كتب: محمد بركات
ترحيب واسع عكسته وسائل الإعلام الإيرانية، بالاشتباكات الأخيرة التي وقعت في سوريا، حيث وصفتها بأنها انتفاضة شعبية ضد ما اعتبرته نظاما تقوده جماعة إرهابية، فقد رأت وسائل الإعلام هذه التطورات كنقطة تحوُّل لصالح ما وصفته بالمقاومة الشعبية، مشيرة إلى تصاعد الاحتجاجات والاشتباكات ضد الحكومة الانتقالية، كما سلطت الضوء على ما اعتبرته نجاحا للمعارضة في تحقيق مكاسب ميدانية، مؤكدةً أن هذه الأحداث تمثل بداية مرحلة جديدة في المشهد السوري، مشهد سعت إيران خلال الأشهر الأخيرة، ومنذ سقوط بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، إلى أن تكون جزءا منه.
شبح الحرب يعود من جديد
تحت هذا العنوان استعرضت صحيفة اعتماد، في عددها الصادر السبت 8 مارس/آذار 2025، الأوضاع الأخيرة في سوريا، حيث ذكرت أن “الاضطرابات في سوريا تصاعدت مع اندلاع احتجاجات واسعة في مدن اللاذقية وطرطوس؛ وذلك رفضا للهجمات الجوية على جبلة، المعروفة بأنها معقل الطائفة العلوية، حيث خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع، مطالبين بوقف القتال ومحاسبة المسؤولين عن التصعيد، وبعد ساعات من الاحتجاجات، وقعت اشتباكات عنيفة عندما حاولت قوات الأمن اعتقال أحد المسؤولين السابقين في النظام، مما أدى إلى كمين مسلح أودى بحياة 16 عنصرا أمنيا، وأشعل مواجهات بين القوات الحكومية والمسلحين الموالين للنظام السابق”.
وتكمل: “امتدت المواجهات إلى عدة قرى، مثل بيت عانا وحرف الساري، حيث قُتل ما بين 42 و70 شخصا، بينما فرّ مئات السكان من مناطقهم. في طرطوس، رفع المتظاهرون شعار طرطوس وجبلة واحدة، تعبيرا عن تضامنهم مع المناطق المتأثرة. كما شهدت مدن أخرى مثل حمص وإدلب احتجاجات، حيث انقسم المتظاهرون بين مؤيدين للحكومة الانتقالية ومطالبين بانسحابها من المناطق الساحلية”.
وتضيف: “في ظل تصاعد التوتر، فرضت الحكومة حظر تجول ليليا، فيما واصلت الفصائل المسلحة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، على حد وصف الصحيفة، هجماتها على مواقع حكومية، مستخدمةً المدفعية والطيران الحربي. كما وردت تقارير عن سيطرة المعارضة على مواقع استراتيجية، منها القاعدة البحرية في اللاذقية والمطار العسكري في سطام”.
كما ذكرت أنه “من جهتها، اتهمت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) زعيم (تحرير الشام) أحمد الشرع، بالوقوف وراء التصعيد، محذرة من ارتكاب مجازر بحق المدنيين. في المقابل، دعمت تركيا الحكومة الانتقالية، وأرسلت تعزيزات عسكرية عبر معبر باب الهوى، في حين دانت السعودية تدخُّل الجولاني المدعوم من أنقرة”.
وختمت بأن “الحكومة الانتقالية، التي تحاول ترسيخ سيطرتها، نشرت تعزيزات عسكرية ضخمة في اللاذقية وطرطوس، وسط تقارير عن استمرار العمليات الأمنية واعتقالات واسعة. ومع استمرار الفوضى في المناطق الساحلية ذات الغالبية العلوية، تبدو هذه الأزمة أكبر اختبار يواجه الحكومة الجديدة منذ سقوط نظام الأسد قبل ثلاثة أشهر، مما يثير مخاوف من تصعيد أكبر في المستقبل”.
انتفاضة الشعب السوري ضد إرهابيي الجولاني
هذا وقد وصفت صحيفة كيهان الأصولية المشهد في سوريا بأنه انتفاضة ضد نظام إرهابي، حيث كتبت مساء الجمعة 7 مارس/آذار 2025: “تشهد سوريا موجة احتجاجات واسعة وانتفاضة قوية بدأت في السويداء وامتدت إلى طرطوس واللاذقية، حيث تصاعدت المظاهرات ضد حكومة أحمد الشرع، المعروف بالجولاني، وزعامته لـ(تحرير الشام). ففي السويداء، ندد المتظاهرون بسياسات الجولاني، بينما دعمت قيادات دينية درزية، وعلى رأسها الشيخ حكمت الهجري، وحدة سوريا ورفضت أي تحركات انفصالية”.
وتابعت: “وقد تصاعدت التظاهرات ضد (تحرير الشام) في اللاذقية وطرطوس، حيث تتركز الطائفة العلوية، واندلعت اشتباكات بين قوات المقاومة الشعبية ومسلحي الجولاني، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. كما أعلن المجلس الإسلامي العلوي دعمه للمحتجين، داعيا إلى تظاهرات سلمية ضد حكومة الإرهاب”.
كما أشارت الصحيفة: “هذا وتفيد تقارير إعلامية من سوريا بأن العميد غياث سليمان دلا، الضابط السابق في الفرقة الرابعة للجيش السوري، يتولى قيادة الانتفاضة في البلاد، وقد انتشرت تقارير تفيد بأنه يطالب بانسحاب كامل لقوات تحرير الشام من المناطق الساحلية ذات الغالبية العلوية، وضمن ذلك اللاذقية وطرطوس، مقابل الإفراج عن أسرى تحرير الشام”.
انتفاضة الشباب السوري ضد الجولاني
هذا وقد نشرت صحيفة همشهري تقريرا عن أحداث سوريا، حيث كتبت: “تشهد سوريا موجة جديدة من الاحتجاجات والمعارك الواسعة، إذ تؤدي الهزائم المتتالية لقوات الجولاني، ودخول القوات التركية والإسرائيلية إلى المشهد، إلى تغييرات مصيرية في البلاد، فمنذ ليلة الخميس 6 مارس/آذار 2025، اندلعت معارك عنيفة في محافظة السويداء، وأسفرت عن قتلى وجرحى من الطرفين، فيما ردّت القوات السورية باستخدام أسلحة ثقيلة، بينما خرجت مظاهرات شعبية ضد الجولاني في السويداء وامتدت إلى طرطوس، حيث حاصر المتظاهرون مبنى المحافظة.
وأضافت أنه “بالتزامن مع توسيع القتال، فقد أعلن عن تشكيل المجلس العسكري لتحرير سوريا بقيادة العميد غياث سليمان دلا، الذي تعهد بتحرير البلاد من الاحتلال الأجنبي وإعادة بناء مؤسساتها على أسس ديمقراطية، في حين فرضت السلطات السورية حظرا للتجول في طرطوس من العاشرة مساء حتى العاشرة صباحا للحد من العنف المتزايد”.
وتكمل: “طلب الجولاني دعما عسكريا عاجلا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحثّه على تنفيذ ضربات جوية ضد المناطق العلوية، نجحت المقاومة في الاستيلاء على مرتفعات النبي يونس شرقي اللاذقية، مما يمنحها ميزة عسكرية مهمة، أعلن “المرصد السوري لحقوق الإنسان” عن سقوط 70 قتيلا وعشرات الأسرى خلال المعارك. من جانبه، قال حافظ الأسد، نجل بشار الأسد، الذي لديه حضور كبير في الإعلام عكس والده، معلقا على الأحداث الأخيرة في سوريا، إن “الجولاني على موعد مع مفاجأة كبيرة ستحدث في الداخل السوري”.
وتخلص الصحيفة إلى أن “المقاومة الشعبية في سوريا أثبتت فعاليتها من خلال عدة مؤشرات، أبرزها الاشتباكات العنيفة مع قوات النظام وارتفاع عدد القتلى في صفوف الجولاني، إضافة إلى السيطرة على مقر القيادة البحرية في اللاذقية، كما يُظهر طلب الجولاني من تركيا شن ضربات جوية على المناطق العلوية مدى تأثير المقاومة. ما يميز هذه المقاومة هو تنظيمها القوي، حيث تم تشكيل المجلس العسكري لتحرير سوريا بقيادة اللواء غياث سليمان دلا، أحد القادة السابقين في جيش بشار الأسد. ورغم محاولات الحكومة الانتقالية السورية تصوير المقاومة على أنها محصورة بالمجتمع العلوي، فإن لديها إمكانية التوسع في جميع أنحاء سوريا، مما قد يجعلها أداة قوية لاستعادة الحقوق”.
وتختتم الصحيفة بأن “علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، كان قد توقع خلال خطاب له في ديسمبر/كانون الأول 2024، أن المقاومة الشعبية السورية ستنهض لمواجهة الانتهاكات، مؤكدا أن الأوضاع لن تبقى كما هي، وأن الشباب السوريين سيصمدون ويتغلبون على التحديات، حتى لو كلفهم ذلك تقديم التضحيات”.
الانتفاضة الشعبية ضد الجولاني
من جانبها نشرت صحيفة وطن امروز رؤيتها للأحدث، حيث قالت: “بعد سقوط حكومة بشار الأسد، تشكل المجلس العسكري لتحرير سوريا بقيادة اللواء غياث سليمان دلا؛ لمواجهة حكومة أحمد الشرع التي وُصفت بالمستبدة والإرهابية، يسعى المجلس إلى تحرير سوريا من الجماعات المسلحة، وإسقاط حكومة الجولاني، وحماية المدنيين”.
وتكمل: “أدى الإعلان عن هذا المجلس إلى احتجاجات واسعة في مناطق مثل جبلة، واللاذقية، وطرطوس وحلب ضد حكومة الجولاني، التي ردت بقمع المتظاهرين عبر القصف الجوي والمدفعي. كما نجحت المقاومة الشعبية في السيطرة على مطار عسكري في اللاذقية وإلحاق خسائر بقوات الجولاني”.
وتضيف: “أدى تصاعد موجة العنف إلى أزمة إنسانية متفاقمة، حيث فرضت الحكومة الموقتة حظر تجول في اللاذقية وطرطوس، بينما امتدت الاشتباكات إلى طريق طرطوس-حمص. في المقابل، أصدرت المراجع الدينية العلوية بيانات تدعو إلى وقف العنف، في حين دعمت السعودية المعارضة، على حسب وصف الصحيفة، بينما حذرت تركيا من خطر تقسيم البلاد”.
هذا وتعرض الصحيفة تحليلها للأيام القادمة، حيث تقول: “يُعزى تصاعد الاحتجاجات إلى تزايد الإحباط الشعبي من حكومة الجولاني، التي لم تحافظ على وحدة سوريا، وأدى تدخل القوى الأجنبية إلى تعقيد الوضع، فالسيناريوهات المستقبلية تتراوح بين انتفاضة أوسع تشمل الأكراد، ومنح العلويين حكما ذاتيا، واستمرار النزاع دون حسم، أو حرب أهلية طويلة الأمد بين العلويين وحكومة الجولاني”.
العلاقات الإيرانية السورية بعد سقوط الأسد
بعد سقوط نظام بشار الأسد، في ديسمبر/كانون الأول 2024، دخلت العلاقات الإيرانية السورية في مرحلة جديدة، حيث كانت إيران واحدة من أبرز الداعمين لنظام الأسد خلال الحرب السورية عام 2011، فقدمت دعما عسكريا واقتصاديا وسياسيا، ومع وصول أحمد الشرع إلى السلطة، بدأت سوريا مرحلة انتقالية حاولت فيها إعادة تعريف علاقاتها الخارجية، وضمن ذلك مع إيران.
ففي البداية، عبَّر الشرع مرارا بعد توليه السلطة عن موقفه الرافض للوجود الإيراني في سوريا، معتبرا أن نظام الأسد كان مجرد أداة بيد طهران لنشر نفوذها الإقليمي، حيث أكد الجولاني خلال لقاء صحفي في ديسمبر/كانون الأول 2024، أن إسقاط نظام الأسد أعاد المشروع الإيراني في المنطقة 40 عاما إلى الوراء، مشيرا إلى أن سوريا لن تكون بعد اليوم منصة للنفوذ الإيراني أو تهديد استقرار الدول العربية. كما شدد على أن حكومته لن تسمح باستخدام الأراضي السورية لتهريب الأسلحة أو المخدرات إلى الدول المجاورة، في إشارة إلى الأنشطة التي كانت إيران وحلفاؤها متهمين بها خلال حكم الأسد.
من جانبها، حاولت طهران الحفاظ على موطئ قدم في سوريا عبر القنوات الدبلوماسية، فعيّن عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، محمد رؤوف الشيباني، ممثلا خاصا له للشأن السوري، في 12 يناير/كانون الثاني 2025، والذي أعلن في فبراير/شباط 2025، أن إيران تتبادل رسائل دبلوماسية مع النظام السوري.
ومؤخرا، وخلال لقاء صحفي في فبراير/شباط، قال الشرع إن سوريا لا يمكنها قطع العلاقات مع دولة كبيرة في المنطقة مثل إيران، ولكن ينبغي أن تكون علاقات دمشق وطهران قائمة على المبادئ الدبلوماسية، والاحترام المتبادل لسيادة البلدين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مضيفا: “أعتقد أن دور إيران في المنطقة يجب أن يكون إيجابيا ومفهوما، والمرحلة الحالية تستلزم من إيران إعادة النظر في سياساتها”.