ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
أجرت صحيفة “آرمان ملي” الإيرانية الإصلاحية، يوم الأحد 9 مارس/آذار 2025، حوارا مع الدكتور علي بيگدلي، المحلل في العلاقات الدولية، ناقشت فيه تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بخصوص التفاوض مع إيران والرسالة التي قال إنه أرسلها إلى المرشد الإيراني.
وإلى نص الحوار:
ما الهدف الأساسي لترامب من ادعائه إرسال رسالة إلى المرشد الإيراني؟
ترامب ليس سياسيا بارعا يلتزم بالمبادئ السياسية، ولا يحترم الأعراف الدبلوماسية، ولهذا يلجأ إلى مثل هذه التحركات لإظهار القوة.
في مثل هذه الظروف، يجد الطرف الآخر نفسه في حالة ارتباك أمام سلوكيات ترامب غير المتوقعة، حيث يصعب تحديد كيفية التعامل معه. ويرجع ذلك إلى أن تصرفاته وإجراءاته لا تتماشى مع المبادئ الأساسية للسياسة والدبلوماسية.
يمكن اعتبار كتابة الرسالة بمثابة محاولة لوضع النقاط على الحروف تمهيدا لتهيئة الأوضاع الداخلية. من ناحية أخرى، فإن ترامب يتأثر بشكل واضح باللوبيات اليهودية، التي دعمته في الانتخابات، وهو الآن يسعى إلى رد هذا الدعم من خلال سياساته.
أعتقد أنه رغم أن تصرفات ترامب تفتقر إلى اللباقة السياسية، فإنه لا ينبغي إغلاق جميع قنوات الاتصال، بل يجب البحث عن حلول وسط لمنع انسداد آفاق التغيير. في الوضع الحالي، يمكننا الدخول في مفاوضات غير مباشرة وسرية مع ترامب عبر الدول الأوروبية. ويجب في هذه المرحلة الانتباه جيدا إلى التصريحات الرسمية، وتجنب الإدلاء بتصريحات قد تؤدي إلى استفزاز ترامب، لأن بعض التصريحات تزيد من حدة التوتر.
حاليا، هناك حديث عن وساطة روسية، لكن سياسات ترامب تتسم بعدم الاستقرار، فهو يسعى إلى استعادة ما يراه نفوذا مفقودا للولايات المتحدة. هذه الاستراتيجية تُعرف بسياسة “السيف”، حيث تبدأ بفرض التهديدات والضغوط على الطرف الآخر لإجباره على التفاوض، ومن ثم انتزاع التنازلات منه.
نظرا إلى تعقيد المشهد الإقليمي والأوضاع الداخلية، يجب تجنب أي خطوة تزيد من التوتر. لذا، يجب أن تخضع كل سياسة قد تؤدي إلى اضطراب المجتمع لدراسة دقيقة. ومن هذا المنطلق، لا ينبغي إغلاق جميع الأبواب أمام فرص التغيير والحوار.
في السنوات الأربع التي كان فيها رئيسا للولايات المتحدة، استخدم ترامب الأسلوب نفسه ضد إيران. فلماذا يسلك ترامب مرة أخرى طريقا سبق أن سلكه ولم يحقق منه نتيجة؟
هذه الحالة لا تقتصر على إيران فحسب، بل إنه اتبع النهج ذاته مع زيلينسكي وبوتين وحتى بن سلمان. المشكلة الرئيسية لدى ترامب هي عدم اكتراثه بالمبادئ الأساسية في السياسة والدبلوماسية، فهو يسعى دائما إلى فرض إرادته ورغباته على الآخرين، ظنّا منه أن ذلك سيحقق لأمريكا المكانة التي يريدها.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أنه رغم كونه رجل أعمال، فإن التفاوض والتعامل معه أمر صعب للغاية، بسبب تجاهله للقواعد الأساسية في السياسة. وقد اتبع النهج ذاته مع الدول الأوروبية أيضا، لذلك فإن إيران ليست الوحيدة التي تواجه هذا الوضع.
لهذا السبب، قد يكون إبداء بعض المرونة في التعامل معه خيارا أفضل وأكثر فاعلية. والمقصود بالمرونة هو النظر في الخيارات المتعددة واختيار الأنسب من بينها. إدراك أن سلوك ترامب يفتقر إلى المبادئ وأنه يتعامل بهذه الطريقة مع جميع الدول يمكن أن يساعد في إيجاد سبل للتعامل مع الوضع.
فترامب، لكونه غير ملتزم بأي قواعد سياسية، يمكن أن يتأثر سريعا بأي تغير، سواء بالإيجاب أو السلب. وفي ظل التحديات الحالية، يمكن مواجهة سياساته بأسلوب مرن ورؤية استراتيجية.
استخدام وساطة دولية والتواصل مع الدول التي لا تنظر إلى سياسات ترامب بإيجابية قد يكونان أحد الحلول. كما أن الحوار والتشاور مع الأوروبيين يمكن أن يمهدا الطريق لإنشاء قناة تواصل غير رسمية وسرية تساعد في التعامل مع هذه الأزمة.
روسيا قبلت الوساطة بين إيران والولايات المتحدة. فهل يمكن، من خلال ذلك، النظر في إمكانية اقتراب إيران والولايات المتحدة في النهاية من طاولة المفاوضات؟
في المرحلة الأولى، يتعين على ترامب حل مشاكله مع بوتين. لقد تراجع إلى حد كبير أمام بوتين، ويرجع ذلك إلى القوة العسكرية الروسية وامتلاكها 45 ألف رأس نووي. حتى إنه حذّر زيلينسكي من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى تصعيد الحرب وربما إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، مشيرا بذلك إلى القوة النووية الروسية.
في الواقع، تبنّى ترامب نهجا مختلفا تماما في تعامله مع بوتين، وهو يختلف بشكل كبير عن نهج بايدن. في المقابل، تعامل مع الدول الأوروبية بطريقة أخرى، حيث تجاهلها إلى حد كبير. وقد صرّح مندوب روسيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنه إذا كان ترامب ذكيا، فعليه أن يفكر فقط في القوة النووية الروسية.
وأنا أؤمن بذلك أيضا، وأعتقد أن ترامب رفع سقف توقعاته من إيران إلى مستوى عالٍ جدا ليحقق الحد الأدنى من مطالبه، ولذلك لا ينبغي أن ننخدع بهذا النهج، ولا ينبغي لنا اتخاذ مسار يمكن تفسيره على أنه انتقام.
في زيارة السيد عراقجي للسعودية، كان السيد خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، حاضرا أيضا. فما معنى هذا الحضور؟ وهل من المقرر أن تتوسط السعودية بين إيران وأمريكا؟
نعم، تسعى السعودية إلى التوسط بين إيران وأمريكا. فهي تدرك جيدا أنه في حال نشوب حرب بين إيران وأمريكا وإسرائيل، ستتعرض ممتلكاتها وخططها الطموحة لتحويل نفسها إلى “سويسرا الشرق الأوسط” لأضرار جسيمة. ولهذا، فإن أحد محاور زيارة السيد عراقجي للسعودية يتعلق بالمفاوضات بين إيران وأمريكا. يبدو أن محمد بن سلمان طلب من كلا الطرفين تقريب وجهات النظر، فهو من جهة يجري مشاورات وحوارات مع إيران، ومن جهة أخرى على اتصال بالجانب الأمريكي.
كما تدرك الدول الأوروبية وأمريكا أن منطقة الشرق الأوسط تشهد تراكما لرأس المال، في حين تواجه هذه الدول تحديات متعلقة بالبطالة في بلدانها، ما يدفعها إلى استغلال هذه الفرصة لصالحها. ولذلك، فإن أمريكا والدول الأوروبية لا تميل إطلاقا إلى تصعيد التوترات. كما توصلت إيران والغرب إلى قناعة بأن الحرب ليست الحل المناسب للمشكلات الحالية. ومن هنا، يُتوقع بذل كل الجهود الممكنة لخفض التوترات.
ورغم أن تقليل التوترات يمكن ربطه بالمصالح الوطنية، فإن إيجاد طريقة تجمع بين تقليل التوترات والحفاظ على المصالح الوطنية ليس بالأمر السهل، لكنه ليس مستحيلا أيضا. ففي الساحة الدولية، ترتبط مرونة الدول بالحفاظ على مصالحها الوطنية. كما ينبغي الأخذ في الاعتبار أن العلاقات بين إيران وكلٍّ من الصين وروسيا تطورت عبر السنوات إلى مستوى لا يمكن تجاهله، وإذا كان بالإمكان الاستفادة من إمكانات هاتين الدولتين لحل المشكلات الاقتصادية، فلا ينبغي التردد في ذلك.
لكن ينبغي النظر إلى الأمر من زاوية أخرى أيضا. فروسيا، رغم حربها في أوكرانيا، لا تزال تحتفظ باتفاقيات نفطية وغير نفطية مع الدول العربية، كما تحافظ على علاقات وثيقة مع إسرائيل. وقد اكتسبت روسيا موقعها في الشرق الأوسط بصعوبة، ولن تتخلى عنه بسهولة. أما الصين، بوصفها ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، فلن تقيد نفسها بدولة بعينها. وعلى جميع الفاعلين السياسيين في إيران أن يدركوا أهمية رؤية العلاقات التجارية مع الصين بواقعية دون مبالغة. ورغم أن بعض التصريحات قد تكون موجهة للاستهلاك الداخلي وتهدف إلى تهدئة الأوضاع، فإنها قد لا تحمل تأثيرا فعليا خارج هذا الإطار.