ترجمة: نوريهان محمد البهي
نشرت صحيفة فرهيختكان، الأربعاء 1 يناير/كانون الثاني 2025، تقريرا أشارت فيه إلى تصنيف منظمة الصحة العالمية للإدمان والمخدرات كإحدى القضايا العالمية البارزة إلى جانب أسلحة الدمار الشامل والفقر والتلوث البيئي.
ذكرت الصحيفة أن إيران تواجه تحديات كبيرة بسبب موقعها على خط عبور المخدرات، حيث يؤثر الإدمان على 2.7% من السكان بين 20 و64 عاما.
وأضافت أن الاقتصاد المرتبط بالإدمان بلغ نحو 3000 تريليون ريال العام الماضي، ويشمل استهلاك المخدرات محليا وضبطها على الحدود.
كما ذكرت أن إيران ضبَطت 80% إلى 90% من الأفيون و30% من الهيروين المضبوط عالميا خلال العقدين الماضيين.
وبحسب تقرير الصحيفة، فإن الجغرافيا القريبة لإيران من أفغانستان، التي تشكل مركزا رئيسيا لإنتاج الأفيون والهيروين، أدت إلى عواقب وخيمة على قطاع المخدرات، حيث أظهرت الإحصائيات الرسمية، الصادرة عن مركز الإحصاء الإيراني (نقلا عن الأمانة العامة لمكافحة المخدرات)، زيادة كبيرة في كميات المخدرات المضبوطة- دون احتساب الحقن والأقراص المهلوسة- من 192 طنا في 1996 إلى 494 طنا في 2011، و1178 طنا في 2020، وصولا إلى 1008 أطنان في 2021، و697 طنا في 2022، و612 طنا في 2023.
ووفقا لتقرير الصحيفة، فإن الإحصائيات المتعلقة بكشف المواد المخدرة أظهرت تحولا ملحوظا من المواد التقليدية إلى الصناعية، حيث كان الأفيون في عام 1996 يشكل 86% من المواد المضبوطة، بينما كانت نسبة المورفين 6.5% والحشيش 6.3%، وكان الهيروين والكوكايين أقل من 1%.
وفي عام 2020، تراجعت نسبة الأفيون إلى 80%، بينما كانت نسبة الهيروين والمورفين 2.4% لكل منهما، و11% للحشيش، ومواد مثل الشيشة أقل من 2%.
كما أنه في السنوات الأخيرة، شهدت إيران انخفاضا كبيرا في كميات المواد المخدرة المضبوطة، حيث تراجعت بنسبة 48% في 2023 مقارنة بعام 2020، من 1178 طنا إلى 612 طنا، بينما تراجع الأفيون بنسبة 57% من 947 طنا إلى 405 أطنان.
وهذا التراجع يعكس انخفاض الإنتاج في أفغانستان، ويُتوقع أن يتحول بعض المدمنين نحو المواد المخدرة الصناعية، التي تشكل خطرا أكبر على الصحة والمال.
ورغم تكاليفها الأولية المنخفضة، فإن التجارب أظهرت أن تجار المخدرات يعرضون هذه المواد بأسعار مرتفعة بعد السيطرة على السوق.

اقتصاد المخدرات في إيران
ورغم غياب الإحصائيات الدقيقة حول القيمة السوقية للمخدرات المضبوطة، استندت تقارير صحيفة “فرهيختگان” إلى بيانات وسائل الإعلام المحلية والمقابلات مع الخبراء، فضلا عن بيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، لتقدير أسعار المواد المخدرة في السوق الإيراني.
وبحسب الإحصائيات المشار إليها لحساب قيمة المواد المخدرة، يقدر سعر الأفيون بـ20 مليار ريال لكل كيلوغرام، والهيروين 25 مليار ريال، والمورفين 35 مليار ريال، ونبات الكانابيس المخدر 25 مليار ريال.
كما يقدر سعر الشيشة بـ33 مليار ريال، بينما تقدر بقية المواد المخدرة مثل شيرة الأفيون والكوكايين بـ10 مليارات ريال.
وعلى هذا الأساس، تبلغ قيمة المخدرات المضبوطة في 2023 نحو 1.340 مليار ريال، تشمل 405 أطنان من الأفيون و12.2 طن من الهيروين، إضافة إلى كميات من المورفين ونبات الكانابيس المخدر، وغيرها من المواد المخدرة.
وفقا لتقارير الصحيفة، تمثل المخدرات وتهريب الأسلحة جزءا من “الاقتصاد غير القانوني” في إيران، حيث لا تُدرج الأنشطة المتعلقة بإنتاج وتوزيع واستهلاك المواد المخدرة في الناتج المحلي الإجمالي.
وأشار تقرير الصحيفة مستندا إلى دراسة أجراها باحث بلجنة مكافحة المخدرات بمجمع تشخيص مصلحة النظام عام 2010، إلى أن التكاليف المباشرة للمخدرات في إيران عام 2004 تجاوزت 42.545 مليار ريال، ما يعادل 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أظهرت الدراسات أن حجم الاقتصاد غير القانوني في إيران زاد من 2.5% في 1996 إلى 4% في 2014.
وفي حال حساب نسبة الاقتصاد غير القانوني بنسبة 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني لعام 2023، فإن حجمه يصل إلى 3.76 تريليون ريال. وفي حال زيادة النسبة إلى 3% أو 4%، فإن الرقم سيتراوح بين 4.18 تريليون ريال و5.57 تريليون ريال، مما يعكس حجما ضخما من الأنشطة غير القانونية.
كما تشير التقديرات إلى أن قيمة المخدرات المضبوطة في إيران عام 2023 تبلغ حوالي 1.34 تريليون ريال، دون احتساب تجارة المشروبات الكحولية أو استهلاك المخدرات محليًا، ما يعني أن الأرقام لا تعكس بالكامل حجم الاقتصاد غير القانوني.
وبحسب تقرير الصحيفة، أظهر تقرير “دراسة انتشار الإدمان” لعام 2016 أن 2.8 مليون شخص في إيران مدمنون دائما على المخدرات، مع هيمنة الأفيون والشير على 66.8% من الاستهلاك. وبحساب استهلاك المخدرات، يُقدّر حجم الاقتصاد غير القانوني في إيران بنحو 300 تريليون ريال.
كما يشير التقرير إلى أن توسع “اقتصاد المخدرات” في إيران له تبعات خطيرة اجتماعيا واقتصاديا. اجتماعيا، يتزايد انتشار الأمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) وتتصاعد معدلات الطلاق والسرقة. بينما يتأثر الوضع اقتصاديا، فيزداد الضغط على سوق العملة ورفع الأسعار، كما يشكل عبئا كبيرا على القطاع الصحي والمجتمع بشكل عام.
تبعات توسع “اقتصاد المخدرات”
وبحسب تقرير الصحيفة، يشير نمو “اقتصاد المخدرات” في إيران إلى تداعيات خطيرة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
فعلى الصعيد الاجتماعي، تتزايد الأمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، وتتصاعد معدلات الطلاق والسرقة. وقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا كبيرا في أسعار المخدرات عالميا، مما أدى إلى تفشي الغش في السوق، حيث تم تقديم مواد مخدرة غير مطابقة للمواصفات، ما أسفر عن العديد من الوفيات.
وفي هذا السياق، أشار عباس مسجدي آراني، رئيس منظمة الطب الشرعي الإيرانية، في 30 يونيو/حزيران 2023، إلى أن 644 شخصا لقوا حتفهم جراء استهلاك كحول غير مطابق للمعايير في 2022. كما تم تسجيل 459 حالة تسمم بسبب كحول ملوث بالميثانول بين 8 و24 أكتوبر/تشرين الأول 2024، مما أدى إلى وفاة 54 شخصا إثر إصابتهم بحالات تسمم خطيرة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتتجلى الأضرار في حجم الاقتصاد غير القانوني الذي يقدر بنحو 7.5 مليار دولار في 2024.
وبالنظر إلى أن جزءا كبيرا من هذا الاقتصاد يعتمد على المصادر الخارجية، يتضح أن العملة الأجنبية المستخدمة في تمويل تهريب المخدرات والمشروبات الكحولية والمواد المخدرة تُسحب من البلاد عبر تهريب الوقود أو السوق الحرة أو غير القانونية، مما يؤدي إلى زيادة الضغط على سوق العملة في إيران ورفع أسعارها.
كما يشير تقرير الصحيفة، إلى أن التكاليف الصحية والعلاجية المرتبطة بالإدمان تترتب عليها أعباء ثقيلة على قطاع الصحة، والشرطة، والحكومة، والمجتمع بشكل عام.
وبحسب ما ذكره تقرير الصحيفة، فإنه على مدار العقود الأخيرة، كانت أفغانستان، المجاورة لإيران، تعد أكبر منتج للمخدرات عالميا، حيث تنتج 90% من الحشيش والأفيون.
ووفقا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2011، اكتشفت إيران 80% من الأفيون و30% من الهيروين المكتشف عالميا.
كما أشار تقرير جين لوس ميياو، مدير السياسات العامة في مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عام 2019، إلى أن إيران اكتشفت أكثر من 630 طنا من الأفيون في 2017، ما يعادل 90% من الأفيون المكتشف عالميا في ذلك العام.
ورغم تنوع المخدرات، تؤكد الإحصائيات الدولية أن إيران تلعب دورا محوريا في مكافحة تهريب المخدرات إلى أوروبا، وهو دور إنساني لم يُقدّر بما فيه الكفاية
كما أشارت الصحيفة إلى أن إدمان المخدرات بإيران تسبب في أضرار مادية جسيمة للعديد من الأسر، كما أن مكافحة تهريب المخدرات أسفرت عن تكاليف إنسانية كبيرة. بينما ما حدث بين عامي 1978 و2023، بلغ عدد شهداء مكافحة المخدرات في إيران 3864 شهيدا، سقط معظمهم في سيستان، وبلوشستان، وكيرمان، وخراسان رضوى.
وإثر ذلك، أسفرت جهود مكافحة تهريب المخدرات في إيران عن تضحيات كبيرة، فقدت قوى الأمن الداخلي 3017 شهيدا، تليها قوات الباسيج – المتطوعيين المدنيين – بـ430 شهيدا، ثم الجيش بـ142 شهيدا، إضافة إلى 275 شهيدا من باقي الأجهزة الأمنية.
وفقا لتقرير الصحيفة، تعد أفغانستان السبب الرئيسي في تفاقم مشكلة اقتصاد المخدرات في إيران، حيث كانت أكبر منتج للأفيون لعقود.
ولكن “التقرير العالمي عن المخدرات 2024” أشار إلى تحول كبير بعد تشديد طالبان على زراعة الخشخاش، مما أدى إلى انخفاض إنتاج الأفيون بنسبة 95% من 6.200 طن في 2022 إلى 333 طنا في 2023.
وبحسب ما ذكره التقرير، تراجعت مساحات زراعة الخشخاش من 233 ألف هكتار إلى 10.800 هكتار، مما قلص إيرادات المزارعين بنسبة 92% إلى 110 ملايين دولار. ومع تراجع دور أفغانستان، بدأت دول مثل ميانمار وكولومبيا والمكسيك في الظهور كمراكز جديدة لإنتاج الأفيون، أدى هذا الانخفاض إلى زيادة أسعار الأفيون في إيران، مما ضاعف معاناة المدمنين وزاد من اللجوء إلى الجريمة لتأمين التكاليف. ومع توقعات بزيادة تهريب المخدرات الصناعية، يحذّر الخبراء من عواقب صحية خطيرة.
كما ذكرت الصحيفة أنه رغم أن انخفاض إنتاج الأفيون في أفغانستان بنسبة 95% قد يبدو إيجابيا لجيرانها، فإن الواقع يحمل تحديات كبيرة.
ووفقا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة (UNODC)، يعتمد اقتصاد آلاف المزارعين الأفغان على زراعة الأفيون، ومع منع زراعته، قد تزداد موجات الفقر في المناطق الريفية، مما يزيد من هجرة السكان إلى الدول المجاورة، وضمن ذلك إيران.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2022، كانت مساحة الأراضي المزروعة بالأفيون في أفغانستان نحو 233 ألف هكتار، مقارنة بالمساحات الصغيرة لمحاصيل أساسية في إيران. بعد تدخل أمريكا عام 2001، قفزت المساحات المزروعة بالأفيون من 80 ألف هكتار إلى 233 ألف هكتار حتى 2022.
ومع خروج القوات الأمريكية وتدهور الاقتصاد الأفغاني، يقدر عدد المهاجرين الأفغان في إيران بين 8 و10 ملايين شخص، ما يخلق تحديات أمنية واقتصادية لإيران.
جدير بالذكر، يظل التحدي الأكبر أمام المجتمع الدولي هو مواجهة ظاهرة المخدرات والإدمان؛ لما لها من تأثيرات مدمرة على الأمن الاجتماعي والاقتصادي، مما يستدعي جهودا موحدة للتصدي لهذا الخطر المتزايد.