة لا يمكن فيها إصلاح الفجوة المتزايدة بين الفقراء والأغنياء بسهولة، لا شك في أننا نسير في مسار خاطئ، وإذا استمرت الحكومة هذا العام في اتباع سياسات الحكومات السابقة وقالت إنها مضطرة لرفع رواتب الموظفين بمعدل أقل من معدل التضخم، فيجب أن تعطي الناس رؤية بأن الحكومة ستقلل التضخم في السنوات القادمة وستحدد زيادة الرواتب بشكل أعلى، وإلا فإن شريحة الرواتب ستختفي تدريجيا.
ما رأيكم في مسار الحكومة الاقتصادي؟ وما الخطط المستقبلية بناء على الإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن؟
نحن لا نعلم ما الذي يدور في ذهن الحكومة؛ الحقيقة هي أن التحرك نحو تحرير الأسعار هو إجراء صحيح، لكنه في الظروف الحالية لا يُنصح به، البلاد عالقة بشكل غير مباشر في حرب استنزاف، العقوبات والصراعات في المنطقة، إضافة إلى المشاكل الناجمة عن التضخم المرتفع بسبب الحرب نصف الدائمة في إيران، قد أضعفت الوضع الاقتصادي.
في جميع دول العالم، عندما تواجه البلاد مثل هذه الظروف الطارئة والحادة، التي تشبه ظروف الحرب، يتم دعم الطبقات المتوسطة وذات الدخل المحدود، يكون الدعم بشكل لا يسمح بزيادة أسعار السلع الأساسية والسلع الضرورية.
إذا كانت الحكومة تنوي السماح بزيادة الأسعار في مثل هذه الظروف، فيجب عليها على الأقل توفير الحد الأدنى من السلع الأساسية للمواطنين عبر بطاقات تموينية، بشرط أن تكون مطمئنة إلى أن الحد الأدنى من معيشة الأسر سيتم تأمينه، في هذه الحالة، الحديث عن تحرير الأسعار وتوحيد سعر العملة ليس صحيحا.
هل أنتم فعلا معارضون لفكر تحرير الأسعار الذي تتبناه الحكومة الرابعة عشرة؟
نعم، إذا تم حل مشكلة الصراعات والعقوبات وتمكن الاقتصاد من الخروج من الحصار الاقتصادي، يمكن حينها التحرك نحو تحرير الأسعار، أنا لا أعرف نوايا الحكومة، لكن هذا الفكر غير صحيح في الوقت الحالي؛ وبالفعل، لم تقم الحكومة حتى الآن بأي إجراء ملموس، حيث تراجعت عن إلغاء تسعير الألبان، ولم ترفع سعر الدولار في نظام نيما بشكل كبير كما كان مخططا، الزيادة الطفيفة في الأسعار، رغم تأثيرها التضخمي، يمكن التغاضي عنها إلى حد ما، ولكن التحرير الكامل غير مقبول على الإطلاق.
الأضرار الكبيرة التي سيلحقها تحرير الأسعار بالطبقة المتوسطة وذات الدخل المحدود في المجتمع لا يمكن تجاهلها، يجب أن أوضح مرة أخرى أن التعديلات الطفيفة في الأسعار يمكن قبولها، حيث أن الحكومة في هذه الظروف تعاني من عجز في الميزانية، ورفع أسعار الوقود بنسبة 30% على سبيل المثال يمكن قبوله، لكن إذا كان من المقرر أن يتم تحرير الأسعار بشكل كامل، فإن ذلك سيشكل صدمة للاقتصاد، وهو خطأ جسيم.
ما هي أولويات الحكومة في هذه الظروف الاقتصادية؟
يجب على الحكومة أن تضع أولويتها في رفع العقوبات، وليس في التحايل عليها، سياسة التحايل على العقوبات تعني في الواقع تمكين الأشخاص الذين يريدون استغلال الوضع الحالي للاستفادة من الفرص الموجودة في هذا المأزق، التحايل على العقوبات لا يجلب للاقتصاد سوى الفساد.
رفع العقوبات يجب أن تكون البرنامج الأهم للحكومة؛ في رأيي، لقد قدمنا ما يكفي من مساهماتنا في القضايا الإقليمية، واستمرار هذا النهج في المستقبل سيصبح مكلفا للغاية، واقتصادنا في الوقت الحالي لا يستطيع تحمل تكاليف هذه الصراعات، إلى متى سنظل تحت العقوبات؟ جرت الانتخابات الأمريكية يوم الثلاثاء، وإذا عدنا إلى فترة الضغط الأقصى التي نشأت سابقا مع انتخاب ترامب، فإننا سنتعرض لأضرار كبيرة، العقوبات التي لم تُحل والحديث عن تحرير الأسعار لا يعني سوى إحداث صدمة للطبقات المتوسطة والفقيرة في المجتمع.
حوار مع “سهراب دل انكيز“
ما الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في الـ100 يوم منذ توليها إدارة البلاد لتحسين الاقتصاد؟
بشكل عام، لم تتمكن الحكومة في هذه الـ100 يوم من اختيار مديريها بعد، الجنرالات الحقيقيون في الاقتصاد هم النواب والوزراء والمحافظون، ولكن دائما ما يتم التأخر في تعيين الأشخاص الكفء لهذه المناصب بسبب حساسيات غير مبررة، قد تتمكن حكومات أخرى أو دول أخرى من تنفيذ العديد من الإجراءات في 100 يوم، لكن في إيران، دائما ما يستغرق اختيار الجنرالات الاقتصاديين وقتا طويلا، بسبب القيود الكثيرة مثل الاستعلامات غير الضرورية، التنسيق مع المجموعات المختلفة وتأمين رضا المجموعات السياسية المتعددة دائما ما يشكل قيودا ويأخذ من الوقت الثمين للحكومة.
على أي حال، طالما أن الحكومة لا تجري هذه التعيينات، فلن تتمكن من تحقيق الكثير، يبدو أنه في العديد من المجالات في الوزارات المختلفة، لا يزال الوزراء غير قادرين على تغيير معاونيهم و مديريهم، لذلك، حتى يتم إجراء تغييرات فعلية، يجب إعطاء الحكومة مزيدا من الوقت، لكن يبدو أن هناك بعض التحركات نحو التغيير، على سبيل المثال، في وزارة العلوم، صدرت أوامر لعودة الطلاب والأساتذة، وفي وزارة الاقتصاد، نرى أن الوزير يتحدث عن رفع الحجب وعن مجموعة العمل المالية، كما تم اتخاذ العديد من الإجراءات في وزارة العمل لفتح مجالات العمل.
إذا اعتبرنا كتابة موازنة السنة الجديدة كأهم إجراء للحكومة في هذه الـ100 يوم، كيف تنظرون إلى الموازنة؟
لقد تم تحقيق بعض الشفافية في الموازنة، ولكن التوسع الكبير في الموازنة لا يزال يثير القلق، تم تحديد معدل نمو مرتفع جدا في موزانة العام المقبل، وهذه إجراءات يجب أن تقدم لها منظمة التخطيط والميزانية تفسيرا منطقيا للمجتمع، وتوضح ماذا فعلت ولماذا حدث ذلك.
بالمجمل، يبدو أن المجتمع أكثر تفاؤلا الآن، على سبيل المثال، في مجال العملة، يتم الآن تنظيم السوق التوافقي للعملة، هناك أيضا شفافية في مجالات أخرى؛ على سبيل المثال، الإجراءات التي تم اتخاذها في المناطق الحرة تعتبر مهمة وقد فتحت مسارا أفضل، أيضا، في مجال واردات السيارات، تم اتخاذ خطوات أفضل، رغم ذلك، لا تزال هناك مقاومة للوضع السابق، وفصل هذه الظروف وتغيير الوضع لا يزال أحد التحديات التي تواجه الحكومة، يجب على الحكومة تعيين الجنرالات الاقتصاديين، أي المعاونين والوزراء والمديرين والمحافظين الكفء بسرعة، حتى يتمكنوا من تنفيذ برامجهم في أسرع وقت ممكن.
هل الإجراءات التي تتخذها الحكومة للوصول إلى السوق الحرة ناتجة عن برنامج مدروس أم بسبب اليأس وعجز الميزانية؟
من المفترض أن يكون لدى الحكومة خطة صحيحة؛ يجب أن تتوافق هذه الخطة عمليا مع البرنامج السابع ومع الميزانية السنوية التي تتماشى مع البرنامج السابع، لذلك يجب علينا استخراج البرامج الرئيسية من البرنامج السابع ومطالبة الحكومة بتنفيذ نفس البرامج، بما أن البرنامج السابع في مجلس الشورى ويتم تنفيذه حاليا، فلا يمكننا القول إن الحكومة يجب أن تكون لديها خطة بل يجب أن تنفذ الخطة، كما يجب على الحكومة أن تضبط البرنامج السابع في إطار الميزانية السنوية، يبدو أن هناك تحركات نحو توضيح هذه المجالات، حيث يسعى النظام الحكومي إلى جعل نظام التسعير أكثر كفاءة، ويسعى أولا إلى جعل نظام الميزانية، والنظام الضريبي، والنظام النقدي، ونظام البنوك أكثر شفافية ثم أكثر كفاءة.
كيف تقيمون اتجاه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في هذه الـ100 يوم؟
لا أعتقد أن فكر هذه الحكومة بشكل أساسي هو فكر السوق الحرة، حتى لو كان بعض المديرين في الحكومة يتبنون أفكار السوق الحرة، فإن أفكار الرئيس وبعض التصريحات التي طرحت لا تشير إلى اتجاه السوق الحرة، كما أن تحركات الحكومة لا تشير إلى الاتجاه نحو السوق الحرة، ومن غير المرجح أن تكون هذه النوعية من تحرير الأسعار لتغطية عجز الميزانية، ولكن هناك مسألة مهمة وهي أن الجميع يعلم أنه عندما يرتفع التضخم، فإن الأسعار ترتفع أيضا مع التضخم، على سبيل المثال، في خلال خمس أو عشر سنوات، قد يصل سعر سلعة من 10 وحدات إلى 100 وحدة دفعة واحدة، في مثل هذه الحالة، إذا بقيت أسعار الطاقة ثابتة أو أسعار المياه والسلع الأخرى ثابتة، فإن نظام الأسعار النسبي يختل، وهذه المشكلة تؤدي إلى إسراف اقتصادي وفقدان كبير في الاقتصاد.
لا أقصد هنا أنه يجب بالضرورة زيادة أسعار البنزين أو الكهرباء أو أي ناقل طاقة آخر؛ ولكن لا يمكن قمع الأسعار بحيث تصبح القيمة النهائية لسلعة أو ناقل طاقة تقترب من الصفر، لذلك، من الضروري تصميم آلية صحيحة بحيث تزداد هذه السلع مع زيادة الأسعار السابقة.
من المهم أيضا أن يتم زيادة الأجور مقدما؛ حتى لا يشعر الناس بضغط إضافي؛ ثم يجب أن تكون هذه الزيادة في الأجور وليس على شكل إعانات تقدمها الحكومة، المعنى هنا هو أن زيادة الأجور يجب ألا تتم بطريقة تسمح للحكومة بالتهرب من دفعها.
إذا حدثت زيادة في الأجور، فإنه بناء على الزيادة في الأجور، يمكن للناس أن يستخدموا جزءا منها في دفع زيادة الأسعار في المياه أو الطاقة أو الكهرباء، وبالتالي، لا تعني زيادة أسعار ناقلات الطاقة أن الأسعار يجب أن تُحرر في الوضع الحالي.
حوار مع علي مزيكي
ما هي النتائج الاقتصادية التي حققتها حكومة بزشکیان بعد 100 يوم من توليها السلطة؟
مشكلة إيران في الواقع هي أن إدارة الصدمات لا تتم بشكل جيد، وهذه الصدمات تؤثر بسهولة على مختلف القطاعات الاقتصادية، من التضخم إلى قيمة العملة الوطنية، في الواقع، القضية هي ما هي السياسات التي يجب أن يتم اتخاذها لزيادة مرونة الاقتصاد الوطني أمام الصدمات السياسية وتقليل تأثيراتها.
السؤال الجاد هو لماذا اقتصادنا غير مرن أمام الصدمات السياسية؟ بالنظر إلى الظروف السائدة في بلدنا، فإن الإجراءات الاقتصادية التي تم اتخاذها في الحكومة الرابعة عشر حتى الآن تبدو إيجابية، في الوقت الحالي، في العديد من المجالات، لا يمكن القيام بأي شيء، المسألة الرئيسية كانت تقليل التوترات، حيث إننا رأينا أن حكومة بزشکیان بذلت جهدا حقيقيا لتقليل هذه التوترات.
هل هذا يعني أن هناك غيابا في الإجراءات الاقتصادية الملموسة؟
النهج الآخر الواضح في الإجراءات التي اتخذتها حكومة الرابعة عشر هو أن هذه الحكومة حكومة حذرة ولا تتخذ خطوات غير محسوبة.
قد يتوقع البعض، كأنصار مجموعة أو جناح معين، أن تقوم الحكومة الرابعة بتحرير الأسعار، لكن هذا الإجراء ليس عمليا إطلاقا، عندما تكون هناك اعتبارات في لعبة الاقتصاد، يجب أن نأخذها بعين الاعتبار؛ وبالتالي، إذا كان يجب أن تُؤخذ هذه الاعتبارات في الحسبان، يتضح أن الإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن هي أكثر منطقية من تحرير أسعار ناقلات الطاقة دفعة واحدة.
لم تعد قضية إيران اقتصادية بحتة، بل يجب على البلاد أن تتمكن من إقامة علاقات جيدة مع الدول الغربية ودول العالم الأخرى، في الوقت الحالي، هذه هي القضية الأهم في البلاد، وعلى الحكومة أن تتحرك في هذا الاتجاه، في ظل هذا الجو المشحون بالتوتر، قد يكون التحرك في هذا المسار صعبا للغاية، لكن ليس لدينا خيار سوى القيام بذلك، أي حكومة كانت ستتولى السلطة كانت ستضطر أيضا إلى العمل على تقليل التوترات قدر الإمكان، لأن البلاد حاليا متورطة في الكثير من التوترات التي تستوجب حلا، لا أعلم إلى أي مدى ستنجح الحكومة في تحقيق هذا الهدف، ولكن حتى مجرد عدم زيادة التوترات يُعتبر خطوة إيجابية تصب في مصلحة البلاد.
شعار الرخاء والشعارات الأخرى جميعها جيدة، لأن البلاد في الوقت الحالي تحتاج بالضبط إلى هذه الشعارات، ولكن على الرغم من أن الجميع يعرف أنه يجب تحرير الأسعار في النهاية، ويوصي بحل مشكلة العجز عبر تحرير الأسعار، إلا أن هذا ليس منطقيا، إضافة إلى ذلك، البلاد ليست لديها القدرة على تنفيذ مثل هذه البرامج، الصدمة السعرية في الاقتصاد ستؤدي إلى حدوث مشكلات عديدة، والقضية الرئيسية في الاقتصاد الوطني هي أنه يجب ألا نضيف صدمة أخرى على التوترات التي يعاني منها هذا الاقتصاد المريض.
وإلا إذا قلنا إن الحكومة ستخسر بسبب هذه الأسعار المنخفضة في مجال الطاقة وغيرها من السلع الأساسية، فهذا أمر واضح، جميع الاقتصاديين يعرفون ما هي المشاكل الموجودة في الاقتصاد، لكن عندما يتعين اتخاذ قرار عملي، فإن نفس المشاكل السابقة تحتوي على تفاصيل دقيقة سياسية يجب الانتباه إليها، ولهذا السبب، فإن كيفية تنفيذ الإجراء الجيد أكثر أهمية من مجرد تنفيذه.
في الظروف الحالية، ما الإجراء الذي يعد الأفضل؟
بالنظر إلى الظروف الحالية، فإن اتخاذ نفس نهج التوافق الوطني وتخفيف التوترات إنجاز كبير لهذه الحكومة، وأعتقد أن شعار التوافق هذا يمكن أن يكون أكثر فعالية في الاقتصاد من شعارات الاقتصاد المفتوح والحر، في رأيي، أن الحكومة تمكنت من الحفاظ على سعر الدولار إلى حد ما معقولا، في وقت نشهد فيه مثل هذه الظروف المضطربة، هو إنجاز بحد ذاته، ولا يجب البحث عن إنجازات مثالية، لأننا يجب أولا أن نأخذ في الحسبان أن الدولار، رغم كل هذه الأخبار والظروف شبه الحربية، لم يظهر رد فعل كبيرا، ورغم ارتفاعه، إلا أنه لا يزال يبدو أن هذه الزيادة تتم ببطء، لذلك، في رأيي، هذه الاتجاهات هي اتجاهات إيجابية، وفي الظروف الحالية قد لا يكون من الممكن أن نتوقع أن تذهب الحكومة نحو التحرير الكامل للأسعار.