ترجمة: شروق السيد
في مقابلة حصرية مع وكالة “خبر أونلاین“، تحدث صادق زيبا كلام، الأكاديمي والمفكر الإيراني البارز، عن التحديات التي تواجه حكومة مسعود بزشكيان في التعامل مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، استعرض “زيبا كلام” جذور العداء الإيراني-الأمريكي، ودعا بزشكيان إلى اتخاذ “خطوة تاريخية” لإنهاء العداء المستمر منذ أكثر من أربعة عقود، وأكد أن المصلحة الوطنية تقتضي تجاوز الخلافات وإعادة النظر في طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة.
كتب الموقع الإيراني “خبر أونلاین”: إن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية كان مصدر قلق لكثير من الإيرانيين، فكيف يمكن لوجوده في البيت الأبيض أن يجعل الأوضاع أكثر صعوبة لإيران لا يزال غير واضح، ورغم ما يُقال عن أن ترامب الحالي يختلف كثيرا عن ترامب السابق، فإن الإيرانيين لا يحملون ذكريات طيبة عنه لتغيير رأيهم تجاه عودته.
العقوبات والخروج من الاتفاق النووي (برجام) كانا أكبر الضربات التي وجهها ترامب لإيران، والآن السؤال هو: كيف ستتعامل إيران معه؟ وما سياسات الحكومة الرابعة عشرة (الحكومة الحالية لمسعود بزشكيان) تجاه الإدارة الأمريكية الجديدة؟
طرحت وكالة “خبر أونلاین” هذه الأسئلة على صادق زيبا كلام، الذي يعتقد أن “بزشكيان يجب أن يقوم بتضحية كبيرة وتاريخية من أجل مستقبل إيران، مثلما فعل الراحل هاشمي رفسنجاني عام 1987 عندما أنهى الحرب، يجب على السيد بزشكيان أن يقوم بهذه التضحية وينهي العداوة، بغض النظر عن السياسات التي سيتبناها ترامب في الأشهر المقبلة”.
طرح زيبا كلام أيضا رأيا قد يثير جدلا، حيث قال: “نحن من بدأ العداء مع أمريكا وليس العكس”.
لقراءة النص الكامل لمقابلة وكالة “خبر أونلاین” مع صادق زيبا كلام، تابعوا التفاصيل.
سيد زيبا، السؤال الأهم الذي يشغل الجميع الآن بشأن حكومة بزشكيان هو: كيف ستتعامل مع أمريكا في عهد ترامب؟
على مدار 46 عاما، سمعنا من شخصيات مثل بزشكيان، وعراقجي، وظريف أنهم يقولون دائما إنه لا يهمنا من يتولى الحكم في أمريكا، سواء كان الديمقراطيون أو الجمهوريون، وسواء كان البيت الأبيض بيد جو بايدن أو دونالد ترامب.
لقد كرر المسؤولون الكبار في إيران مرارا وتكرارا، أن الأمر لا يختلف بالنسبة لنا من يكون رئيسا في أمريكا، لأن أمريكا عدو لنا، عدو للثورة، عدو لإيران، وعدو للشعب الإيراني، ومن ثم لا فرق بالنسبة لهم أي أمريكي أو من أي حزب، يتولى رئاسة أمريكا، لكن الحقيقة ليست كذلك.
أي إن تصورك مختلف؟
نعم. لم تكن الولايات المتحدة هي التي بدأت العداء مع إيران، لم تبدأ أمريكا عداءها مع إيران منذ اليوم التالي لانتصار الثورة، نحن الثوريين من حولنا معاداة أمريكا إلى أحد المحاور الأساسية لخطاب الثورة منذ اليوم التالي لانتصارها.
الولايات المتحدة اعترفت بالدولة الجديدة بعد الثورة، ولكننا لأسباب متعددة، منها التنافس بين الماركسيين والإسلاميين الراديكاليين، بدأنا العداء مع الأمريكيين، الإسلاميون الراديكاليون، لإثبات أنهم أكثر ثورية من الماركسيين، اتخذوا مواقف أكثر عداء.
إذا كان الماركسيون يرفعون شعارات مناهضة لأمريكا، فنحن احتللنا السفارة الأمريكية وأجبرنا الأمريكيين على الركوع أمام أعين العالم، منذ ذلك الحين، وبسبب ظروفنا الداخلية، سعينا وراء معاداة أمريكا.
الهدف من الثورة كان تحقيق سيادة القانون، وإجراء انتخابات حرة، وما إلى ذلك وليس معاداة أمريكا
هذه الأمور لم تكن جزءا من أهداف وأيديولوجيات الثورة، يكفي أن نراجع أرشيف الثورة والوثائق العديدة المرتبطة بها، ونستمع إلى خطب الإمام ومقابلات رجال الدين وغيرهم خلال فترة الثورة، لنرى ما الذي قامت الثورة من أجله حقا؟
النضال ضد نظام محمد رضا بهلوي، هل كان من أجل معاداة أمريكا؟ أم كان من أجل سيادة القانون، وعدم وجود سجناء سياسيين، وإجراء انتخابات حرة، وحرية الصحافة؟ هذه كانت أهداف الثورة، وليس العداء لأمريكا.
لكن على أي حال، هذا العداء استمر 46 عاما وألحق أضرارا بالمصالح الوطنية الإيرانية، بطبيعة الحال، عندما قلنا “الموت لأمريكا” وعندما أعلنّا أننا نريد كسر هيمنة أمريكا، كان من المتوقع ألا تبقى أمريكا مكتوفة الأيدي، وقد ردت الولايات المتحدة على الإجراءات التي اتخذناها ضدها.
بزشكيان في موقف حاسم، والتاريخ سيحكم عليه، ما الذي يجب على بزشكيان فعله في هذا الوضع؟
أعتقد أن بزشكيان يقف الآن في لحظة حاسمة جدا. التاريخ سيحكم عليه بناء على قراره، هل سيستمر في هذا العداء، أم سيعمل على إنهائه؟ على مدار 46 عاما، كلما حاولت التيارات السياسية الأكثر اعتدالا وواقعية تقليل التوترات بين إيران وأمريكا، واجهت معارضة شديدة من القوى المتشددة والراديكالية داخل البلاد، ولم يُسمح لها بالمضي قدما، أول محاولة لتقليل العداء لأمريكا كانت خلال الحرب، وفي عهد رئاسة الراحل هاشمي رفسنجاني.
حاول الدكتور عطاء الله مهاجراني، الذي أصبح الآن من أشد معادي أمريكا، أن يقوم بخطوة ليقول إن أمريكا ليست عدونا، ويسعى لتخفيف حدة العداء، لكننا رأينا كيف تم إيقافه ومنعه من تنفيذ خططه.
أما في عهد الرئيس خاتمي، فالجميع يتذكر الضغط الهائل الذي تعرض له حتى لا يتوجه نحو تقليل التوترات، وحتى لا تصبح مبادرة “حوار الحضارات” أمرا جديا، وفي عهد أحمدي نجاد، كان هو نفسه يعزز معاداة أمريكا، وخلال فترة روحاني، رأينا أيضا كم كان الضغط كبيرا عليه، لدرجة أنه عندما ذهب إلى نيويورك، كانت هناك مخاوف من مجرد تبادل التحية مع أوباما، حتى المكالمة الهاتفية بينه وبين أوباما قوبلت بانتقادات واسعة من قبل الثوريين داخل البلاد، وهكذا، استمر هذا العداء بلا توقف.
العديد من المسؤولين لا يريدون استمرار العداء مع الولايات المتحدة
إذا كان بزشكيان يعتقد أن معاداة أمريكا والعداء معها يصبان في مصلحة إيران، فلا بأس، فقد استمرت هذه السياسة 46 عاما، ويمكن أن تستمر من الآن فصاعدا، لكني على يقين بأن كثيرا من المسؤولين في إيران لا يريدون حقا استمرار هذا العداء مع أمريكا، لأنهم أدركوا الثمن الباهظ الذي ندفعه من جراء هذا العداء، لكن لا أحد منهم يجرؤ على القول صراحةً إن هذا العداء يجب أن ينتهي.
بدلا من ذلك، يقولون إننا لم نبدأ العداء، وإنه لا يهمنا من يكون رئيسا في أمريكا، الكلام نفسه الذي يردده بزشكيان، حيث يقول إنهم قد أعدوا أنفسهم ووضعوا خططا لقدوم ترامب.
أتمنى لو أن أحدا يسأله: ما هذه الخطط التي وضعتموها؟ هل خططتم لتوفير الماء، والقمح، والبنزين، والغاز؟ ما نوع التخطيط الذي يمكن القيام به أساسا؟
في رأيي، يجب على بزشكيان أن يتخذ قرارا تاريخيا لإنقاذ البلاد، ويضحي بنفسه من أجل مستقبل الثورة، حقا عليه أن ينهي هذا العداء.
لو كنت أمريكيّا، فلن أصوّت لصالح ترامب، وهل تعتقد أن السيد بزشكيان سيتخذ هذه الخطوة؟
انظروا، مما سمعته من الدكتور بزشكيان، أنه تحدث عن قضايا مثل البنزين، والنفط، والماء، والكهرباء، والغاز، وارتفاع الأسعار، لكن بالتأكيد بزشكيان لا يمكنه أن يتجاهل أن جذور كل هذه المشاكل والمعاناة تعود إلى هذا الصراع الأيديولوجي اليساري الذي هو إرث من الماركسيين والشيوعيين في زمن الثورة، ومع ذلك، أعتقد أن أعظم خدمة يمكن أن يقدمها بزشكيان لإيران وللأجيال القادمة هي إنهاء العداء مع أمريكا.
لا يمكننا أن نتجاهل إرادة الشعب الأمريكي، ملايين الأمريكيين صوتوا لترامب، أنا شخصيا قلت مرارا إن ترامب عنصري ومعادٍ للمرأة، لكنني أضفت دائما أنني أحترم قرار الشعب الأمريكي، حتى لو كنتُ أمريكيّا، لَما صوتُّ له، هذا هو الحد الأدنى من التوقعات التي يجب أن يفي بها بزشكيان تجاه الشعب الأمريكي، عليك يا سيد بزشكيان أن تحترم اختيار الشعب الأمريكي، صحيحٌ أنك تعارض سياسات دونالد ترامب، لكن يجب أن نحترم هذا الاختيار.
أفهم جيدا أن بزشكيان لا يمكنه فتح السفارة الأمريكية في شارع طالقاني، لكنه يمكن أن يكسر بعض الجليد، يمكنه أن يقول: “أهنئ الشعب الأمريكي”. يجب أن يبدأ كسر هذه المحظورات من مكان ما.
في الأيام القليلة الماضية، تحدث العديد من السياسيين عن إمكانية إنهاء العداء مع أمريكا في العهد الجديد، وذكروا التغيرات التي طرأت على ترامب، هل تعتقد أن ترامب اليوم مختلف عن ترامب قبل أربع سنوات بما يكفي للتحدث عن إنهاء العداء؟
مدى اختلاف ترامب الآن عن ترامب قبل أربع سنوات، ومن سيكون وزراؤه، وإلى متى سيستمر في دعم نتنياهو، وما إذا كان سيظل ملتزما بما قاله مرارا بشأن منع إيران من امتلاك سلاح نووي، كلها أمور ستكشف في المستقبل.
ما أقوله هو أن بزشكيان يجب أن يقوم بتضحية كبيرة وتاريخية من أجل مستقبل إيران، تماما كما فعل الراحل هاشمي رفسنجاني في عام 1987 عندما أنهى الحرب، بزشكيان يجب أن يتخذ هذه الخطوة أيضا وينهي العداء، بغض النظر عن السياسات التي سيتبعها ترامب في الأشهر المقبلة.