كتبت: رضوى أحمد
تحدث حسين مرعشي، الأمين العام لحزب “البناء” الإيراني، عن العلاقات الجديدة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بعد فوز ترامب، وأشار إلى عدم تصادم مصالح إيران مع أمريكا بشكل دائم، فقد ذكر مواقف تضمنت توافق مصالح الدولتين، وقام بعرض مقترحات نشرت في مقال بصحيفة “سازندگي” بعنوان “وقت إنهاء النزاع”، بحسب تقرير وكالة أنباء خبر أونلاين السبت 9 نوفمبر/تشرين الثاني.
قال حسين مرعشي يمكن تحليل انتخابات أمريكا وفوز ترامب من عدة جوانب:
أولا، القضايا الداخلية في أمريكا والأحداث التي وقعت خلال السنوات الأربع الماضية، من احتجاج دونالد ترامب ومؤيديه على نتائج الانتخابات والهجوم على الكونغرس، إلى رفع عشرات القضايا الجنائية ضده، ولم يكن أي منها قادرا على منع ترشحه في الانتخابات والفوز بها.
في الولايات المتحدة يُعتبر الرئيس أعلى سلطة في البلاد وليس منصبا شكليا أو رمزيا، وقد يتساءل البعض في إيران: لماذا لم تكن قضايا ترامب مهمة بالنسبة لجماعة من الجمهوريين وأولئك الذين شاركوا في انتخابات بنسبة مشاركة تزيد على 70%؟ ولماذا لم تمنع هذه القضايا ترامب من المشاركة في الانتخابات؟
قد يعتقد كثيرون في إيران أن هذه الحادثة -التي تمكن فيها شخص لديه عشرات القضايا من المشاركة في الانتخابات- تُعتبر سمة إيجابية، لأن المجتمع الذي يولي اهتماما بالانتخابات لا يكترث للاتهامات أو الانحرافات الموجهة إليه، إضافة إلى أن القوانين واللوائح في أمريكا تسمح لشخص يحمل هذا القدر من الاتهامات بالمشاركة في الانتخابات.
على أي حال، قد لا يُنظر في إيران إلى مثل هذه الحالة بشكل إيجابي، لكن في النهاية لا تقيد حرية عامة الناس بأمريكا في اختيار رئيسهم بأي شكل من الأشكال، أي إنه عندما يَصلون إلى الاقتراع، فلن يحول دون ذلك الاختيار أيُّ قانون أو أي لائحة ملفات من الاتهامات، وهذه نقطة مهمة يجب الانتباه إليها. كما أن هذه المسألة تُظهر أن الحرية في أمريكا مهمة جدا لشعب هذا البلد لدرجة أن أي اتهام لا يمكنه أن يبعد شخصا عن خيار الشعب.
النقطة الثانية هي مسألة المنافسات الانتخابية الجادة في أمريكا ووعي المجتمع هناك بالحقائق، فقد صوَّت الناس لمن تمكن من السيطرة على جائحة كورونا في الماضي، وتقليل التضخم، وتحقيق الرفاهية دون تضخم، وإدارة الاقتصاد، وبالطبع، هذه المسألة لا تعني بالضرورة أن اختيار ترامب لا يتعلق بسياساته الدولية.
أهم سبب لاختيار ترامب وإعادة انتخابه كان تركيز الناس على مسألة خفض التضخم والحفاظ على رفاهيتهم أو زيادتها. ويضاف إلى ذلك أنه في مجتمع المسلمين بأمريكا، كان المسلمون لأول مرة غير راضين بشدة عن أداء حكومة بايدن والديمقراطيين في مسألة فلسطين فصوتوا لترامب، ولكن ماذا عن العلاقات بين إيران وأمريكا؟ لدينا تجربة ترامب.
نؤكد في هذا الصدد، أننا نفهم جيدا الفرق بين تعامل ترامب مع إيران في الفترة السابقة وتعامل بايدن، فحينما قرر ترامب فرض أقصى الضغوط على إيران، خفض صادرات النفط الإيرانية إلى أقل من 200 ألف برميل، لكننا في فترة بايدن استطعنا تصدير النفط والغاز الطبيعي حتى 1.5 مليون برميل، وحققنا استقرارا نسبيا في الاقتصاد، ولهذا السبب يوجد فرق كبير بالنسبة لنا بين حكومة بايدن وحكومة ترامب، لكن هذه الفروق ليست شيئا يمكن أن يجبر الجمهورية الإيرانية على التراجع.
لدى إيران نظام قوي على الصعيد الداخلي، ولديها أيضا قوة كبيرة في المنطقة، ولذلك، لا يمكن لأي حكومة في أمريكا أن لا تحسب حسابا لها.
النقطة الثالثة والمهمة هي أنه لا يوجد سبب أساسي يمنع نظاما سياسيا من جعل بلده أو دولته أو شعبه في منطقة آمنة، ولا يوجد سبب يجعلنا في حالة خصام دائم مع دولة مثل أمريكا التي تمتلك قوة اقتصادية عالمية، وتكنولوجيا متقدمة، وسوقا ضخمة، وتفوقا عسكريا على جميع الدول، ولها تأثير في منطقة الشرق الأوسط أيضا.
كان من الممكن أن نصل إلى اتفاق لوقف النزاع في الماضي، والآن ليس ضروريا أن نقيم علاقاتنا مع الأمريكيين ونتعاون معهم في عمل ثقيل وطويل الأمد، ولكن ليس هناك سبب يجعلنا في حالة نزاع دائم.
منذ الماضي وحتى الآن، كانت مواقفنا في بعض القضايا بمنطقة الشرق الأوسط قريبة من الأمريكيين. فمثلا إزاحة صدام حسين وحزب البعث في العراق، فعندما قرر الأمريكيون الإطاحة بصدام بعد غزو العراق للكويت، كنا متوافقين مع أمريكا وكانت مصالحنا متوافقة مع مصالحهم. وبعد هذا تواجدوا بالعراق في أثناء محاولة إيجاد حكومة تعبر عن الشعب.
كان لدينا أصدقاء من الأكراد والشيعة في العراق، يشكلون الأغلبية الساحقة، وكانت لدينا مصالح. كانت حدود إيران والعراق غير آمنة ومهددة على مر القرون، سواء في زمن العثمانيين أو عند تنظيم العراق، لكنها الآن تحولت إلى حدود صداقة. وفي شرق إيران أيضا، عندما قرر الأمريكيون الإطاحة بطالبان، كانت مصالحنا مشتركة.
الأمر نفسه الآن في مسألة فلسطين، سواء في موضوع وقف إطلاق النار أو تشكيل الحكومة الفلسطينية، يمكن اعتبار سياسة الدولتين حاليا سياسة وسطية بالنسبة لإيران، على الرغم من أن إيران تحمل طموحا عظيما يتمثل في إقامة دولة فلسطين وحكومة على هذه الأرض؛ لذا وبدون شك وبغض النظر عن كون الشخص يهوديا أو عربيا أو غير عربي، مسيحيا أو مسلما، يمكن للجميع في أرض فلسطين أن يشاركوا في تشكيل الحكومة من خلال إجراء استفتاء، ولكن إلى أن نصل إلى السامي، بإمكان إيران أن تتعامل مع الحكومة الثانية كحلٍّ، وهو الحل النهائي في نظر العالم كله، أما نحن فنراه حلا مؤقتا، وبالطبع معنى هذه الاستراتيجية ليس الاعتراف بإسرائيل.
أي إنه إذا توصل العرب والفلسطينيون إلى اتفاق لتشكيل الحكومة الثانية، يمكننا الاعتراف بالحكومة الثانية وعدم الاعتراف بالحكومة الأولى.
على أي حال، أود أن أؤكد أنه لا ينبغي أن نتصور أن جميع مصالحنا في المنطقة تتعارض مع الأمريكيين؛ لذا لا أرى الآن سببا يجعل البلاد في حالة خصام مع الأمريكيين، وكانت توجد في الماضي فرص تاريخية يمكننا الاستفادة منها، ولكننا لم نفعل، والسبب في ذلك يعود أساسا إلى خلافاتنا الداخلية.
على أي حال، إذا كان هناك أي خلاف بين السياسيين وصانعي القرار في إيران، فإن الموضوع لم ينتهِ في النهاية إلى إنهاء الخصام.
أعتقد أن هناك دائما فرصة لإنهاء هذا الصراع وستكون موجودة، ولذا يجب ألا تكون نظرتنا إلى ترامب نظرة سلبية 100%؛ لأنه في النهاية هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي ذهب عدة مرات إلى النقطة الحدودية بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية للقاء زعيم كوريا الشمالية، وكان مهتما بحل قضية كوريا الشمالية، على الرغم من أنه لم ينجح.
الآن تمر منطقة الشرق الأوسط بمرحلة صعبة جدا، ومن المؤكد أنه بدون موافقة إيران وبدون وجودها، لن تُحل أي من قضايا المنطقة، فوجود إيران القوي وتأثيرها يخلقان فرصة تمكننا -حتى خلال فترة رئاسة ترامب- من الوصول في الخطوة الأولى إلى وقف إطلاق النار وفي الخطوة الثانية إلى سلام دائم في الشرق الأوسط، وأن تسير إيران نحو إنهاء الصراع مع الولايات المتحدة.
يذكر البعض فترة رئاسة ترامب السابقة وسلوكه مع إيران، ونحن لم ننسَ أن ترامب عندما كان رئيسا للولايات المتحدة قام بتمزيق الاتفاق النووي، وتنقسم هذه القضية إلى جزأين: الأول هو أن خطوة ترامب للخروج من الاتفاق النووي كانت ضارة للغرب، وإذا نظرنا إلى آراء الخبراء الغربيين فسنرى أنهم قالوا إن خروج ترامب من الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) أدى إلى تعزيز إيران قدراتها في تخصيب اليورانيوم، مما جعل الأجيال الجديدة من أجهزة الطرد المركزي لديها قوية لدرجة أنه لم يعد بالإمكان العودة إلى الوراء.
صحيحٌ أن خروج ترامب من الاتفاق النووي أحدث ضغطا اقتصاديا كبيرا على إيران، ولكن وفقا لما صرح به جميع الخبراء الغربيين، لم ينجح ذلك في كبح إيران، بل استطاعت إيران استغلال هذه الفرصة بأفضل شكل لتواصل عملها في البرنامج النووي بشكل جيد.
المسألة الثانية هي تبرير بايدن، فكان بإمكانه كما عاد إلى اتفاقية باريس لتغير المناخ بحزم في الأيام المئة الأولى من رئاسته، أن يعود بسرعة إلى الاتفاق النووي، وكانت إيران ستتعاون بالتأكيد وتُحل المشكلة، لكن كان الخطأ من الجانب الأمريكي.
بدا الأمر في إيران أن البرلمان وأصحاب القرار لم يكونوا مهتمين بأن يُسجل هذا النجاح الكبير باسم روحاني في الأشهر الأخيرة من حكومته، وفي الواقع كما أكدت سابقا، أن العديد من قضايانا مع الأمريكيين تختصر بلا شك، في الخلافات الداخلية، وإحدى أبرز القضايا كانت أن بعض الأصدقاء لم يرغبوا في نجاح روحاني في إعادة إحياء الاتفاق النووي في الأشهر الأخيرة من حكومته.
ولكن عندما بدأ عمل الحكومة الثالثة عشرة، تقدم إبراهيم رئيسي -الذي كان في الواقع نتاج حزمة سياسات خاصة- إلى الأمام في سياسة تحييد العقوبات، واستمرت هذه السياسة ثلاث سنوات؛ لأنهم اعتقدوا أنه يمكنهم من خلال تحييد العقوبات حل مشاكل البلاد، لكن مشاكل البلاد بقيت كما هي؛ أي إن التضخم لم ينخفض قط عن 40%، وفي النهاية فشلت سياسة حكومة رئيسي.
تواجه إيران اليوم أمريكا بعبء كبير من التجارب، ويوجه هذا العبء من التجارب رئيس الجمهورية والمسؤولين الحكوميين أنه بدون الضغوط المحتملة التي يرغب ترامب في فرضها، يجب علينا التعاون مع الجيران والدول الإسلامية لنتمكن من وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، ويجب أن نستفيد إلى أقصى حد من الالتزام الذي قدمه ترامب قبل الانتخابات عندما قال “إنه لن يبدأ حربا”، وإنه “مهتم بإنهاء الحروب”. وتستطيع إيران بمشاركة الدول الإسلامية أن تهيئ أرضية مهمة لإنهاء الحرب في غزة ولبنان، ويمكن لإيران وأمريكا أن يتحركوا في هذا الاتجاه نحو إنهاء النزاع.
لذلك، أعتقد أن ترامب لن يكون ذلك الرئيسَ الأمريكي الذي خرج من الاتفاق النووي في ولايته الأولى بجرة قلم، ونحن لسنا في الوضع السابق نفسه، حيث توجد فجوة بين حكومة روحاني والمؤسسات الحاكمة. إن شعار بزشکیان هو الوفاق، وفي الوفاق الوطني، يتطلب الأمر تعاون جميع المؤسسات للحفاظ على المصالح الوطنية، ويمكن أن تكون هذه السياسة فعّالة اليوم؛ بمعنى أن بزشكيان يمكنه المساهمة في عملية تحقيق وقف إطلاق النار في غزة ولبنان وتشكيل حكومة فلسطينية، كما يستطيع، من خلال تبني استراتيجية الوفاق الوطني، توجيه القوات المسلحة والسلطات الثلاث والهيئات العليا للخروج من الخصومة. نتيجة لذلك، فهذه فرصة جديدة أتيحت لإيران. ورغم أن السياسات العامة للأمريكيين، سواء الديمقراطيون أو الجمهوريون، كلها مرتبطة ببعض القضايا، مثل زيادة قوة إيران ومسألة القوة الصاروخية الإيرانية، إلا أنها لا تستطيع إيقاف قوة إيران ونفوذها.